عن بيع الجولان وبيع السودان .. بين الأسد وعبد الناصر

ماأصعب ان تضيع الرواية وتبقى الغواية .. كأنها حانة قمار وماخور قاما على جثة كنيسة او مسجد أو جثمت على بقعة كان الفقراء يبيعون فيها الخبز وصارت تبيع الرذيلة .. وماأقسى ان تتخيل ان قبر صلاح الدين قد أزيل ليقام مكانه فندق ترفيهي وماأصعب ان تفقأ عيناك بالقلم .. وان تنصت الى التزوير وانت أبكم .. ولكن هذا هو حال كتابة التاريخ عن أبطال هذا العصر من العرب .. الاول جمال عبد الناصر والثاني هو حافظ الاسد .. والرجلان جمعهما عشق للوطن وحلم كبير بالعروبة وطموح لايضاهى كي تبعث الامة .. وكلاهما خاضا صراعا عنيفا ضد المشروع الصهيوني في الشرق .. وخاضا صراعا قاسيا ضد القوة الدينية الرجعية التي تسببت في تعطيل حركة التقدم في الشرق .. وهي بقايا العثمانية القديمة والوهابية والتي مثلها تيار الاخوان المسلمين الذي صنعته بريطانيا من بقايا وشظايا العثمانية المطعمة بالوهابية التي أنتجت في مخابر بريطانية وصنعت منه سكينا يطعن به الشرق كلما نهض وسار على قدميه ..


والاخوان المسلمون ليسوا حركة عابرة لها هدف سياسي بسيط بل لها مشروعها في اعادة كتابة التاريخ وفق رواية مزورة لأن في ثقافة هذه الجماعة قناعة ان اقامة الخلافة أهم من طريقة اقامتها .. وأهم من الثمن الذي تدفعه .. ولهم فقه خاص بهم يريحهم من عذاب الضمير .. ويخلصهم من الشعور بالاثم والذنب .. ولهم غرفة اعترافات خاصة هي الفتوى .. وفيها يتم نحت الأكاذيب على انها اجتهاد وتعزير وسد للذرائع وأن الفتوى مسؤولية المفتي وليس من يتبع المفتي .. وطالما ان الغاية النهائية هي اقامة شرع الله فلا ضير ان يقوم صاحب المشروع والجهاد بما يراه مناسبا لوصول شرع الله الى الناس ولو كان الكذب والتضليل والخدعة والبيع والشراء في الذمم .. وهذا هو سبب بقاء هذه الجماعة لأنها لاتزال ترفض ان تقول الحقائق وتتصرف مثل اي نظام سياسي مرة تسلك سلوك التقية ومرة تسلك سلوك أهل الدنيا بأرذل صوره من كذب وقبح سلوكي ورشوة وقمع لمعارضيها يصل حد القتل والاعدام والابادة محمية ضمن الفتوى التي تعتبر التقية التي تحمي من ينفذ القتل بأنه ينفذ فتوى العلماء والعارفين بأمور الدين ومصلحة الامة .. ولدينا نماذج لاحصر لها عن هذه الشخصيات التي لاأخلاق لها ولاعهد ولاميثاق .. وعمودها الفقري هو الكفر والتكفير والقتل والغدر وتقية الثعابين .. فالقرضاوي كان يمتدح الزعماء العرب ويجلس على موائدهم ويدعو لهم بطول العمر وعندما وقعت الواقعة فانه تنصل من كل ذلك وصار يدعو لنحرهم وقتلهم الى حد انه حمل وزر دماءهم في عنقه وهو يفتي بقتلهم .. بل كان يأكل لحمهم على موائده التي كان يأكل فيها معهم وهو يتشفى بموتهم .. ورأينا نموذج اردوغان الذي صار معروفا في العالم بأنه لاعهد له ولاميثاق .. ولاتربطه كلمة ولا اتفاقية ولاتوقيع ولاكلمة شرف .. فالرجل يصافح اليوم ويذابح غدا .. وهو يدخل مدينة كالضيف وفي اليوم التالي يقتحمها بالموت والعصابات ويسرق معاملها ويدمر شعبها ..


ولنا في السافل خالد مشعل وشلة حماس العثمانية خير مثال على الغدر والتنكر للجميل .. فالرئيس الاسد وشعب سورية أطعموهم من قمحهم وأطعموا بنادقهم من بارودهم .. وتحدوا كولن باول في مقامرة كادت تكون من أخطر القرارات من أجل قادة حماس .. ثم وفي ليلة واحدة ذهب السفلة الى بيوت أعدائهم وصاروا يدعون لحربهم ويصلون من أجل ان ينتصر جيش الناتو العثماني عليهم .. وصاروا يهللون ويكبرون لزهران علوش كلما قصف دمشق التي آوتهم ورعتهم وناموا في احضانها آمنين ..


