تشابه الاقدار في بداياتها يصيب الناس بالهلع .. لأن البدايات المتشابهة تجعل المرور الى نفس النهايات شديد الاحتمال .. وكأن التاريخ معادلات كيميائية او فيزيائية.. ولذلك يحاول الناس القيام بالقياس والتقاط لحظات التطابق الزماني او المكاني والظرفي في محاولة لتسيير الاحداث على نفس مسار رحلات سابقة وكأننا نضع القاطرة على قضبان الحديد التي نعرف الى ان تتجه .. ولكن معظم تطابقات الاحداث ووضع القاطرة على قضبان السكك الحديدية للزمن لم تفلح في أن تاخذ الاحداث الى نفس الرحلة ونفس المحطات والنهايات .. وهذه هي مشكلة التيارات الدينية عموما .. فاليهود يريدون ان يسيروا على درب داود وسليمان.. و هم يسمون أسلحتهم بأسماء من التوراة .. ولايقبلون الا ان يمسكوا بجبل الهيكل لأن اعادة رسم التاريخ هي اعادة للبدايات وبالتالي رسم للنهايات اي بناء المملكة اليهودية الموعودة التي بدأت بسليمان وداود وبناء الهيكل في الخيال اليهودي ..
والمسيحيون الجدد يريدون ان يعيدوا اليهود الى جبال القدس لأنها استعادة لبداية قديمة تتنبأ بعودة المسيح عندما يعاد الزمن اليهودي الى جبال القدس .. وقبلهم حاول الصليبيون الغزاة ان يقتنعوا ان الصليب الذي حمل جسد السيد المسيح سيحميهم كلما حملوه لأنه استحضار للحظة مقدسة جليلة ستجبر الاقدار على أن تسير كما يشتهي من يحمل الصليب المقدس .. ولكنهم هزموا أقسى هزيمة في معركة حطين رغم الصليب المقدس الذي حملوه معهم ..
هكذا من يظنون ان الزمن هو سكك حديدية يعرفون اين تبدأ واين ستنتهي .. فهم يظنون انهم يمسكون بالقاطرة ويضعونها على سكك حديدية رسمها الأوائل ولكن مايحدث هو ان القاطرة تذهب في رحلة أخرى واتجاه آخر وقضبان حديدية جديدة لم تكن مرئية .. او تنقلب القاطرة التي صعدوا اليها ..
والمسلمون يعانون من نفس العقدة ولكن في كل مرة يعاد رسم الظروف كي تشبه لحظة تاريخية فان الاحداث لاتأخذ بالاعتبار اي تشابه .. بل ان محمد النفس الزكية عندما اعتصم في المدينة المنورة ضد العباسيين فانه حفر حولها نفس الخندق الذي حفره المسلمون في غزوة الخندق .. وظن انه يعيد ظروف الخندق نفسها وسيحصل على نفس النتائج وكاد يظن ان معركة بين عمرو بن ود العامري وعلي بن ابي طالب ربما ستتكرر وستتبع رياح الصرصر المعركة .. ولكن ماحدث هو ان الخصوم لم ينتظروا حول الخندق ولم يكن معهم بن ود العامري كما فعل ابو سفيان .. بل ان الخصوم خلعوا ابواب الحصون القريبة وجعلوها جسورا فوق الخندق النبوي نفسه وعبروا فوقها وهزموا جيش محمد النفس الزكية ..
ومع ذلك فان المتدينين لايفهمون اليوم – ولن يفهموا يوما – كيف انهم يصلّون نفس الصلوات .. ويصومون ويحجون ويؤدون الزكاة ويلبسون نفس الثياب ويقصرونها كما قرؤوا عن ازياء الصحابة ويقرؤون نفس الكتب ويقلدون التابعين حتى في طريقة ابتسامتهم وفي طريقة نومهم ويمشون على سنة النبي بالميليمتر ويحفون شواربهم ولحاهم .. ومع هذا فانهم فشلوا جميعا في اعادة الاسلام الى فجره او صدره .. بل انهم أخذوه الى عصور الظلام والى ليل عاتم وزمن حالك بلا ضوء .. وتلقوا الهزائم تلو الهزائم التي فاجأتهم .. وهذا مافعلته داعش والاخوان المسلمون والقاعدة وبن لادن والسعودية وكل التيارات الاسلامية دون استثناء وهي تقاتل في كهوف تورا بورا وتظن انها في غار حراء او غار ثور ..


