ان البذور الفاسدة لاتموت بل تختفي من البيادر عندما نتلفها .. ولكن لاتتخيلوا ان الأرض ستخلو من البذور الفاسدة خاصة ان الرياح الغربية تذروها علينا وعلى حقولنا .. وتنشرها في حقول قمحنا وفي بساتيننا .. واليوم ينبث الشوك من جديد .. الشوك الذي زرعه أصحاب قيصر .. ويطلع البذار الفاسد في الأرض الطيبة .. فنحن اليوم ندخل في مرحلة حصاد موسم قيصر ..
لاتستهينوا بالأخلاق في الحرب .. وكذاب كل من يقول لكم ان الحرب بلا أخلاق وأن الأخلاق ملاذ الضعفاء .. لاشيء يعلو على أخلاق الحرب ..وهذا واضح منذ ان أصدر النبي العظيم أعظم حكم أخلاقي على أعدائه .. وقال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) بعد حرب الغاء ضده دامت 23 سنة .. وقال لزعيم الكفر أبي سفيان الذي حاربه 23 سنة بلا هوادة وجلب عليه الحرب في بدر وأحد والخندق وأكلت عائلة أبي سفيان كبد عم النبي أمام عينيه .. كانت أخلاق النبي ان يقول له – وهو القادر على أكل كبد أبي سفيان – بأنني لاأحقد على الناس .. بل “ان من دخل الكعبة فهو آمن .. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن” .. وقد ساوى النبي بيت الله بمنزلة بيت عدوه أبي سفيان ..
وفي أخلاق الحرب .. يهدي صلاح الدين عدوه ريتشارد قلب الأسد حصانا أصيلا محاربا بدل حصان ريتشارد الذي تعثر ومات في المعركة ويهديه الطبيب والدواء والثلج لمعالجة الحمى التي أصابته .. وعندما فتح القدس .. لم يقتل أعداءه بل قال لهم عبارة كالتي قالها الرسول لأعدائه في مكة .. اذهبوا فأنتم الطلقاء .. فقد سمح لهم بأن يغادروا دون أن يمسهم سوء .. وظل صلاح الدين عقدة في عيون ملوك أوروبة بهذه القدرة على التعامل بالأخلاق .. في وقت الانتصار الذي لايقدر الانسان على ان يكون الا حيوانا ضاريا وهو ينتقم ويتشفى ..
وفي أخلاق الحرب .. يرفض حزب الله اغتيال عميل خطر لأنه كان سيصيب طفلة العميل .. فألغى نسف العميل ولم يضغط على زر التفجير .. وفي يوم التحرير يقرر حزب الله لدى تحريره الجنوب اللبناني أن لايتم توجيه اي أذى او اهانة لمن تخاذل في التحرير وتحالف مع الاسرائيليين .. وكأنه كان يستعيد تلك العبارة .. اذهبوا فأنتم الطلقاء .. وهنا ارتفعت قيمة حزب الله وارتفع مستوى خطورته .. لأنه أظهر سلاحا فتاكا في الحرب وهو سلاح تزويد المقاتل بالأخلاق .. ومن كانت له أخلاق سيحارب بشرف .. وباخلاص .. وببسالة لأنه صادق في قراره بالنصر او الاستشهاد ولايمارس النفاق والكذب ..
وكي نفهم خطورة غياب الاخلاق في الصراعات فلنتذكر ان كل هاجس اسرائيل في صراعها للبقاء هو ان تحصل على شرعية أخلاقية .. فسرقتها للأرض وبلطجتها واضحة حتى لتيودور هرتزل نفسه .. ولكن كل اتفاقيات السلام واجترار حكايات الهولوكوست هي من أجل اضفاء شرعية أخلاقية على سلوكها اللصوصي والمجرم .. وكل غاية الاشرار في التاريخ من تدوير الحقائق والتزوير هي لخلق غطاء اخلاقي يستر الضمير العفن والشر ولو بشكل رقيق .. واسرائيل لذلك ستخسر وجودها لأنها لم تقدر ان تمثل شرعية أخلاقية .. ولم تقدر ان تحارب الفلسطينيين بشكل أخلاقي .. وتظن ان القوة هي التي تصنع الاخلاق .. مستهينة جدا بقوة الاخلاق ..
اليوم لانزال نواجه حربا يظنها الكثيرون انها حرب تدار بالاقمار الصناعية والمنظمات الارهابية وحروب الجيل الرابع .. ولكن السر في كل هذه الحروب هو أنها تقوم بافراغ الجمهور من الاخلاق الوطنية التي هي ترسانة الأمة .. والاخلاق الوطنية هي امتداد للاخلاق العامة والقيم العليا .. فمن انهارت منظومة الاخلاق الوطنية لديه سيتلوها انهيار في بقية القيم الاخلاقية الشخصية ويتحول هو الى انسان مشوش بدائي ورخيص .. وكل مافعلته الآلة الاعلامية الخبيثة في حربها علينا هي اضفاء حالة من اللااخلاق على الدولة السورية والقرار الوطني السوري .. واضفاء هالة من الاخلاق على المعارضين بتحويلهم الى مظلومين .. والظلم حالة لاأخلاقية تحل بالمظلوم وتستدعي التعاطف معه .. واليوم تريد ادارة حروب الجيل الرابع افقار الناس وتجويعهم لافراغهم مما بقي لديهم من قيم اخلاقية وتوجيههم نحو قيم انانية فردية مما يسهل الانقضاض على البلاد ..