ولكن حقد هذه المجموعة على كل ماهو وطني لم يترك التاريخ بل هجم على التاريخ وبدأ في عملية تعذيبه وارغامه على تغيير مذكراته وشهاداته .. وسبب ذلك انها كانت تخوض صراعا أخلاقيا مع القوى الوطنية وكي تبرر عنفها تجاه المشاريع الوطنية وحاملي هذه المشاريع فانها لجأت لتشويه سيرهم والصاق تهم الخيانة بهم وانهم عملاء للاستعمار ويبيعون في قضايا الامة سرا .. وصار الناس يتعلمون من كتابات هذه المجموعة السوداء ان عبد الناصر شخص شرير وأنه صاحب الهزيمة والرجل الذي اضاع السودان وفصله عن مصر بقرار منه وأن الملكية قبله هي التي حافظت على وحدة مصر والسودان .. ولكنه ضيعها وبالاحرى باع السودان أو أهمل ابقاءه مع مصر في صفقة او تفاهم من أجل ان يحكم مصر .. وصارت هناك مجموعة توجيه في وسائل التواصل الاخوانية الهوى والنفطية الرائحة غايتها الباس عبد الناصر تهمة أخرى هي بيعه للسودان من أجل ان يصل الى حكم مصر .. وكلما حاولت ان تبحث تجد ان الضالين يزدادون وان المضللين انتشروا في كل مكان وهم لايعرفون عن انفصال مصر والسودان الا على انه قرار عبد الناصر .. لتكتشف فجأة وأنت تبحث ان قرار فصل السودان عن مصر هو قرار بريطاني ولادخل لعبد الناصر فيه لا من قريب او بعيد لأنه سابق بكثير لعبد الناصر .. وانه مثل عملية مقصلة بلاد الشام (التي أدخلت عنوة في المقصلة الفرنسية البريطانية) في مجزرة سايكس بيكو الشهيرة التي فصلت بلاد الشام وسورية الطبيعية الى شظايا بلدان .. وان عملية سلخ السودان عن مصر تشبه كثيرا عملية سايكس بيكو بنسخة وادي النيل او تشبه سلخ لواء اسكندرون عن سورية .. اي قرار خارجي استعماري من سلطة احتلال كانت سياستها دوما التفكيك والتشتيت .. نسبت عنوة الى شخصية وطنية مثل عبد الناصر رغم انه بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ..


وعندما تعود الى كتابات ودعاية ومنشورات هذه الجماعة الأفاقة وكل من يساندها من اعلام النفط العربي تجد ان هناك من يروج لقصة بيع الجولان من قبل الرئيس حافظ الاسد وتحت نفس ذريعة بيع السودان لتسهيل عبد الناصر من الوصول الى السلطة في مصر .. اي مكافأة الوصول الى الحكم .. رغم ان الرئيس حافظ الاسد هو الرئيس الوحيد الذي رفض الاعتراف باسرائيل ورفض التوقيع على سلام معها ورفض ان يمشي خطوة واحدة مع السادات رغم كل الاغراءات ورفض ان يقبل بسلام الشجعان لياسر عرفات ورفض نصائح الملك حسين ليلحق به في معاهدة وادي عرفة ورغم ان اميريكا عرضت عليه قبل سنتين من رحيله ان تعطي لسورية في احد العروض اموالا تعادل ماأعطي لمصر منذ توقيعها اتفاق كامب ديفيد وقدرت يومها ب 20 مليار دولار دفعة واحدة .. فقال للوسيط (يفتح الله) .. ومع هذا فأنت لاتدري كيف يعمل عقل الناس وهم يتلقون هذه المعلومات المزورة عن بيع الجولان وبيع السودان مقابل السلطة .. وكيف يستوي معهم هذا الموقف الصامد والعنيد للأسد ولعبد الناصر ضد الاستعمار الغربي والمشروع الصهيوني .. فالأسد أقام دولة قوية وجيشا متينا فيه سلاح الصواريخ والدفاع الجوي الذي لم يصمم لمواجهة مؤامرة انقلاب وثورات داخلية بل لمواجهة مع جيش خارجي .. وهو كان بامكانه التخلي عن اي التزام بالصراع مع اسرائيل طالما انه صار في حل من الصراع مع اسرائيل وبموافقة عربية ومعاهدات سلام عربية سبقته وقدمت له العذر ..
واليوم في الربيع العربي فاننا نرى ان المعارضة السورية تقف معها اميريكا والغرب لأن المعارضة ترفض ان تنطق باسم الجولان او تضعه على سلم اهتماماتها .. بل انها أسقطته كما أسقطت لواء اسكندرون من حساباتها الوطنية .. وهي تغطي هذا العار وهذه الخيانة بالترويج ان اتفاق أضنة تخلى فيه حافظ الاسد عن لواء اسكندرون .. أي تهمة البيع جاهزة دوما .. دون اي دليل او وثيقة .. ودون ان تجرؤ لاتركيا ولا اسرائيل على تحدي الاسد باظهار انه باع شيئا .. او تخلى عن شيء وفق اي صيغة اتفاق .. كما فعل صدام حسين في شط العرب مع ايران علنا .. فالخلاف بين العراق وايران على شط العرب او بين الامارات العربية وايران على الجزر الثلاثة مشكلته ان هناك اتفاقية وتوقيعا علنيا واعترافا وتنازلا من الجانب العربي جهارا نهارا عن هذه الاراضي .. على عكس قضية الجولان او لواء اسكندرون .. فلا يوجد في الدنيا كلها اي ورقة تستطيع تركيا او اسرائيل ابرازها على انها وثيقة بيع وعقد بالتراضي بين الاسد حاكم سورية واسرائيل .. والغريب ان الاسد قدم السلاح والدعم لكل من يحارب اسرائيل من حماس الى حزب الله ولم تجرؤ اسرائيل على تهديده بأنها ستنشر وثيقة خطيرة تدينه اذا لم يتوقف عن هذا السلوك العدواني ..