اعادة انتاج التاريخ هاجس بشري يعيش هاجسه كل البشر .. حتى ان كارل ماركس حاول بنفسه ان يوجد مسطرة لقياس ترمومتر التغيرات الاجتماعية والتاريخية وسمى مسطرته (المادية التاريخية) حيث ان التغيرات الاقتصادية تفضي الى تغيرات اجتماعية بالقلم والمسطرة.. مثل معادلات الكيمياء .. واذا عاد إنتاج لحظة الخلل التاريخي الاقتصادي فانها ستطلق حركة ثورية حتمية .. ولذلك فان اختلال الوضع الاقتصادي في المجتمع يفضي الى ثورات تعيد توزيع الثروات وتموضع الطبقات وتنقل الثقل الحضاري وفق الثقل الاقتصادي .. ولكن حتى مسطرة ماركس لم تثبت فاعليتها لأن المسطرة تنبأت بنهوض الثورات في بريطانيا وألمانيا لأنها تعيد إنتاج نفس اللحظة الاقتصادية التي تطلق الثورات .. فاذا بها تنهض في روسيا فيما ان رأس المال توطد في بريطانيا وألمانيا بل واصبح هذان البلدان ترسانتين للرأسمالية وقلعتين برجوازيتين فيهما أضعف نقاط الاشتراكية على وجه الارض ..
الاسرائيليون هم أكثر من يعيشون وهم استنساخ التاريخ .. فهم يرون في دمشق آرام القديمة .. ويرتلون (ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض) .. ( وتكون مدن عروعير متروكة .. وتكون للقطعان .. فتربض وليس من يخيف .. ويزول الحصن من افرايم والملك من دمشق وبقية آرام .. فتصير كمجد بني اسرائيل .. يقول رب الجنود ..) ..
وهم يرون في العراق الحديث بابل ويظنون ان انقاذ اسرائيل يكمن في قتل بابل المتمثلة في العراق .. وعندما سقطت بغداد كان المتدينون الاسرائيليون يرقصون طربا لأن (بابل قد سقطت) .. وبعضهم ذهب الى مدينة بابل ليصفعها بيده ويركل جدرانها القديمة برجله وحذائه ..
اليوم يظن الامريكان ومعهم الاسرائيليون ان سورية تمر في مايسمى الممر العراقي الحتمي بالقلم والمسطرة .. حرب طويلة متعبة لسنوات أحرقت الاخضر واليابس .. تجريد من السلاح الكيماوي ساعد فيه المعارضون الاشاوس مثلما جرد العراق من سلاحه الكيماوي .. شعب مفكك .. شعب مهاجر .. اقتصاد منهار .. ليرة عاجزة .. جيران يعادونه .. تفكك اجتماعي .. انفصال أقاليم مثل اقليم قسد واقليم ادلب .. (انفصال يشبه خط حظر الطيران في شمال العراق حيث بدأ التحضير للكيان الكردي وحظر طيران فوق الجنوب للتحضير للكيان الشيعي) .. انه نفس المسار في العراق تمر به سورية وبدل حظر الطيران في شرق الفرات وادلب كما كان حظر طيران في شمال وجنوب العراق فان قسد والقاعدة تقومان بالعمل نفسه .. وزاد الزلزال في انه زاد من سرعة نضوج السيناريو الذي يريده الامريكان ان يصل بسرعة .. وسقوط البلاد تلقائيا ..
وهذا ماعنته الضربة الاسرائيلية التي ضربت هدفا مدنيا في قلب دمشق .. وهي تعبير عن ثقة مطلقة ان سورية صارت مثل العراق قبل انهياره في نيسان عام 2003 .. حيث كانت الغارات الامريكية متواصلة عليه يوميا .. وطائرات الناتو تتنزه فوق بغداد والمدن العراقية وقطعات الجيش العراقي بشكل متكرر ..
