الرومانسية والعقل .. هل تشق البقرة المقدسة البريكس؟


كل رومانسية هي مشروع ضد العقل .. وهي تحارب العقل .. واذا كان سبينوزا يقول ان الدين يحتقر العقل وأن العقل يحتقر الدين فانني أقول مصححا او مضيفا بأن: الرومانسية تحتقر العقل والعقل يحتقر الرومانسية .. وأعني هنا الرومانسية الثقافية والسياسية والدينية .. فالرومانسيون انواع منهم رومانسيون دينيون ومنهم رومانسيون علمانيون .. فالنوع الاول أنتج لنا رومانسية داعش والقاعدة ورومانسية الاخوان المسلمين الذين عندما عجزوا عن نقلنا عبر الزمن الى زمن الصحابة والدعوة والغزوات فانهم قرروا ان يسافر الزمن الينا بدل ان نسافر اليه .. فألبسونا اللحى والعمامات والسروايل القصيرة وحفوا شواربنا وسبوا نساءنا وجعلوا يحشرون التراث والاحاديث في طعامنا وشرابنا وهوائنا الذي نتشقه وبين معادلات الفيزياء والكيمياء .. وكانت رومانسية الاخوان المسلمين انتقائية فهي فقط رومانسية للعثمانية حيث يحن الاخواني الى زمن الباشوات والولاة الأتراك ويحن الى زمن الاقطاعيين الذين كانوا يستعبدون شبابنا ويعاملونهم كالعبيد .. ويشتاقون وهم يغمضون عيونهم بتلذذ الى زمن تجرف الجندرمة التركية أبناءنا ورجالنا من الحقول والمزارع وتسوقهم كالاغنام الى حروبها في البلقان والسويس والسفربرلك حيث تقدمهم قرابين للسلطنة .. ثم تقتحم الجندرمة بيوتنا وتصادر قمحنا وخبزنا لاطعام الشعب التركي في الحرب وتتركنا بلا خبز لا طعام ..


لابزال الرومانسيون العرب مصدر ازعاجي ولايزال هؤلاء برأيي هم سبب الكارثة التي تحل بنا .. ويحق لي بعد مراجعتي لمافعلوه ان أقول بأنهم أشد اعدائي .. فالرومانسيون الحالمون هم من ينظر الى العالم بسذاجة ويحتفلون بكل مهرجان وشعار جميل ويقبلون كل الدعوات للاعراس وتصديق التمنيات الحالمة .. ولذلك فانهم بالنسبة لي كانوا مثل الحمار يحمل أسفارا .. فهؤلاء الرومانسيون حملوا على ظهورهم كل بضاعة اوروبة عن الحرية والديمقراطية وكل ثقافتها وتجربتها السياسية وحقوق الانسان وتغنوا بغلاوة الانسان على قلوب الحكومات الغربية ودلاله في الدساتير الاوروبية .. مقابل رخص ثمن الانسان على الحكومات العربية الثورية .. وكانت المقارنات الثقافية الظالمة الرومانسية هي سبب بلائنا ولهاثنا خلف حلم دمرنا وجعلنا أسرى سراب الوهم .. وهؤلاء حملوا لنا كل نظريات التفوق العرقي والعقلي والحضاري الغربي الى جانب الرومانسية لأن الاعجاب المفرط بالاخر ونظرياته السياسية يعني انه متفوق أخلاقي ويحق له ان يحتقىنا زيعاملنا كالسوقة .. وهؤلاء حملوا لنا كل أحصنة طروادة الى نفوسنا الهشة التعبة من حقب الاستعمار والتخلف ..


