اسرائيل كانت محظوظة بأعدائها الى حد لم يحلم به حتى من كتب يوما اسطورة البيع والشراء بين الله وملوك اسرائيل بأنه أعطاهم مابين الفرات والنيل ونسي أن يفرغها لهم من السكان كما يفعل باعة الشقق والبيوت باخلائها من المستأجرين .. ولو كان من كتب تلك الخرافة يدري ان اعداء اسرائيل سيكونون بمستوى جهل عرب هذا الزمان لكان أكثر سخاء في الوعد ولقال له مابعد الفرات ومابعد النيل حدودك يااسرائيل .. ولأمره بأن يطلب من العرب البلهاء ان يحملوا الفرات بأيديهم ويضعوه على حدود افغانستان وأن يحملوا النيل الى شواطئ المغرب كي يتوسع ملك بني اسرائيل ..
ولكن لم نعد جهلاء .. وصرنا نعلم ان من يصدق هذه الاسطورة هو عقل مكون من خلاصات الغباء النقي .. وصرنا نعلم اليوم أكثر ان اسرائيل دولة زائلة لامحالة وأنه يستحيل بقاؤها .. وأنها مجرد عابر سبيل في هذا الشرق .. ولاأمل لها بالبقاء رغم انها تنفخ أوداجها وتتباهى بقوتها .. ونحن نعلم انها ليست قوتها بل قوة اوروبة واميريكا وأنها مشروع غربي وليس لليهود فيه أي قرار .. ولافرق بينها وبين السعودية التي قال عنها ترامب بأن نظام الحكم فيها سينهار بعد اسبوعين اذا رفعت عنه الحماية الامريكية .. واسرائيل ستتبخر في اسبوعين اذا رفعت عنها الحماية الامريكية ..
هناك كسالى وهزالى وجهلاء وعملاء يريدون اقناعنا أن اسرائيل المتفوقة علينا تقنيا لايمكن أن تقع في أخطائنا وغبائنا ولاتتعرض للوقوع في الحفر القاتلة التي يتكرر سقوطنا فيها .. وهي أكثر نضجا منا اذا ماتعلق الامر بأمنها الوطني والتزام المعايير الوطنية .. ولذلك فانها تمر بأزمات ديمقراطية فقط وكل هذه الضوضاء عن الانشقاقات حول سلوك وحكومة نتنياهو لامعنى لها وهي مخاضات مجتمع سليم ديمقراطي لايتخلخل .. ولايمكن ان ينزلق هذا المجتمع الى الانهيار والفوضى ..
ولكن الحقيقة هي ان هذا المجتمع هو وصفة حقيقية للفوضى .. وكل مستوطن فيه هو اصبع ديناميت .. ولذلك فان أي ارتفاع في حرارة الجو السياسي قد تفضي الى انفجار في مستودع الديناميت المسمى (اسرائيل) ..
والسبب بسيط جدا وهو انه مجتمع مجمع بالقوة وغير حقيقي وغير طبيعي التطور .. وغير منسجم وهو يشبه تركيب الذرة التي تجبر فيها البروتونات على السكن بهدوء الى جانب النيوترونات .. ولكن حجم الضغط الهائل عليها يجعلها متماسكة وماان يتم شطر الذرات حتى تتفجر تفجيرا ذريا هائلا ..
فالمجتمع الاسرائيلي مجتمع مليء بالتناقضات الهائلة مثل مجتمع الحروب الصليبية القديمة .. فرنسيون وانكليز وألمان .. لهم دين واحد ومذاهب شتى ولغات شتى وثقافات شتى .. ولم تنصهر الحدود الثقافية بينهم .. ولذلك فان صراعاتهم البينية كانت كثيرة وسببا في هزيمتهم وخروجهم من التاريخ.. واليهود ليسوا فقط أشكيناز وسفارديم .. وليسوا فقط حريديم وغير حريديم .. بل المشكلة العويصة التي لاحل لها هي أنه مجتمع قلق جدا ولديه عقدة خفية وعلة وجوده هو أنه مجتمع مكروه عبر التاريخ من كل البشر .. فالبنية النفسية لليهودي قائمة على أنه الأفضل والأقرب الى الله ولذلك فانه مكروه ومحسود من قبل بقية البشر .. وهو لذلك يكره الجميع بنفس الطريقة كردة فعل .. وهو لذلك ينام بعين واحدة ويبقي عينه الاخرى مفتوحة .. وهذا القلق من الوجود رافقه منذ لحظة تلقي الوعد بأنه الشعب المختار .. ويرافقه اليوم .. وسيرافقه الى يوم القيامة ..


وبسبب الطبيعة العنصرية الطاغية على المجتمع الذي يحس أنه فوق القانون الدولي وفوق القانون الاخلاقي وأنه مطلق اليد في كل شيء وانه ابن المحرقة فقد نشأ جيل اسرائيلي صار يرى انه وضعه فوق القانون من قبل الرب ومن قبل الغرب انه استثنائي ولايخضع لاي قانون أو سنة وجودية .. ولأنه يرى في القوة السبيل الوحيد للبقاء ضد الفلسطيني فانه سيرى ان القوة هي ايضا الطريقة المثالية للتفكير في اي خلاف مع اليهودي .. لأنه كمستوطن مسلح وكان يستسهل سحب سلاحه فورا لحل اي خلاف مع الفلسطيني فصارت علاقته مع السلاح قوية ويرى فيه الوسيلة الجيدة للتعبير ..