الضربة الاسرائيلية هي أمر عمليات امريكي بعد استهداف عنيف لمناطق حقل العمر بصواريخ .. وهي مؤشر على ان الضربة على حقل العمر كانت مؤلمة وتسببت بسقوط قتلى .. وهي أيضا تعبير عن قناعة امريكية بأن سورية لم تعد قادرة على الرد في هذا الظرف السياسي والاقتصاد والاجتماعي.. وقد تخشى الحرب والغضب الامريكي .. وهي رسالة قاسية امريكية من ان المساس بالوجود الامريكي في الشرق يعني غارات عنيفة على الداخل السوري وهذه هي معادلة الاشتباك اليوم.. كل صاروخ على حقل العمر يقابله صاروخ في قلب دمشق .. ولكن امريكا ترتدي قفازاتها البيضاء ولاتقوم بغارات بل تطلب من الثكنة اليهودية في فلسطين تنفيذ الامر .. كي يبدو انه ليس انفعالا وقلقا امريكيا بل هو نشاط اسرائيلي ضد الايرانيين .. ولكن في الحقيقة هو رد فعل أمريكي عصبي ونزق ومتوتر ورسالة في منتهى الجدية ان اميريكا لن تخرج من الشرق السوري على الاطلاق .. ومن يفكر بالتحرش بأميريكا فانه سيدفع الثمن في قلب العاصمة دمشق .. حتى لو كان الثمن حربا ..
الرسالة واضحة جدا .. وهي ان الامريكي صار يدرك ان سيناريو العراق يقترب من النضوج ولكنه قد ينحرف بسرعة عما رسمه في اي لحظة .. وهو لذلك يصر على حمايته بكل مالديه .. فهو لن يخرج من الشرق ولن يعطي الثروات للشعب السوري .. وهو لن يسلم داعش بل سيبقي داعش تحت مظلة التنف محمية تحت قطر 50 كم من حظر الطيران وحظر الدخول لأي نشاط عسكري سوري الى ان تنهار الدولة السورية بأزماتها الداخلية ..
مايجب ان يدركه الامريكي هو ان القرار باخراجه من الشرق السوري اتخذ .. ولن يغيره أحد ولو اجتمع الكون كله .. ولن يؤجله زلزال لأن تغيير مسار السيناريو العراقي متعلق بالعودة للشرق السوري تحديدا وتاجيله كان لاعتباىات أولوية التخلص من جيب ادلب وفق اقتراح روسي بتفاهم مع تركيا .. كما أن السوريين يدركون ان انهاء داعش يبدأ من التنف وليس من تمشيط صحراء حمص وتدمر .. وتطهير التنف أهم من قتل كل خلفاء داعش وكل مقاتليها فالتنف هي العش الباقي لداعش ..
العراق عندما انهار يشبه سورية كثيرا الا بشيء واحد .. انه لم يكن قادرا على ضرب اسرائيل ولا ايذاء اميريكا بعد ان سلم صواريخه كلها .. وهنا هي السكة الحديدية التي ستغير اتجاه القطار الامريكي وتقلب عرباته.. انها العامل الاسرائيلي في المعادلة .. وامتلاكنا لاسلحة مؤثرة جدا لم نتخل عنها كما فعل العراق .. وضرب اسرائيل هو مانقدر عليه جميعا ونحن على مسافة صفر من “اسرائيل” .. ولدينا وسائل القصف العنيف المؤلم مما سيجعل سكة الحديد تذهب بالعربة الامريكية الى مكان آخر تماما ليست في اية حسابات أي معهد سياسي وبحثي امريكي او اسرائيلي ..
