لاأسمع في السياسة هديل الحمام .. الا في الانتخابات والخطابات الملساء المنافقة .. ولكنني بين الهديل والهديل أسمع غقغقة او قعقعة الصقور وحمحمة الخيول .. ولذلك فانني لاأراهن على اي من الخطابات الانتخابية لأي سياسي وخاصة فيما يسمى التجارب الديمقراطية .. وأنا شخصيا لاأسمع هديل الحمام في معسكر أي عدو الا عندما تهدر الدبابات في الحرب ضده .. فهدير الدبابات يجعل كل الصقور مثل الحمائم ..
رغم انني أتمنى هزيمة أردوغان الا أنه لايهمني من ينتصر في الانتخابات التركية لأن قناعتي أن برنامج المعارضة التركية يتعارض مع بعض الاردوغانية السياسية ولكنه يلتقي مع العثمانية والاتاتوركية .. ولاأريد ان أراهن على أي فريق فيما يتعلق بالشأن السوري .. فكل فريق يستعمل الشأن السوري لغايات انتخابية .. ولكن في أعماق الضمير التركي هناك قبول بما فعله أردوغان الا أن الاعتراض عليه هو انه فشل في تحقيقه دون خسائر ودون ازمة لاجئين ..
قبل تصديق البيانات الانتخابية علينا أن نقرأ الضمير التركي والعقل التركي لأن قراءة الشعارات هي التي جعلتنا نصدق الخدعة التركية عندما قام اردوغان بتمثيل مسرحية مرمرة ودايفوس رغم ان التربية التركية للأتراك والثقافة التركية لاترى في العرب الا خونة وغدارين وخدما تمردوا على الإمبراطورية .. ولو أخذنا بعين الاعتبار هذه القراءة للعقل التركي والثقافة التركية لما اندفعنا كعرب الى فتح أحضاننا لأردوغان وشعاراته ..
مشكلة العرب أننا نصدق الحملات الانتخابية .. فاذا كانت في اميريكا صدقنا وعود الحزبين وظننا أن فوز احدهما قد يكون الأفضل .. ولكن أينما كان الفائز كانت النتيجة واحدة .. تدمير للشرق ودعم لإسرائيل وكذب على العرب .. وكثيرا ماكان المرشحون بعد فوزهم عاجزين عن تحقيق وعودهم الانتخابية .. فمثلا لم يجرؤ أوباما على اغلاق معتقل غوانتانامو رغم تعهده باغلاقه ووقفت في وجهه كل دهاة الامريكان .. وكذلك عجز ترامب عن الانسحاب من سورية رغم انه في حملته الانتخابية كان يدعو للانسحاب من سورية والعراق .. وكان يتهم هيلاري كلينتون بأنها هي من أسست داعش وربتها وأطلقتها .. ولكنه لم يجتث داعش بل تركها طليقة في قاعدة التنف تحت جناح الجيش الامريكي ..

بل وفي الانتخابات الإسرائيلية كان بعض العرب يميز بين حمائم اسرائيل وصقورها وكانوا أحيانا يطلبون من أشقائهم العرب تخفيف العمل الفدائي وتخفيف الاحراج السياسي للاسرائيليين كي يفوز مثلا حزب الحمائم .. وعندما تصل أسراب الحمائم الاسرائيلية الى السلطة نكتشف انها قطعان من الضباع النهمة للحم العرب ولعق دمهم ..
اليوم في الانتخابات التركية أنا لاأخفي رغبتي في أن يخسر أردوغان ويخرج من الحياة السياسية التي لوثها رغم قناعتي انه جاء مكلفا بمهمة ناتوية .. نفذها وسيكون بقاؤه مرهونا بمدى الحاجة لبقائه في مهمة ناتوية .. وربما يكون اردوغان ظاهريا أقرب الى روسيا وايران اليوم لكن اميريكا التي تعلن تذمرها منه ربما لاتجد غضاضة في ان تترك له مجالا للمناورة مع الروس كي يكون جسرا بين الناتو والروس .. ولذلك فان بقاءه مرتبط بتوافقات دولية خارجية أكثر من توافقات داخلية ..