الطريقة الدينية في التفكير هي كارثة بحد ذاتها .. لان التفكير الديني يؤمن بالماورائيات والمعجزات ويؤمن صاحبه انه مفوض من الله وبأن كل مايفعله انما هو وحي يوحى وأنه ارادة الله وقراره .. حتى لو كان مواجهة مع الاخ والأم والأب .. وهناك قدرة هائلة على الفتوى والتبرير للدموية .. لأن الدم مرتبط بالدين .. ففكرة الاضحيات والقرابين هي ربط دموي بين التضحية والرغبة الشخصية في القتل من أجل البقاء .. وهي كلها ذات جذور دينية .. فكلنا نذكر النسخة الصهيونية للحريديم الاسلامي المتمثل بالاخوان المسلمين والتنظيمات الاسلامية حيث ان قتل المدنيين المتواجدين في اماكن العمليات الحربية بالصدفة مباح مثل ان يكون المدنيون في ساحة ينسفها الانتحاري طالما انها ساحة فيها هدف عسكري .. وكانت الفتاوى تقرر ان هؤلاء شهداء وسيدخلون الجنة .. وكان هؤلاء يساقون الى الجنة عبر نسفهم .. وذلك من أجل ان يخف الشعور بالذنب من قلب الاتباع وقلب الانتحاري .. اما كيف قرروا ان هؤلاء المدنيين شهداء وان الله قرر ادخالهم الجنة فان علم ذلك عند الراسخين في علم الاديان .. وخاصة ضباط الاستخبارات الغربية وضباط الموساد الذين كانوا يفصلون الفتاوى ويوزعها رجال الدين الثورجيون ..
التماسك الظاهري والهش للتجمع الصهيوني ليس سببه تماسك الضرورة خوفا من الفناء بل انه تماسك بسبب هشاشة العدو العربي منذ نشوء الكيان الاسرائيلي .. فلم يصطدم التجمع الصهيوني الى الآن بأي تحد وجودي منذ عام 1973 .. وتآكل المجتمع الهش ظهر عندما ظهر أن العدو في الشمال لايزال عدوا وان قدرة الاسرائيلي على خوض الحرب لانتصار مضمون مشكوك بها منذ صدمة عام 2006 التي صدمت العقل الاسرائيلي بشدة .. وتلتها صدمة فشل الربيع السوري حيث كان احتمال النجاة لدمشق لايتجاوز 1% .. ولكن لم تمت دمشق ..وهاهي تنفض الغبار عن الغبار .. وستعود بسيفها ان عاجلا او آحلا ..
الحرب الاهلية اليهودية ليست مستبعدة بل ان كل ظروفها موجودة .. وبذورها في الفكرة الصهيونية الدينية لأن اي اعتداء على الفكرة يعني اللجوء الى حكم التكفير .. والتكفير يودي الى القتل .. وقد ظهر ذلك جليا عندما قتل يهودي يهوديا عندما اغتال يغال عمير اسحاق رابين .. والمجتمع الاسرائيلي محشو بالحاخامات وطلاب الرضا الرباني .. ولهم أتباع بلا عدد ..
من سيحاول لجم الصراع هو الغرب الذي سيرى في الفوضى الاسرائيلية تخريبا مهمة التجمع الاسرائيلي الذي هو تجميع لدواعش يهود يقفون في نقطة مواجهة أمامية .. ولكن اسرائيل محشوة بالمجانين .. ومحشوة بالسلاح .. ومحشوة بالتطرف .. ومحشوة بالعنصرية .. ومحشوة بالوهم .. ومحشوة بالحيرة الوجودية .. ومحشوة بالخوف .. ومحشوة بالمتدينين .. وكل مستوطن هو اصبع ديناميت .. واسرائيل هي أكبر خزان لاصابع الديناميت في العالم ..
لذلك هذا التجمع الصهيوني المريض لايحتاج الا ان نساعده ليعبر نحو ربيع عبري يعيشه العبرانيون .. حيث يصل الربيع .. الى تل الربيع .. أي الى تل ابيب .. وان لم يصل الربيع العبري الى العبرانيين في تل الربيع كما نحب ونشتهي فان مهمتنا ان نوصل ربيعنا الساطع الذي حلمنا به منذ 70 سنة الى تل الربيع .. الذي لانزال كلنا ايمانا أنه من كل طريق آت .. لأن مهمتنا هي اما ان نوصل الربيع الى تل الربيع أو نرسلها الى الله .. كما قال الرئيس بوتين عن الارهابيين بأنه ليس هو من يحاسبهم بل الله هو من يحاسبهم .. ولكن مهمة بوتين – كما يرى بوتين – هي في أن يسهل وصول الارهابيين الى الله .. وأن يرسلهم الى الله دون تأخير ..
وليس على الأقدار والشعوب العنيدة شيء مستحيل ..


