لاشيء يهين النظرية مثل ان تسقطها نقيضتها.. وتظهرها على انها ليست الا فرضية .. وتظهرها مهلهلة وبائسة وغبية ومسكينة تستدعي الشفقة وانها تنتمي الى الخرافة .. والفرضية تحاول ان تتبجح وتثبت انها نظرية الى ان تسقط بالبرهان والدليل القاطع .. ولاترتقي الى مصاف النظريات .. فتعود الى انها مصفوفة كلامية لامعنى لها .. لاتستقبلها البدهيات ولا تحترمها المسلمات .. ويتم تحويلها الى قمامة الكلام او الى مايسمى بالة الكلام .. وتموت في مكان مجهول بلا قبر ولا زوار .. ومن بين هذه الفرضيات التي كنا نحملها في كتبنا ودفاترنا كأنها نظرية فيثاغورث الرياضية ولكن فيثاغورث السياسة هي فرضية ان العالم الغربي مليء بالقيم والاخلاق .. وأنه عالم مثالي وجمهوريات فاضلة .. وأنه معلم واستاذ وبروفيسور في علم الحضارات .. بل ان هذه الفرضية ارتقت وصارت نظرية مقدسة حتى أنها أوقفت التاريخ عن المشي ووضعته على كرسي متحرك لأنه استراح الى الابد .. بل ان الله نفسه قرر ان يعطي الغرب حق تدبير أمور البشر ويستريح بعد أن أتعبه البشر بكفرهم ونكرانهم وجحودهم وامتناعهم عن فعل الخير وقتلهم لأنبيائه .. فاذا بهذا الغرب يريح الله ويتولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ويصدر تعليمات المطوعة الديمقراطية التي تتجول وتفتش بين الامم عن تارك القيم الديمقراطية والدين الجديد والصلوات التي تمجد الحرية والانسان ..
ولكن لمن لم يسقط الغرب في ناظريه الجميلين فاننا نعيدها عليه ان يتعلم ان الغرب سقط منذ ان أصدر نظريات وودرو ويلسون عن حقوق الانسان .. ومنذ أن طبق هذه الحقوق بحذافيرها في فلسطين .. وعلى شعب فلسكين وحجرها وشجرها .. فكارثة فلسطين هي نتاج العقل الاخلاقي الغربي وابداع نظرياته في الحقوق والواجبات .. يأخذ من الفلسطينيين كل حقوقهم ويعطيها لليهود .. وعرفنا كيف انفتقت نظريات وودرو ويلسون عندما تمت هندسة الأمم المتحدة لتكون فيها قصة سندريللا وزوجة ابيها وأختيها بحذافيرها .. فالمضحك ان المنظمة التي خلقها الغرب للانسان وحق المساواة سميت الأمم المتحدة .. ولكن كل دول العالم هي كومبارس … وكل دولة في الامم المتحدة هي سندريللا تخدم ساكتة صامتة مقابل طعامها وشرابها في حين أن زوجة الأب وبناتها (اميريكا وبريطانيا وفرنسا) وبقية الأمراء النوويين في مجلس الامن يقررون للسندريللات العالمية اين تكنس واين تطبخ وكيف لاتذهب الى اي حفل اممي .. وهم وحدهم اختصهم الله بحق النقض والفيتو .. دائمون باقون بقاء الوجود .. وهم مثل شعب الله المختار يحق لهم مالايحق للدول السندريللات .. والمصيبة انه في حكابة الامم المتحدة لاتوجد جنية طيبة تظهر فجأة وتقدم العربات والأحصنة المطهمة وثياب الحفلات للدول السندريللية كي تحضر اي حفل من حفلات الامراء ..


في كل يوم يصدمنا هذا الغرب أنه في النهاية غرب تافه أخلاقيا .. وأن كل الاسطورة الاخلاقية التي صنعها هي كلام في كلام .. وانه لافرق بين قبيلة قريش وقبيلة الزلو وبين قبائل اوروبة وقبائل الأنغلوساكسون .. الا ان قريشا والزولو لديهم أخلاق وقيم اكثر بكثير من قبائل الامم المتحدة .. فحلف الفضول في مكة أفضل بكثير من حلف وودرو ويلسون واحترام الاشهر الحرم في قريش كان أفضل من اي ميثاق للأمم المتحدة وقوانين الحرب .. ومع هذا يتأبط الامريكي أوراقه ويدخل الى قاعة المحاضرات الاممية رافعا رأسه ومنخريه في الهواء بالكاد يفتح عينيه ليرانا .. ثم يعلمنا أصول انسانيتنا التي لانعرفها لأننا كما اكتشف دارون – وهو كان يعنينا على مايبدو – أننا لانزال من جماعات القرود حضاريا .. ولأننا كما قال بوريل نعيش خارج الحديقة الاوروبية .. في عشوائيات العالم .. فالعالم في نظر بوريل ونخبه الاوروبية مكان للعشوائيات التي تحيط باوروبة الحديقة الغناء ذات الورود والقصر الانساني والاخلاقي ..