لذلك .. لا عبد الناصر باع السودان ولا حافظ الاسد باع الجولان ولا الرئيس بشار الاسد تخلى عن لواء اسكندرون … بل الحقيقة هي ان الشعوب العربية والنخب التي صدقت هذا الكلام لديها رغبة في ان تبيع ولديها رغبة في ان تتنازل بحجة ان هناك من باع وان الامر خرج من يدها .. ان قبول الشعوب العربية ببساطة بهذه التلفيقات دون البحث في التاريخ هو في الحقيقة ادانة للشعوب قبل ان تكون ادانة لمن يقبل البيع .. لأن هذا الاستسلام للروايات الضعيفة من قبل المثقفين العرب هو رغبة دفينة منهم بالنأي بالنفس والتخلي عن الصراع بحجة ان الخونة ضيعوا الحقوق وترويج هذا التزوير هو بيع بحد ذاته وتبن انتقائي خبيث النية .. وهي ذريعة القاعدين والمتكئين على أرائك الثقافة العربية المنفوطة (المشبعة بالنفط) .. والشعوب الحية ونخبها هي التي تفتح الملفات وتفتح الاسرار وتطالب بالوثائق ولاتقبل ان تصدق بيانات اعلامية وبرامج وثرثرات نفطية وخليجية واخوانية برنامجها هو (الغاية تبرر الوسيلة) .. وكل من يقبل بهذه الاخبار انما هو يقبل بأنباء الفاسقين وأخبار الضالين .. وهو يعفي نفسه من المسؤولية لان به رغبة في التسليم والاستسلام والاتكاء على الخرافة للاعتذار عن القيام بواجبه تجاه تحرير هذه الحقوق المغتصبة .. حق مصر في وحدتها مع السودان كما كانت طوال مئات السنين الى أن جاء الانكليز بمشارط الجغرافيا التي قسمت كل مكان وصلت اليه في تيمور الشرقية والهند وباكستان وبنغلاديش وبلاد الشام .. كما هو حق سورية الأبدي في اللواء والجولان .. وحقها الابدي في اقليمها الجنوبي المسمى .. فلسطين .. من البحر الى النهر ..

التاريخ الذي يتم بناؤه اليوم في زمن التزوير هو ماخور او حانة تقام في مكان كنيسة او مسجد او موقعة وملحمة وطنية عظيمة .. وماعلينا الا ان ان نهدم هذه المواخير والحانات الاخوانية كي يبقى الاثر الجميل والرمز الوطني دون أن يجرؤ البناؤون الاحرار (الماسون) وأحفاء البنا من العرب وغير العرب من ان يمسوه بسوء .. ..