للأسف كل رومانسية خارج رومانسية الحب هي خصم للعقل .. وفي الحب فقط فانها أفضل من العقل .. وكارثتنا هي تلك الرومانسية الثقافية والفكرية والسياسية .. ولايزال الرومانسيون العرب هم نقطة ضعفنا .. وهم حميرنا التي تحمل أسفارا .. فكل مايعلمونه في السياسة هو قشورها وشعاراتها التجارية وأحلام العصافير .. وكل فهمهم للثقافة الغربية يأتي من خلال اعلام تسويقي تشويقي عن المتعة في الحرية والديمقراطية دون معرفة انها عسل مسموم .. وان الديمقراطيات الغربية نفسها هي ديكتاتوريات متقنعة ..
اذا أزحت رومانسية المثقفين العرب التي أصيبوا بها منذ ان دخل نابليون الى مصر وشاهدوا جنوده وسمعوا مدافعه فانني أجد انهم لم يتغيروا حتى اليوم وهم يرون مدافع الحرية الديمقراطية الغربية .. والذي تغير فقط هو نوع المدفع وصاحبه .. فقد كان المدفع فرنسيا واليوم صار اميريكيا .. وهؤلاء الرومانسيون أسميهم عشاق المدافع ..


اذا كنت لاتزال تظن ان الغرب منتج للحرية فانك لاشك تحمل أسفارك على ظهرك ان لم تكن ترى مارآه العقل من وحشية اميريكا والغرب ووحشية اوروبة في اوروبة نفسها منذ 70 سنة فقط حتى انها أنهكت العالم وانهكت نفسها بجشعها وأنانيتها .. وبعد كل هذا فان أوروبة تظن ان العالم غابة وأدغال وأنها هي الحديقة المليئة بالورود كما قال جوزيف بوريل في آخر صيحة عنصرية استعلائية ..
يكفي ان ترى ذلك البائس أوباما وقد أوتي به الى البيت الابيض ليوقع باصابعه السوداء على القرارات البيضاء .. حيث كانت هيلاري كلينتون وفريقها هم من يدير البيت الابيض فعليا .. ويكفي ان تنظر الى رؤساء الحكومات الاوروبية لتدرك انهم ليسوا بزعماء ولايملكون اي قرار وانهم مجرد موظفون للعالم السفلي او الدولة العميقة .. فترى ان رئيسة وزراء فنلندة مخمورة سكرى وثملة ولكنها موجودة فقط بمهمة امريكية لتعلن الحرب على روسيا والانضمام للناتو كما تأمرها الدولة العميقة .. ولاشك انكم تعرفون الصبي ايمانويل ماكرون الذي أوتي به لأنه رجل اميريكا في فرنسا .. وستذهلون وانتم تتعرفون على اوروبة المحتلة من قبل الاميريكيين بحيث يساق الاوروبيون شعوبا وقبائل الى حرب يبردون فيها ويجوعون فيها ويصابون بالفقر فيها ويدخلون في دوامة اللاستقرار الاقتصادي من أجل حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل وهي حرب اوكرانيا .. ومافعلته اميريكا بهم هو نفس مافعلته بالعرب والمسلمين الذين قاتلوا بدمهم ولحمهم في حروب اميريكا كلها ولم ينلهم شيء من الصيد الوفير .. بل صار الصيادون العرب هم الصيد الجديد ..


اليوم وبوصول ريشي سوناك الى رئاسة الوزراء في بريطانيا يكبّر الرومانسيون العرب وينظرون في عيوننا مزهوين انهم أثبتوا اننا على خطأ وان الديمقراطية الغربية هي الدواء لقلة العدالة واللامساواة .. لأن المساواة ظهرت وجاء الحق وزهق الباطل .. وهي نفس تكبيراتهم عندما وصل اوباما الاسود والمسلم الاب الى البيت الابيض .. وهم بعيونهم التي تشبه عيون الارانب لايرون في هذا التغيير سوى انه يدل على ان العقل الغربي متحرر جدا وقد تجاوز العنصرية ووصلت المساواة الى نموذجها النبوي .. فصار اوباما هو بلال الحبشي .. وسوناك هو سلمان الفارسي حيث العدالة القصوى التي حلم بها حتى النبي وحتى كل متدين ..