اليوم يظهر المزيد من الانحطاط في النظريات والفرضيات الاوربية باعتبار ان الرئيس بوتين مطلوب للعدالة لأنه ارتكب مجازر ولأنه مجرم حرب .. وطبعا نكتشف ان القانون الدولي وكتبه الكثيرة تحتاج الى نلفها بحفاضات الاطفال لأنها تتغوط وتتبول لااراديا .. واننا كلما اقتربنا منها علينا ان نغير لها فوطها .. ويحتاج هذا القانون الدولي ان يكبر مثل الاطفال وأن نطعمه السيريلاك وحليب الاطفال .. لأن القانون الدولي مر على كل مجرمي العالم ولم ير الا هتلر وموسوليني وستالين وصدام حسين والقذافي وبشار الاسد .. وبوتين .. ورغم ان أكثر حروب العالم قادتها بريطانيا واميريكا وفرنسا فانه لايوجد مجرم حرب واحد من هذه الدول .. لاجندي ولاضابط ولازعيم .. رغم ان أول استعمال للسلاح الكيماوي كان من قبل هذه الدول .. واول تفجير ذري في المدن المأهولة تم من قبل هذه الدول .. وان 90% من مجازر العالم قادتها هذه الدول .. ومعظم ضحايا العالم قتلوا بأيدي جنود وضباط وجنرالات وزعماء هذه الدول.. ومع هذا فان هاري ترومان رئيس اميريكا صاحب هيروشيما وناغازاكي بطل في نظر الغرب .. وجورج بوش وتوني بلير مؤمنان اجتهدا ولم يصيبا فلهما أجر واحد فقط .. فياسبحان الله من هذه الصدف في ان جميع مجرمي العالم هم من أعداء قبيلة الانغلوساكسون صاحبة منشور حقوق الانسان .. وسوبر ماركت الطفولة والامومة .. فرع الامم المتحدة او دار سندريللا ..
طبعا الرئيس الروسي لايحتاج احدا منا كي يدافع عنه .. أو يخاف عليه ويقلق بشأن أخذه موجودا الى النيابة العامة حيث (المساعد جميل) في لاهاي .. ولاهو سيكون يوما امام محكمة العراقيين التي حاكمت صدام حسين وكان فيها القاضي الشهير الأصلع الذي كان من الأنسب له ان يعمل في البشمركة بصفة مراقب عمال ..
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس انسانا عاديا كي تتجاهله اميريكا والغرب او تستخف يعقول العالم بأنه صيد سهل .. فهذا الرجل بحد ذاته صنع من القنابل النووية .. يتنفس نوويا .. ويتعرق نوويا .. بوله نووي .. وفرشاة اسنانه من نوع سارمات .. ويتجشأ قنابل هيدروحينية .. وعيناه مفاعلان نوويان .. وكريات دمه الحمراء تشع مثل القنابل النيوترونية .. وهذه معضلة لم يختبرها الغرب قبل ذلك .. هذا ليس موسوليني ولاهتلر .. وليس الرئيس صدام حسين الذي جرد حتى من مسدسه في عمليات التفتيش .. وليس الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي أسقطته بضع طائرات .. ولذلك فان الغرب يدرك ان مجرد اتهامه والمطالبة بمحاكمته ليست مجرد فرضية باهتة تحتاج الى التعامل معها على انها دمية أطفال .. يلهو بها زعماؤه في ايام الهالوين .. ولكن ايضا فان نظريات العدالة التي ظننا انها أوصلت التاريخ الى نهايته السعيدة اكتشفنا أنها بداية التاريخ .. لأن التاريخ يبدا عندما تصل الامم الى لحظات الغرور والصلف والظن انها وصلت الى النهاية .. ولكن حماقة البشر لاتعرف ولاتدرك ان الاحساس بالنهايات هو اعلان للبدايات .. ولمن لايعلم ذلك فليسال هيغل أستاذ تشريح التاريخ ..
بوتين الرجل النووي .. هو علامة فارقة في التاريخ .. ولايدرك الغرب ان نهاية التاريخ انتهت لتبدا اليوم بداية التاريخ للعصر الجديد ..