======================================================================

هذه محموعة من الكتابات والوثائق التي تظهر ان انفضال السودان كان قرارا بريطانيا سبق وصول عبد الناصر الى السلطة بزمن طويل ولم يكن له اي يد فيه بل ان محمد نجيب أقر ذلك الواقع دون ان يعارض عليه ..


هل أضاع عبد الناصر السودان؟!! – بقلم: عمرو صابح

انفصال السودان عن مصر من التهم التى يحاول خصوم جمال عبد الناصر إلصاقها به وبعهده، فهل كان عبد الناصر هو سبب ضياع السودان وانفصاله عن مصر؟
لنراجع معاً بعض الحقائق التاريخية عبر السطور التالية:
بعد 17 سنة من الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882 ، تم توقيع إتفاقية الحكم الثنائي للسودان بين حكومتى مصر وبريطانيا في 19 يناير عام 1899، كانت حكومة مصر برئاسة مصطفى فهمي باشا ، وقد وقع الاتفاقية عن مصر بطرس غالي باشا وزير الخارجية المصري وقتها، وعن بريطانيا اللورد “كرومر” المعتمد البريطاني لدى مصر، ونصت المادة الأولى من الإتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالاً، وما لبث أن أُدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من وزير الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات فيما بعد ما عُرف بمشكلة حلايب وشلاتين والتى تثار حتى الأن بين الحين والأخر من الطرف السودانى ، وقد حدث ذلك قبل ميلاد جمال عبد الناصر بحوالى 19 سنة.
الجيش المصري تم طرده من السودان عام 1924 بسبب مقتل السير لى ستاك ، وكان جمال عبد الناصر وقتها عمره 6 سنوات ويستعد لبدء الدراسة الابتدائية.
النحاس باشا وافق على منح السودان حق تقرير المصير عام 1937 ، وجمال عبد الناصر عمره 19 سنة وقد التحق بالكلية الحربية فى نفس العام.
إطلاق أسم ملك مصر والسودان على فاروق تم بعد إلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951 وكان مجرد مسمى لا قيمة له فعلياً فى بلد محتلة ب80 ألف عسكرى إنجليزى وبها أكبر قاعدة بريطانية بقناة السويس.
مجلس النواب السوداني صوت بالإجماع علي الانفصال عن مصر سنة 1951 قبل ثورة جمال عبد الناصر بسنة.
محمد نجيب عندما زار السودان بعد ثورة 1952 هاجمه السودانيون بالأحذية وهتفوا فى وجهه : لا مصري ولا بريطانى .. السودان للسودانى.
إسماعيل الأزهرى رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي ، نجح البريطانيون فى إغواؤه بأبهة الرئاسة واستقلال السودان فتحول من وحدوي إلى انفصالي ، وما حدث في مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز عام 1955 هو خير دليل على رفض الرئيس عبد الناصر لإنفصال السودان ومحاولته عرقلته بكل السبل.
خلال المؤتمر ذهب وفد السودان برئاسة اسماعيل الأزهري لحضور المؤتمر ومعه مبارك زروق و حسن عوض الله وخليفة عباس، وجاء الوفد المصري برئاسة جمال عبد الناصر ،واعترض جمال عبد الناصر على أن يكون الوفد السوداني مستقلاً ،وطلب من الوفد السوداني أن يجلس في المؤتمر خلف الوفد المصري باعتباره جزءاً من مصر ،فرفض إسماعيل الأزهري ،وقال له “نحن على أبواب الاستقلال وسنكون دولة مستقلة ولابد أن نمثل الشعب السوداني لأن هذا المؤتمر يمثل الشعوب”،فرفض عبد الناصر ذلك وقال للأزهري «أنتم بلا علم يمثلكم وعليكم بالجلوس خلف العلم المصري» ، فتدخل عضو الوفد السودانى مبارك زروق على الفور وقال: نحن لدينا علم وأخرج منديله الأبيض من جيبه ،وقال هذا هو علمنا بعد أن وضعه على رأس قلمه ، وجلس وفد السودان بزعامة الأزهري منفردين عن الوفد المصري.
وما زال هذا المنديل حتى الأن موجوداً فى المعرض المقام عن مؤتمر دول عدم الإنحياز في باندونج بأندونيسيا.
وقد غضب الرئيس عبد الناصر من ذلك الموقف وقال لإسماعيل الأزهري «لن أسمح لك بالعودة للسودان عن طريق مصر» ، وبالفعل عاد الوفد السوداني عن طريق جدة بالمملكة العربية السعودية،وعند وصولهم لجدة لم يكن لديهم أموال كافية لشراء تذاكر للاستكمال رحلة العودة للسودان،فاستقبلتهم الجالية السودانية بجدة ، وذهبت بهم لمقر اتحاد أبناء دنقلا وقطعت لهم تذاكرالعودة للسودان ،وعندما تم الاستفتاء على الوحدة أم الانفصال عن مصر ، قام النواب السودانيون بالتصويت بالإجماع لصالح الانفصال.