وكي تعلم كيف ولماذا وصل ريشي سوناك فانه عليك ان تعلم ان هذا الاسمر تم سوقه الى رئاسة الوزراء من أجل لونه ودون انتخابات حزبية رغم ان الديمقراطية هي عصب الثرثرة الغربية وقلبها النابض وغيابها يشبه الصلاة في ماخور بين الراقصات الخليعات .. فالديمقراطية هي الهيكل المقدس والكأس المقدس ومع هذا فقد رمى العقل الغربي الكأس المقدس وشرب بكأس الديكتاتوريات وكأس (الضرورات تبيح المحظورات) .. ونصّب الاسمر الهندوسي الذي أتى من ثقافة تقديس البقر رئيسا لوزراء اكبر دولة عنصرية وأم العنصريات الاوروبية والتي لاتزال مرافئها لم تغتسل من آثار ترحيل شحنات العبيد الى اميريكا ولم تغسل العقود ظهور المساكين الهنود في القارة الهندية من آثار سياط شركة الهند الشرقية .. ولاتزال دموع غاندي ممزوجة مع مياه نهر الغانج المقدس من ظلم السادة البيض له ..
وصول سوناك الى الحكم في بريطانيا سيفجر مآقي الرومانسيين العرب الذين سيقولون انه درس في الحرية وفي تساوي حقوق الانسان .. ولكنهم لايعرفون ان سوناك لم يأت بسبب خبرته العظيمة في الاقتصاد فهناك من هو أكفأ منه .. بل جاء لثقب البريكس ومحاولة خلخلة علاقة الهند بالصين وروسيا ..


في جلسة مع مثقفين اوروبيين كان الجميع متفقين على أن البريطانيين هم سادة المراوغة واللعب على الحبال .. وقد وجدوا ان الهند تلعب دورا كبيرا في البريكس وان دورها يتنامى .. ولكنها قد تكون نقطة الضعف في البريكس القابلة للاختراق .. ووجدوا ان الغاز والنفط الروسيين يتسربان بسهولة عبر الانابيب جنوبا نحو الصين والهند .. ويجب ان تحطم البريكس وتنهار على رأس بوتين وأصحابه الصينيين ..


ماسيقرره سوناك للاقتصاد البريطاني لن يكون خطته ولاقراره بل هي قرارات مسبقة سترسل اليه من البنوك البريطانية والشركات الاميريكية كما كانت ترسل الى بوريس جونسون وكما كانت سترسل الى تراس .. واسقاط تراس بهذا الشكل الدراماتيكي كان لتبرير ايصال سوناك وكان أيضا بسبب تقارير عن اختراق المخابرات الروسية لاتصالات ليز تراس والاطلاع على أسرار وزارة الخارجية البريطانية وصار محرجا ابقاؤها رئيسة للوزراء لانها تشكل اعترافا ان الخارجية البريطانية مخترقة وهي من يصب الزيت على النار في الحرب على روسيا ويؤججها وليست اوروبة .. وكان لابد من اخراجها والانتقال الى تقديم تنازل عرقي وعنصري كبير لرجال الاعمال الهنود والمستثمرين الهنود وشركاتهم في الطاقة من أجل الانضمام الى الجهود الانغلوساكسونية ضد روسيا والصين والبريكس عموما .. فكان سوناك هو نقطة الاتكاء وبداية التقارب مع الاقتصاد الهندي والاقتصاد الأسمر عموما لانه لن يصل في مجتمع المحافظين الانكلوساكسون بالانتخابات الحرة .. فكان لابد من سيناريو التخلص من تراس كي يصل سوناك مثل عمل اسعافي لامفر منه يقبل به الجميع المذعورون من أداء تراس الرديء في الاقتصاد ..