المهم انني لست على ثقة من ان فوز المعارضة سيغير كثيرا من موقف الجيش التركي والنخب التركية من حيث الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة .. فربما يتنافس الطرفان في بيع الشأن السوري واللاجئين السوريين وربما يكون المعارضون أكثر ميلا لاخراج السوريين اللاجئين ويكونون متحمسين لذلك أكثر من زمرة أردوغان .. ولكن الانسحاب من الأرض السورية المحتلة لن يكون بهذه السهولة حتى ولو خرج أردوغان من السلطة .. فهناك قوى تركية باقية إسلامية وهناك قوى قومية طورانية لن تجد من المناسب التخلي عن (تحرير أراض تركية) في ولايتي حلب والموصل في الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان التي فصلت حدود تركيا الحالية .. وهذا الامر ينطبق على معسكر أردوغان الذي ان فاز بالانتخابات فانه سيجد هذه المعضلة .. واذا لم تكن كبيرة بحجم المعضلة السياسية المعقدة فانه سينفخ فيها حتى يستعملها كذريعة للاعتذار من الروس والإيرانيين وتبرير عجزه عن الالتزام بوعوده ..
وسيجد المعارضون ألف سبب يتعثرون به للاعتذار عن اعلان الانسحاب التركي من الأراضي السورية .. لأنني في كل ملاحظاتي لتاريخ الجيوش أجد أنه لم يدخل جيش أرضا وخرج منها سلما .. بل لم يخرج أي جيش من أرض دخلها الا حربا .. وهذه القاعدة تنطبق على الجيش التركي والقوى الاجتماعية والاقتصادية المستفيدة من الاحتلال التركي للأراضي السورية والتي يلعب الورقة التقليدية الكردية للتخويف من الانسحاب ..
المهم أنني أتابع الانتخابات التركية واجد كيف ان اردوغان يحاول باستماتة البقاء .. فهو يصور للأتراك أنه صعد الى القمر وأنه يصنع الطائرات وأنه صار رئيسا نوويا .. وووو .. ولكنني شخصيا أتوقع أنه اذا خسر اردوغان الانتخابات فان الإسلاميين في تركيا سيفجرون الشارع ولن يسمحوا بالانسحاب مهزومين من السلطة .. لأن خروجهم منها قد يكون عودتهم الى قمقم وضعهم فيه أتاتورك والجيش لمدة مئة سنة .. وهذه العقدة وحدها كفيلة بأن تجعلهم غير مستعدين لقبول الغياب عن السلطة والقرار .. وهناك أجنحة عنيفة بينهم تجد القبول بالهزيمة خيانة للشرع والتكليف الإلهي .. وأتمنى أن تتفجر تركيا بالصراعات الداخلية .. وهذه هي وحدها الكفيلة بجعل الانسحاب من سورية جذابا وضروريا للمعسكرات المتصارعة .. والا فان الجولة العسكرية القادمة مع الاتراك لابد منها .. سواء مع أردوغان ام بدون أردوغان .. فمابذره هذا الوغد بذور شريرة لن تنبت الا الشر ..
وحقيقة اننا فعلنا حسنا بالبقاء متريثين في الانتخابات التركية واظهار اللامبالاة ونوع من الحياد لأن اظهارنا لبغضنا لأردوغان وانتصارنا لخصومه سيجعل الجمهور التركي ميالا لتصديق ادعاءات اردوغان من أنه مكروه لأنه يحقق مصالح تركيا الخارجية .. ولكن ذلك أيضا يجعلنا لانبدو وقد غرر بنا ثانية بوعود المعارضين الذين لانعرف الى أي مدى سيمكنهم تحقيق وعودهم أو قدرتهم على الإيفاء بها بل واخلاصهم لهذه الوعود في دواخلهم ..
ودعوني أقل شيئا لكم .. وهو أن الصقور يصدر عنها هديل الحمام وأن الذئاب يصدر عنها مواء القطط فقط عندما تضرب ضرب غرائب الابل .. وعندما ترى أن رؤوسها قد أينعت وحان قطافها .. ولذلك فان اي تحرير لأي أرض مرتبط برؤيتنا نحن للرؤوس التي أينعت .. والتي حان قطافها .. وليس بسماعنا لهديل الحمام ..
في السياسة القوة ضد الخصوم هي التي تجعل منهم حمائم .. وقد رأينا أردوغان نفسه في معاركنا معه يزأر في أول المعركة ويزمجر كالذئب الغاضب .. ويموء كالقط الجائع في نهايتها .. يقعقع كالصقر في أولها وينق كالدجاجة او كالضفدع في نهايتها .. وغير ذلك كلام في كلام ..
شكرا لهذه التحليل الموضوعي .أتابع تحليلاتك بشكل دائم .
فقط أتمنى أن يتم التدقيق على الأخطاء الطباعية ، ففي هذه البوست هناك أكثر من عشر أخطاء !