فى كتاب (عبد الناصر والثورة الأفريقية) للسيد/محمد فائق رجل عبد الناصر للمهام الخاصة فى أفريقيا، قال فائق: رغم سعى مصر للوحدة مع السودان وبذلها كل المستطاع لتحقيق ذلك إلا أن إصرار السودانيين على الاستقلال جعل عبد الناصر يوافق على مضض ، وتكون مصر أول الدول التى تعترف باستقلال السودان ، ويضيف فائق كان لهذا القرار أثر هائل على صورة مصر فى أفريقيا لأنها رفضت حق الفتح ومنحت السودانيين حقهم فى تقرير مصيرهم،كما قرر الرئيس عبد الناصر إستمرار عمل المؤسسات التعليمية والثقافية المصرية فى السودان، كما ترك أسلحة الجيش المصرى هدية للجيش السودانى، ويرى السيد/محمد فائق أنه لكل ذلك عندما قرر الرئيس عبد الناصر بناء السد العالى لم يجد ممانعة من حكومة السودان التى وقعت مع مصر اتفاقية 1959 .
وفى حوار صحفى للسيد/محمد فائق حول انفصال السودان كانت تلك إجاباته :
ما حقيقة انفصال مصر عن السودان وكيف تم هذا الانفصال؟
محمد فائق : قبل قيام الثورة كان الملك فاروق قد توج نفسه أسميا ملكا لمصر والسودان، بدافع من تأييد القوى الوطنية وللعلاقة التاريخية بين مصر والسودان والترابط الأسري، وقد نحت الثورة منحى مختلفا وذلك لوجود تيار كبير جداً داخل السودان يعارض الوحدة مع مصر.
كانت بريطانيا وأمريكا تغذيان هذا التيار وتحثانه على ضرورة الانفصال عن مصر، وعندما قبل الرئيس عبد الناصر فكرة تقرير مصير السودان أصاب الاستعمار الانجليزي بالذهول.
كان قبول عبدالناصر بهذه الفكرة لإيمانه بأن فكرة حق “الفتح” باتت أمرا لا يتماشى مع روح العصر، رغم إيمانه بأهمية الوحدة في وادي النيل، لكن من منطق أن تأتي الوحدة بإرادة شعبية جامعة وليس إكراهاً، وهذه النقطة حكمت علاقة الرئيس عبدالناصر بكل مشروعات الوحدة التي أتت بعد ذلك، لأنه كان يؤكد ضرورة أن تكون هذه الوحدة لا إكراه فيها ولا حتى شبهة إكراه، لكنها وحدة تقوم بإرادة الشعوب، وكان السبب الأساسي في ذلك أن عبدالناصر أراد إدخال تقرير مصير السودان في مفاوضات الجلاء مع الإنجليز عن مصر، لأنه كان ينظر إلى ضرورة تحرير السودان من الاستعمار الانجليزي أيضا، لأنه لا معنى لأن يخرج الإنجليز من السويس (مصر) ويبقوا في السودان، وبالإضافة إلى أنه سواء كان السودان في وضع الوحدة مع مصر ، أو قرر مصيره بالاستقلال فإن أمنه بالنسبة لمصر مهم جدا، وإذا ظل متحدا مع مصر فسيكون هناك 7 حدود إفريقية أخرى واقعة تحت الاحتلال، وكان ذلك دافعا لدخول مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار، ففرنسا كانت موجودة في تشاد وإفريقيا الوسطى، وانجلترا موجودة في كينيا وأوغنداوبلجيكا موجودة في الكونغو.
الأمر الثاني كان عبدالناصر ينظر إلى أمن السودان من خلال حدوده لدول إفريقيا، وهو ما أدخل مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار القديم، وبالفعل بعد فشل عدوان عام 1956 انتهت الإمبراطورية البريطانية.
سؤال : بعد الانفصال هل تخلت مصر عن عمقها الاستراتيجي في الجنوب؟
محمد فائق : لا طبعا، بدليل أنه بعد 1967 تم نقل الكلية الحربية إلى الخرطوم وأنشأنا مطاراً هناك، وهو ما يعني أن السودان ظل هو العمق الاستراتيجي لأمن مصر، وقد عملت مصر “الثورة” على إقامة علاقة قوية ومتينة مع السودان ودول إفريقيا وساهمت في تحرير تلك الدول من الاستعمار.