اسرائيل أضعف من ان تدخل هذه الطاحونة نيابة عن أميريكا .. وهي لاتحتاج لمعاقبتها وشد أذنها ومعاقبة اميريكا الا بضعة صواريخ كاتيوشا وقذائف هاون في الجولان او الجليل وبشكل يومي … صاروخ واحد كل يوم فقط .. حتى يتم افراغ الجولان او شمال فلسطين كله من المستوطنين وشل كل النشاط الاقتصادي والسياحي فيه وفي شمال فلسطين المحتلة الى أجل غير مسمى بحيث ان اخراج اسرائيل منه عمليا لايحتاج دخولا عسكريا بل سيكون بانهاء كل أشكال النشاط المدني والاستيطاني والاقتصادي فيه وجعله خاليا غير قابل للحياة .. ومنع عودة اي مستوطن بسبب الوضع الامني القلق .. وهذا ايضا صار في متناول اليد منذ ان بدأ استطلاع المنطقة ووصول طلائع المقاومين الشهداء سمير القنطار وجهاد مغنية اليه منذ سنوات .. وصول لم ينقطع منذ تلك اللحظة ..
اسرائيل ضربت بقرار اميريكي في قلب دمشق .. لتمنع الكابوس عن اميريكا .. ولكن عليها ان تكون ايضا قربانا وأن تتلقى العقاب .. فكلب الامير يضرب قبل ان يضرب الامير ..
السوريون الذين تحدثت اليهم متفقون جميعا أن اي معركة مع اميريكا ستعتبر اية خسائر فيها أقل بكثير من خسائر الزلزال .. ولنعتبر ان اي خسائر اضافية هي زلزال ارتدادي آخر .. وحتى وان وصلت الى حد خسائر الزلزال فان فوائد المواجهة أفضل بكثير ومضمونة جدا .. لأن المواجهة تعني انها لن تتوقف الا باتفاق جديد وتفاهمات جديدة أقلها الخروج الاميريكي من الشرق السوري .. والخروج من الشرق السوري يعني نهاية التنف .. ونهاية التنف هي نهاية داعش .. ونهاية داعش والانفصاليين الكرد هي كارثة المشروع الامريكي ..
الصواريخ على حقل العمر ستتواصل وبشكل أكثر عنفا .. ولكن كل اسرائيل ستكون امتدادا لحقل العمر اذا قررت الدفاع عن اميريكا والتفاخر انها تقدم خدمة للامريكيين .. وحيثما رمينا ما رمينا انما الله رمى .. في حقل العمر او حقل اسرائيل .. كله سيوصل سيناريو المقاومة الى نتيجة هي نفس نتيجة دحر الامريكيين في العراق ..
هم يكيدون .. ونحن سنقلب الكيد وسنكيد لهم .. هم يريدون تكرار سيناريو العراق في سقوطه .. ونحن نريد سيناريو العراق لهم بنسخة بيكر هاميلتون .. حيث النصيحة كانت (اخرجوا باتفاق قبل ان تخرجوا بلا قيد او شرط) .. انه صراع بين نهايتين ..
صلوا معي .. كي تندلع مواجهة .. فنحن اختبرنا الزلزال .. ولن تكون خسائرنا في اي مواجهة أكثر من خسائرنا في الزلزال .. وسنقول ان الزلزال الذي ضربنا كان بقوة 9 ريختر وليس 7.8 .. ولكن اي مواجهة مهما كانت ستكون مكاسبنا فيها أكبر من ان نحصيها ..
صلوا معي ان تندلع معركة .. وان نلقن اسرائيل درسا تحتاجه بعد هذا العناد والعربدة والغرور .. الوضع يحتاج ان يتقرر اي سيناريو سيتحقق بعد هذا الانتظار .. سيناريو سقوط بغداد .. أو سيناريو سقوط صلف اميريكا وظهور نصيحة بيكر هاميلتون وخروج الامريكيين مهزومين .. ونهاية هذه المرحلة القاسية .. بنصر نراه مثل اليقين
أنا أصلي .. وسأبقى أصلي .. وارجو أن تصلوا معي ..
الشرق لنا .. والقدس لنا .. وليس للأميريكيين او الاسرائيليين .. وسنصلي كي يوقع السيد الرئيس أمر العمليات الذي ينتظره الجميع .. وقبول التحدي .. باسمنا جميعا ..

تعليق و ربط للأحداث بشكل جميل جدًا و منطقي و يدل على خلفية ثقافية نادرة و نظرة ثاقبة بالتحليل و ربط الأحداث.