في نهر هيراقلطيس القديم الذي يجري منذ الازل حيث لايقفز الانسان في النهر الواحد مرتين يجري سحر الفلسفة كما التعويذة المقدسة .. هي مقولة عجيبة لم تقدر اي مناورة فلسفية ان تغيرها .. لأن الثواني التي تمضي هي قطرات في نهر الزمن .. ومايحيط بتلك الثواني من ظروف وأشخاص وطقس وحرارة ومكان يستحيل ان يعاد انتاجه وتجميعه .. فعندما ننتصر في زمن ما وبرجال خلقوا في ذلك الزمن وبسلاح ذلك الزمن وبكل ظروف ذلك الزمن فان تلك اللحظات الحاسمات ملك لهم .. وتذهب معهم .. وعندما يمضون فانها تمضي ولاتعود .. واذا ماأحضرنا كل شيء كان وجمعناه لنعيد خلق تلك الثانية فاننا نخدع الزمن ونخدع الحقيقة ونخدع أنفسنا .. واي لحظة مستدعاة من زمن مضى ليس لها اي قوة من زمنها الذي كانت فيه قوية وتحمل التغيير والانتصار .. ومن هنا فان مقولة هيراقليطس فيها نصيحة الله صانع الاقدار أن لاتحاولوا القفز في نهر الزمن مرتين لتلتقوا نفس القطرات من الثواني ..
الأمم اليائسة تقفز في نهر ذكرياتها كلما اقترب أجلها واقتربت نهاياتها .. كما يحاول المسلمون القفز في نهر الاسلام ولحظاته الراشدية .. فاذا بهم يسقطون في ماء آخر او يسقطون غالبا في نهر جف بلا ماء .. هذه الامم تظن انها تعيد استقدام من تظن انهم يعيدون الزمن القديم .. وتظل الامة تقفز وتقفز في النهر ذاته كي تبلل نفسها بالماء وتطفو .. وتكتشف ان الماء راكد وآسن ومتعفن وأن ماءه الجديد ليس يشبه القديم .. وهو النهر الذي يقفز فيه الاسرائيليون ليستحموا في نهر نتن وماء نتن وقائد نتن اسمه نتن ياهو .. كل اسرائيل تقفز اليوم في النهر ثانية الى ان تكتشف ان النهر الذي صار مستنقعا قد جف تماما وأنها تقفز على الصخور والحجارة .. صخور الشرق الاوسط الجديد .. الذي ولد في مخاض صعب جدا لسقوط مشروع الربيع العربي الذي بدأ مع شارون باسقاط بغداد وكان يريد ان ينتهي في زمن نتنياهو باسقاط دمشق .. فلم تسقط دمشق .. وتوقف الانهيار .. وتوقف تدفق الماء في نهر اسرائيل ..
لم تكن عودة نتنياهو مفاجأة لنا .. بل ان المفاجأة ستكون ان لم يعد .. ولو اختار الاسرائيليون شخصا آخر لخشيت من أن توقعاتنا بأن هذا الكيان يتآكل نفسيا قد أخطأت .. فالامة القوية التي خبرت المحن تأتي بجيل جديد .. وتأتي بماء جديد يوافق الثواني الجديدة …
اليوم يستجير الاسرائيليون بنتنياهو صاحب الربيع العربي وصديق الاسلاميين والمطبعين العرب .. وصديق روسيا وبوتين كما يعتقدون .. وهو الذي سينقذ اسرائيل .. ولكن الذي يجرب المجرب عقله مخرب ومستقبله مخرب .. نتنياهو الجديد غير نتنياهو القديم .. نتنياهو القديم كان معه المشروع الاسلامي والاخواني .. وهذا المشروع سقط او ضعف كثيرا .. ونتنياهو القديم كان معه أردوغان .. ولكن أردوغان اليوم ليس مثل أردوغان الامس المنتشي بازدهار الاقتصاد والمنتشي بأحلام اليقظة والمليء والمهووس بفكرة الصلاة في جوامع العرب التي صلى فيها المحتلون العثمانيون وأهمها على الاطلاق الصلاة في الجامع الاموي .. ولكن اردوغان اليوم صار مثل ديك بلا ريش .. خذله الاقتصاد وخذلته الليرة التركية ..

في تركيا الاخوانية التي كانت تمثل دور المسلم الغاضب على اسرائيل والتي تهددها سقطت التمثيلية .. وسقط الممثلون .. وانتهى العرض السخيف .. وغادر معظم الجمهور العرض المسرحي وعادوا الى الحقيقة من أن ماعرضته تركيا كان مجرد مسرحية لاعلاقة لها بالواقع .. وأن الواقع خارج المسرحية فيه سورية وحزب الله وايران حيث المواجهة التي ليس فيها تمثيل ولامسرح .. والجمهور الذي كان في المسرح خرج وأدرك ان المتعة هي في الحقيقة وليس في الاحلام والمسرح والممثلين الطورانيين الذين لم يعودوا يريدون من هذه الدنيا سوى السلطة وعودة الليرة التركية الى أمجادها واقتصاد المعجزة الى ربع معجزته .. وعودة تركيا الى تل ابيب وعودة تل ابيب الى فراش تركيا بعد انتهاء المسرحية الطورانية ..