سوناك تلقى اول تهنئة من رئيس وزراء الهند ولهذه دلالاتها .. وهناك حملة لاظهاره مخلصا لهنودسيته وهو يقدس بقرة .. ويبخرها .. وهذا يعني وضع جسور مع القارة الهندية والتعامل معه على انه ممثل الهند في بريطانيا والعالم الانكلوساكسوني .. وستعمل الهند والاثرياء الهنود وشركاتهم على عدم اظهاره فاشلا وستقدم أثمانا مقابل نجاحه كرمز لسقوط المرحلة الاستعمارية ووصول مظاهرة الملح التي قام بها غاندي الى سواحل البحر الى بريطانيا نفسها ..


سوناك وغيره من الملونين في العالم الابيض سيكونون أكثر بياضا في داخلهم من البيض انفسهم .. فهؤلاء أكثر تطرفا من البيض لأنهم وبسبب العقدة من العرق واللون سيحاولون التشبه بالسلوك العنصري واثبات انهم أكثر ملكية من الملك الابيض نفسه .. ولو ان جلودهم سمراء فان عقولهم بيضاء جدا وشاحبة جدا .. كما كان اوباما .. وكوندوليزا رايس وكولن باول .. أشد بياضا في ولائهم للسياسة البيضاء من اي أبيض ..


أوروبة أفرغت تماما من القيادات الفاعلة والنخب المؤثرة التي حوصرت او غيبت .. وكل اوروبة مجندة اليوم شعوبا وقيادات وأحزابا ومثقفين في خدمة السيد الامريكي الذي يفصل بالسكين والحرب رأس اوروبة ويجز عنقها في أوكرانيا ليفصلها عن جسدها الذي يضخ لها البقاء والقوة من جغرافيا روسيا .. وسيحاول الاميريكي ان يستعمل كل الاسلحة القذرة ومنها سلاح العرق وسلاح اللون .. وماذا في ذلك طالما انهم في يوم من الايام تحالفوا مع الروس البيض الشيوعيين ضد البيض الآريين النازيين .. وطالما انهم استقبلوا المسلمين المجاهدين ورفعوا الاذان في البيت الأبيض من أجل هزيمة الاتحاد السوفييتي .. وطالما انهم تحالفوا مع الاخوان المسلمين ضد القوى العلمانية والجمهورية في العالم العربي فيما ان أكثر من اثار الكراهية ضد الاسلام والمسلمين في هذا الكوكب هم الاميريكيون والبريطانيون ..
بالأمس استعملوا جلد باراك أوباما الاسود ليمسحوا به الدماء التي على ايديهم وعهود العبودية ولكن لن تتغير العنصرية بدليل قتل السود بعنصرية الى الان في شوارع اميريكا مثل جورج فلويد .. وجلد اوباما المسلم الجذور كان مفيدا ليمسحوا به دم المسلمين عن جدران البيت الابيض حيث ارتكبت بحقهم مجازر لاحدود لها في العراق وسورية وليبيا واليمن .. واليوم يستعملون جلد سوناك الاسمر ليمسحوا بها 300 سنة من الذكريات الاستعمارية المقيتة والمجازر بحق الهنود المسالمين .. ليتحالفوا مع الاوليغارشيا الهندية والرأسماليين ورجال الاعمال الهنود وشركاتهم .. لانقاذ الاقتصاد البريطاني والامريكي اللذين يتراجعان أمام البريكس ولمحاصرة اقتصاد البريكس او ثقبه واختراقه عبر شركات بريطانية وامريكية وهندية ستفتح لها عبر علاقات سوناك مع الشرق وشركاته .. عندما تنتهي المهمة سيعود سوناك الى المتحف .. ولكن القلب الابيض والعقل الشاحب البارد لم يتغير في الدولة العميقة .. وفي ذلك العالم السفلي العنصري المخيف .. الذي يستعمل أي سلاح .. حتى السلاح العرقي ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s