لعلي أقول وأنا كلي يقين ان هذه المحاضرة الرائدة للمفكر العربي الاردني الدكتور موفق محادين هي من أخطر المحاضرات على الاطلاق لأنها تجيب عن أسئلة خطرة جدا وعملية كشف للتزوير التاريخي الذي يمارسه الاخوان المسلمون لتسويق المشروع العثماني في احتلال الشرق العربي .. وهذه المحاضرة القيمة والثمينة هي من الأعمال المميزة للجمعية الفلسفية الاردنية في محاولة ايقاف هذا المد الاخواني والجنون للانبطاح تحت أقدام تركيا واردوغان .. على أساس ان الخلافة العثمانية هي الحلم المفقود الذي يحن اليه العرب ليناموا ويعيشوا فيه .. رغم ان العرب بخروجهم من العباءة العثمانية لأول مرة كانوا كمن يخرج من القبر .. حيث تنفسوا الحرية .. وعادت مدنهم الى العمران .. وظهر العرب لأول مرة على سطح التاريخ بعد غياب دام 400 سنة كاملة اختفوا فيها من التاريخ تماما الى ان ظهروا عام 1916 لأول مرة ..
من المفاجآت التي تجحظ لها العيون هي مايخفيه المؤرخون الموالون لتركيا التي يقولون انها حامية الاسلام وانها الام الحنون والرؤوم والتي خسرها العرب والمسلمون .. لنكتشف انها دولة في منتهى العنصرية فطوال 500 سنة من الامبراطورية العثمانية المسلمة لم يتم تعيين شخص عربي بمنصب الصدر الأعظم (رئيس وزراء) .. اي ان العربي كان دوما مهمشا ولاينظر اليه على انه كان جزءا من تركيبة الدولة الا كموظف او فلاح او جندي ينتج للدولة ولايحق له نصيب بسيط من الدولة .. ومن بين 120 شخصا عينوا في منصب (شيخ الاسلام) – او مفتي الدولة – خلال 500 سنة كانوا كلهم اتراكا لم يكن هناك الا استثناء لشخص عربي واحد من حلب حظي بهذا المنصب وظهر بشكل عارض وسريع وكانه سقط سهوا من حسابات العنصرية التركية ..
الأخطر من هذا ان شكل التواجد العثماني في المنطقة العربية كان له شكل استيطاني عنصري .. فسكان المدن الكبرى والعواصم مثل دمشق وحمص وبيروت لم يكونوا في غالبيتهم من العرب الذين تم تهجيرهم واحلال مستوطنين اتراك وألبان ومهاجرين وأمراء جيوش وموظفين وأغراب في المدن بينما تركز العرب في الأرياف (ربما ليعملوا كمزارعين يطعمون سكان المدن والمستوطنين الجدد ويشكلون خزانا بشريا للجيش الذي يحارب ويموت ابناؤه في سبيل النخبة التركية) .. ولذلك ليس مستغربا انه في سورية تخيلوا ان 6 رؤساء جمهورية في سورية أصولهم تركية مثل شكري القوتلي وآل الأتاسي .. وتاج الدين .. والسبب هو ان النخب من اهل المدن كانوا أتراكا في غالبيتهم .. ولم تكن الارياف مؤهلة لانتاج نخب سياسية بسبب سياسة التهميش والاقصاء والاهمال المتعمد ..


والمفاجأة هي اكتشاف ان مشروع سكة حديد الحجاز التي يدعي المتعثمنون انها بنيت لتسهيل وصول الحجاج الى مكة وانها سكة اسلامية الهدف .. كانت لغاية اخرى هي قطع الطريق على مشروع سكة برلين بغداد .. بدليل ان السكة لم تصل الى مكة حيث مقصد الحج .. والاغرب انه لايوجد اي سلطان عثماني طوال 500 سنة أدى فريضة الحج او زار المدينة او مكة رغم ان هناك استماتة اخوانية لتصوير العثمانيين انهم اهل الاسلام والحريصون على الاسلام .. ولكن رفض كل السلاطين العثمانيين القيام بالحج ولم يعاتبهم أحد أو يتجرأ على طرح هذا السؤال المهم .. فما هو سبب انه لايوجد اي خليفة اسلامي عثماني اهتم بزيارة قبر الرسول وبيت الله الحرام .. رغم انه يستمد سلطانه من كونه ممثل الاسلام والنبي على الارض ؟؟
ومن الاساطير ان السلطان عبد الحميد الذي يدافع عنه المعثمنون سقط كل شمال افريقيا في عهده .. ولكن الاهم هو انه لم يكن مناهضا لفكرة الوطن القومي لليهود على الاطلاق .. ولكنه كان يفضل ان يعطي اليهود وطنا في شمال العراق بدل فلسطين .. اي مقايضة أرض عربية بأرض عربية ليست من جيب السلطان وشعبه العثماني .. ومع هذا فان اول مستوطنة يهودية ضخمة تأسست في عهده هي بتاح تكفا في فلسطين ..
ولعل أجمل توصيف سمعته هو أن الثورة العربية الكبرى هي في الحقيقة الثورة السورية الكبرى لأن التجار والبرجوازية السورية الطامحة للتخلص من العثمانية احتاجت غطاء دينيا فاضطرت لاستدعاء الهاشميين .. ولكن حركة التحرر في شخصياتها وكوادرها كانت من بلاد الشام .. ولم تكن الحركة ضد الخلافة الاسلامية كما يصورها الاتراك والاخوان المسلمون لأن من سقط هو حزب الاتحاد والترقي الماسوني العنصري وليست الخلافة فلم تكن هناك خلافة على الاطلاق بل سلطنة ملكية وراثية ولم يطلق اي سلطان على نفسه اسم خليفة الا في اوهام الاخوان المسلمين وبرامج غسل الأدمغة الذي يتبنونه ..
هذا غيض من فيض يتدفق في هذه المحاضرة .. فهذه المحاضرة ثرية وغنية وجميلة جدا ومنسقة الافكار وتفسير لسلوك تركيا وسلوك اللص اردوغان الذي يريد تفكيك الهوية العربية لمصلحة الهوية العثمانية العنصرية المدمرة .. وهذه الندوات التنويرية يجب ان تعمم وتنتشر .. وان يحاول كل مثقف ان يطرح هذه القضايا الفكرية لرد الاعتبار للتاريخ الحقيقي .. ولايقاف التزوير وخديعة الجمهور التي يقوم بها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لايعرف انهم مفكرون او باحثون او فلاسفة ولكنهم يقودون الغوغاء بدون ثقافة على عكس هذه الجمعية الثقافية التنويرية .. وهذه النشاطات التنويرية هي التي يمكن ان تهزم أردوغان وتخلع مشروعه ويخشاها كل العثمانيين ..
هذه دعوة للاستمتاع بهذه الجولة البانورامية في العباءة العثمانية .. ستعجبنا وتدهشنا وستفيدنا جدا ..