ونتنياهو القديم كان معه زمن بوتين المجامل الذي كان يتحاشى تفجير اليهود لاوكرانيا في وجهه .. وهاهو اليوم يخوض عن قصد او غير قصد معركة ضد الوجود اليهودي في اوكرانيا ..
ونتنياهو القديم كان معه سعدو الحريري وتيار المستأبل والحئيئة وحكاية رفيء الحريري يحكيها للبنانيين صباح مساء كي يقاتلوا معه ضد السوريين .. وهؤلاء صاروا شراذم تتقاتل مع شراذم القوات اللبنانية .. وزمن نتياهو القديم كانت دمشق محاصرة بزهران علوش وجيش الاسلام وبلا شبكة صواريخ لأن الثورجيين الاغبياء فككوا شبكات الصواريخ كي تفتح طائرات الناتو دمشق من دون خسائر وكي يدخل نتنياهو ويلتقي مع أردوغان في دمشق .. ولكل صلاته فيها .. ولكل عملاؤه فيها .. ولكل ثأره القديم فيها ..
نتنياهو مدفع قديم لمعركة جديدة .. وهو مثل المعارضين العرب الذي يثقبون دماغك ل 90 سنة في انتقادهم لعمالة الحكام العرب وتثاقلهم عن تحرير الاقصى .. وعندما يصلون الى السلطة يكتشفون انهم لايقدرون على ان يغيروا شيئا لأن ليس بالامكان الا ماكان بسبب ان المعارضة العربية هي أسوأ من السلطات .. فينسخون كل مافعله الحكام العرب من عمالة وتثاقل عن التحرير ويزيدون انهم أكثر عمالة ويحولون الاسرائيليين الى أصدقاء حميمين ..
ماذا أنت فاعل يانتن ياهو .. أيها النهر العبري الذي جف والذي يظن الاسرائيليون انك تحمل لهم ماء جديدا .. ؟؟ هل انت ستعيد بوتين الى ماقبل زمن أوكرانيا والى زمن المجاملة مع اليهود؟؟ بل في حرب اوكرانيا سقط اليهود في روسيا نفسها وقد رأى الروس ان اليهود هم اصحاب اللعبة في اوكرانيا التي هي تاج الامبراطورية الروسية .. وروسيا تريد تاجها وترى اليهود يريدون التلاعب بالتاج ووضعه على رأس اميريكا ..
سيعود نتنياهو الى عالم جديد ونهر جديد .. سيجد فيه ان كل شيء قد تغير .. الاميريكيون في الشرق السوري يهمسون انهم ربما يطلع الصباح وهم في رحلات الانسحاب الى اميريكا كما فعلوا في افغاستان رغم كل الصراخ الامريكي ورغم كل الرغبة الكردية .. فمزاج الشرق السوري يتغير بسرعة ..
سيعود نتنياهو ولن يجد معه السافل خالد مشعل الذي نقل حماس الى قطر وتركيا .. وأدخل تركيا الاطلسية ومستعمرة قطر الامريكية وقاعدة العيديد الى غزة .. وهاهي غزة تفكر في ان تعود الى دمشق وهي تتخلص من مرحلتها المشعلية .. ويبدو ان عملية التطهير في حماس لم تتوقف .. وان التطهير الكبير فيها قد نشاهده قريبا .. وستقدم ثمنا لسورية لتعتذر عما بدر من سفهاء حماس أصدقاء نتنياهو والذين حاربوا معه في الربيع العربي .. بل ان فلسين كلها اليوم تتحرك وتمور بالانتفاضات .. وتصبح عرين الاسود .. وللاسم دلالة ومعنى ربما يذكره باسم من يحكم سورية عرين الاسود ..
في زمن نتنياهو الجديد خرجت ايران من ترددها .. فايران أدركت اليوم أن لااتفاق نوويا ولامن يحزنون .. وأدركت انها فيما هي تنقب في الاتفاق النووي عن الكنز المفقود عرفت ان الاميريكيين ينقبون في ايران عن الفتنة والثورة على الثورة .. وان في بال الاميريكيين كل شيء الا الاتفاق النووي .. وهكذا خرج التيار الذي يريد الاتفاق النووي بنتيجة ان الاتفاق النووي أنجز سابقا لان ايران كانت تسحق القوة الامريكية في سورية والعراق وتسحق مشروع القوة والهيمنة الامريكية المتمثل في داعش والاخوان المسلمين .. وأن التوقيع على الاتفاق يبدأ من اخراج الامريكيين من سورية والعراق .. فقط .. وفقط ..
استدعاء نتنياهو اليوم هو دلالة هو ضعف اسرائيل .. وقلقها ..وهو لن يقدر على دفق الماء في نهر وجودها .. ولا ان يبقي شعار من النيل الى الفرات .. انه باختصار مضيعة للوقت وفرصة لنا اننا أمام مجتمع مأزوم يستجير بالاحلام والأسلحة القديمة .. والجديد حوله ماؤنا نحن .. وان قفز فيه فانه ماؤنا ودمنا ولحظاتنا التي صنعتها دماؤنا ودماء أبطالنا .. انه بالنسبة لنا قفز في النهر الدامي .. فاللحظات التي نزفنا فيها هي التي صنعت نهر نتنياهو ونهر اسرائيل الجديد ..


شكرا على هذه الرؤية الثاقبة والتي اظن انها اوجزت واقع مستقبل الأيام القادمة