مصر كانت ترغب في الوحدة لكنها كانت تأمل في تحقيقها عبر إرادة شعبية، غير أن حزب الاتحاد الوطني السوداني بقيادة إسماعيل الأزهري سعى إلى الاستقلال، فبادرت مصر بالاعتراف بالسودان كدولة مستقلة حتى تكسب مزيدا من الصداقة والعلاقة مع السودان، بل واستمرت في دعم الاستقلال باعتبار أن تأمين السودان هو بوابة مصر والثورة للدخول إلى إفريقيا لمساندة حركات التحرر من الاستعمار.
وفى إطار نفس القضية يذكر المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى الحقائق التالية عن مصر والسودان.
ان الإنجليز منذ أن احتلوا مصر (1882) فرضوا سيطرتهم علي السودان، وترضية للخديوي عباس حلمي الثاني حتي يبتعد عن مصطفي كامل، أبرموا اتفاقيتين لحكم السودان ثنائيا بين مصر وإنجلترا (في 19 يناير، 10 يوليو 1899) ،وكان في حقيقته حكما إنجليزيا خالصا وليس ثنائيا، لأن إنجلترا تختار الحاكم العام للسودان وهو إنجليزي ، وخديوي مصر يصدر أمر تعيينه، هذه واحدة.
أما الثانية فإن إنجلترا انتهزت فرصة اغتيال الجنرال لي ستاك سردار الجيش المصري في السودان (20 نوفمبر 1924) ، لتخرج الجيش المصري من السودان.
وظلت الحكومات المصرية تطالب بعودة الجيش المصري للسودان في معظم المفاوضات التي جرت مع بريطانيا من 1927 إلي 1936 دون جدوى.
وأما الثالثة فإن مصطفي النحاس عندما ألغي معاهدة 1936 في 8 أكتوبر 1951 ومعها اتفاقيتي الحكم الثنائي للسودان ،أعدت حكومته مرسوما بمشروع قانون بأن يكون للسودان دستور خاص تضعه جمعية تأسيسية تمثل أهالي السودان.
فما معني أن يكون للسودان دستور بأيدي أبنائه.. هل يعني تبعية لمصر أم استقلال للسودان؟ وما معني كلمة النحاس في هذا السياق؟!!
والرابعة أن بريطانيا اشترطت في مارس 1953 للدخول في مفاوضات مع حكومة ثورة يوليو بشأن الجلاء ،أن توافق مصر علي مبدأ استقلال السودان بمقتضي استفتاء
، فهل كان يتعين علينا أن نرفض استقلال السودان الذي ضمه محمد علي لولايته بالقوة في 1822 ؟!!
وهل من اللائق أن تقوم ثورة في مصر تطالب بالجلاء والاستقلال وتمنعه عن أهالي السودان؟!!
حاول جمال عبد الناصر بكل السبل توحيد مصر والسودان لصالح شعب وادى النيل منذ اليوم الأول للثورة، ولكن الإنجليز خططوا للانفصال بين مصر والسودان منذ اللحظة الأولى لاحتلالهم لمصر عام 1882 ، قبل أن يولد “جمال عبد الناصر” بـ 36 سنة ، وقد نجحوا فى ذلك فعلا عبر الزعماء السياسيين السودانيين ، بل ونجحوا فى صناعة مشكلة شمال وجنوب السودان حتى انقسم السودان ذاته لدولتين فى 9 يوليو 2011 ، عندما أُعلن عن ميلاد جمهورية جنوب السودان بعد 41 سنة من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.

وللأسف ما زال السودان معرضاً للمزيد من التقسيم.

المراجع :

  • فى أعقاب الثورة المصرية .. الجزء الأول والجزء الثاني : عبد الرحمن الرافعي
  • مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية : عبد الرحمن الرافعي
  • حرب النهر :ونستون تشرشل.
  • مذكرات الصاغ صلاح سالم.
  • مصر والسودان : الانفصال بالوثائق السرية : محسن محمد.
  • عبد الناصر والثورة الأفريقية : محمد فائق.
  • ملفات السويس : محمد حسنين هيكل.

https://fb.watch/gXd-BpdBMU/

من مذكرات اللواء محمد نجيب (التنقيح الثالث)

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s