كما توقعت سيحاول اعلام الدعايات ان يبيعنا تفجير جسر القرم على انه دليل على ضعف روسيا او على قوة اوكرانيا .. ولكن العملية بحد ذاتها تدل على ضعف اوكرانيا العسكري فهي لم تقدر ان تدمره بشكل مباشر ولم تقدر ان ترسل طائرة او سربا جويا لقصف الجسر وتحويله الى بيرل هاربر روسيا .. ولم تقم بانزال مظلي لقوات كوماندوس لاحتلال الجسر ..
العملية عملية سخيفة يمكن ان يقدر عليها اي جهادي وأي جهاز مخابرات يرسل سيارة مفخخة او يفجر قاطرة وقود في قطار .. ولكن طريقة صياغة الخبر هي طريقة اعلامية ماكرة وفيها براعة في الاستعراض .. فالخبر يتم توزيعه وتسويقه على انه ضربة قوية لروسيا وصفعة على وجه بوتين وأنه كان هدية عيد ملاده وانه فشل على فشل على فشل روسي .. فشل في الاستخبارات وفشل في الردع .. وأن بوتين الذي تعهد يان يرد على اي اعتداء على أراض روسية سيكون في حرج من أمره ..
هنا علينا ان نتذكر أن الغرب هو ماكينة اعلام ضخمة وهو خبير في مخاطبة الناس .. وخاصة الناس التي لاتقدر على التحليل والقراءة وتتلقى كل ماتسمع دون اعتراض او مساءلة ..
رغم رمزية العملية وأهميتها المعنوية الا ان مكانتها العسكرية تافهة والروس يعرفون انها مجرد عملية رمزية وان المراد بها سمعة روسيا وهيبتها .. وهم يدركون ان هناك استعجالا اوكرانيا أطلسيا للرد الروسي الانفعالي غير المدروس .. ولكن من يرى الحشود العسكرية الروسية يدرك انها تعمل بثبات وسرعة ولكنها ليست مستعجلة لأن توزعها وحركتها تدلان على ان معركة فاصلة ستحدث قريبا سواء اصيب الجسر أم لم يصب .. بل انني أحاول ان أمنع نفسي من التساؤل ان كان التفجير من تدبير المخابرات الروسية نفسها لتحويله الى شاحن وطني للشعب الروسي .. كان من الضروري خلقه للانطلاق بالمرحلة الأهم في الحرب .. لكنني لاأزال أستبعد ذلك ..

الروس لم يعودوا يفكرون بطريقة انفعالية منذ سقطوا في حفرة البيريسترويكا .. وبوتين لايهمه الانتقام بقدر مايهمه ان يستفيد من هذا الحادث في جعل الروس مقتنعين انهم يخوضون حربا مقدسة ولاخيار لهم فيها الا ان ينتصروا .. والتفجير في الحقيقة هو أثمن هدية عيد ميلاد لبوتين .. بوتين ليس بحاجة الى نصر في عيد ميلاده بل بحاجة الى صورة قوية وحدث استفزازي تثبت للروس على انه جاء في موعده مع القدر لانقاذ روسيا التي تتعرض للخطر .. فجاء التفجير هدية مجانية له ليشحن به همم الروس ويزيد من شراسة وضرواة انضمامهم للمعركة بعد ان صار الاعلام الغربي يقول ان الشباب الروسي يهرب من روسيا لأنه لايريد الحرب .. ولكن توقيت الهجوم وتوزيعه على انه تحد لبوتين صار تحديا للشعب الروسي .. الذي سيضغط على الرئيس بوتين كي يلجأ الى اطلاق العنان للجيش والسلاح الروسي الأقوى في العالم واطلاق اقسى الخيارت التي لاترحم .. مهما كان الثمن .. ولولا بعض التعقل لقلت ان المخابرات الروسية هي التي فجرت الجسر لتفجير المشاعر الوطنية الروسية الى أقصى مدى دون ان تلحق الاذي ياي مواطن روسي .. ليكون الجسر مثل حادثة تفجير برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر .. فتفجير برجي التجارة عبر القاعدة كان الورقة التي يريدها المحافظون الجدد للانطلاق في مشروهم العنيف لاحتلال 7 بلدان مشرقية .. وبوتين لن يضيع الفرصة الذهبية في شحن عواطف الروس .. لن يضيع بوتين هذه الفرصة التي ضيعها الايرانيون عقب استشهاد قاسم سليماني عندما انتفضت كل ايران وكانت مستعدة لأي معركة وانتقام كفيلين باخراج اميريكا من الشرق الاوسط كله .. ولكن القادة الايرانيين فضلوا التريث في الانتقام .. فضاعت فرصة استعمال هذا التدفق الهائل في الغضب والمشاعر الى الابد .. وهاهم الاميريكيون يتسللون الى الشارع الايراني ويحاولون تفجيره وتشتيته بعد اجماعه على التوحد في الانتقام لسليماني ..
ماحدث يقول ان الحرب وصلت اليوم الى نقطة اللاعودة .. لأن بوتين الذي كان يحس ان هناك امكانية اوروبية للحياد عندما لايستعمل القوة الضاربة كلها .. وكان يدرك ان اعلان الخرب قد لايجمع عليه الروس .. لكنه الان في وضع لايلومه الاوروبيون عليه بعد ان انتظرهم بما يكفي ليعلنوا الحياد .. وهو اليوم سيجد ان كل روسيا لم تعد مترددة في اعلان الحرب متى يشاء ..
الحرب العالمية الثالثة قد تنطلق بالسلاح التقليدي ولن يلجأ أحد للسلاح النووي .. الا ان روسيا ستستخدمه في أوكرانيا اذا تدخل الغرب بكل ثقله العسكري .. وسيكون هناك تفاهم ان الحرب ستبقى في أوكرانيا مهما تطورت الاحداث ..
الاميريكيون يخوضون معركة مصيرية بالنسبة لهم .. والروس كذلك لكن الدافع الروسي للحرب أقوى بكثير من الدافع الامريكي .. واصرارهم لايشك فيه الا الغبي .. ولو كان هناك من يفهم العقل الروسي لما قدم هذه الهدية الثمينة لبوتين والقوميين الروس الذي سيتحولون الى متطرفين جدا .. والذين لن يتوقفوا الا في كييف .. شاء بوتين أم ابى ..

