كانت المعركة قد طالت في حرستا في 2012 وجاء أمر “صقر” بضرورة تجاوز دوار الحسن والوصول لدوار الكوع حيث يرابض النقيب ملهم الجوراني (الشهيد لاحقا) ويناور برجاله قليلي العدد…
ببسالة وسرعة وتناغم وعلى خطين وبمؤازة دبابتين وعربتي ب م ب اخترقت قوات البطل حافظ عياش ومن ضمنها قوات المقدم شريف والمقدم أيمن والأبطال الذين كنت أقودهم من كتيبة مغاوير الحرس آخر مائتي متر وسط تبادل كثيف مكشوف لاطلاق الرصاص وتمكن الرجال من الوصول دون إصابة واحدة…
وكان أداء المقدم حافظ مذهلا فقد كان يركض… يصل ببعض الرجال… يعود ليقود غيرهم ويوصلهم… كنت أراقب بطولته بإعجاب كبير وأنا أركض أي:
كرر تعرضه للرصاص عدة مرات وببعض الأحيان كان يثبت مكشوفا ويصرخ…
هدأ كل شيء لدقائق قليلة بعد موقف أسطوري في التعرض المباشر لاطلاق النار وقد يغش البعض بالقول:
معكم دبابتين والحقيقة أن الدبابة عمياء في مواجهة ارهابيين متمترسين بالبنايات تجهل بأي طابق أو قبو هم…
ولم نكد نتنهد بعد الوصول حتى قال أحدهم:
إن حوالي خمسة عشر رجلا تابعين لمجموعة الملازم أمجد عالقين بأحد الأبنية ويتبادلون النار مع العدو ولم يتمكنوا من الركض مع الجميع…
صرخ المقدم حافظ أمام الجميع وأنا بلصقه: أمجااااد روح جيب جماعتك…
رديت بجبن: سيدي جماعتي معي
أمسك بدرعي بيد عملاقة لقائد المحاور المقاتلة في الحرس الجمهوري وصرخ: روح جيب جماعتك من البناء عم قلك…

تدخل المقدم شريف (الشهيد لاحقا): حافظ أمجد مارح يقدر… الدكتور الو طاقة (وكأنه يقول له هاد دكتور لاتبعتو)…
قلت للمقدم: سيدي جماعتي معظمها معي وصلت ونحن وصلنا بتغطية نارية كبيرة ومن دبابات… أرسل دبابة معي… كيف سأخترق وحدي…
كرر المقدم عبارته بقسوة أكبر: ملازم أمجد روح جيب رجالك…
فقلت له: انت بدك ياني روح…
رد بوجهي: روح من وجهي… وجيبهم
همس لي مغوار: سيدي بس تلاتة من عناصرنا ما أحصيتهم بالتفقد…
كنت تعبا جدا… نظرت لبعض رجالي الذين رأوا الموقف الذي بدا مهينا لحظات أمسكت بندقيتي وركضت…
ركضت إحدى أغبى وأجمل ركضات حياتي… لم آخذ نفسا لأفكر بأمي أوحبيبتي أو دراستي وفي منتصف الطريق المكشوف من دوار الكوع إلى دوار الحسن…
أحسست بعدد كبير من رجالي يركضون خلفي وقد فتحوا بنادقهم…
كانت سرعتي كبيرة رغم أني في الخامسة والثلاثين يومها…
آخر مغوار سمعت صوته كان يزن جليكو وهو يقول:
سيدي حاج لهون وين راكض حرام عليك…
لكن لم ألتفت خلفي…
قلدت المقدم حافظ…
وقفت مكشوفا بمنتصف الشارع ولم أفكر في النظر خلفي ولا مرة…
صرخت بالرجال في البناية بصوت يشبه صوت المقدم حافظ… كما سمعته يصرخ في المعارك صرخت: انزلوا….
صرخ أحد الرجال: سيدي خطر ننزل…
صرخت فيه ولا أعرفه فهو ليس من جماعتي: ليكني بنص الشارع لو فيه خطر كانوا قوسوني… مافيه مسلحين… انزلوا اركضوا موازاة الحيط…
صرخ عنصر اخر: نحنا بخير ومارح ننزل…
فصرخت بمثل مايكرر المقدم حافظ: مافي حدا ليكني قدامهم كانوا قتلوني…. انزلوا فورا
اقتنع الرجال ونزلوا بجوار جدران البنايات وركضوا باتجاهي…
كل هذا ولم أفكر أن ألتفت للخلف ولو بنظرة…
لأني شعرت أن إرهابيا يراقبني وبمجرد أن أدير ظهري ستكون الرصاصة فيه….
لكن ما أن قطعني الرجال حتى استدرت لأركض بمنتصف الطريق مع اخرهم…
لكن خيالا بدا لي وأنا أستدير… خيالا أحسست فيه مذ اتخذ يزن وضعا دفاعيا خلفي… أحسست بالخيال يستمر
استدار معي وركض… بجواري…
لم يكن هذا الخيال سوى قائد محاور الحرس الثلاثة…. المقدم حافظ عياش…
الذي لم يتركني منذ أعطاني الأمر بل ركض خلفي….
وحين قلت له: بعد أن وصلنا…
سيدي: لم يكونوا رجالي…!!!
نظر لي بغضب وقال: بل رجالك ألم تتعلم بعد ياملازم…
حتى اليوم أعتقد أن الإرهابيين كانوا موجودين وأنهم لم يطلقوا النار علي لأنه:
لايمكن لأحد مهما كان ارهابيا أن يطلق النار على ضابط ركض في طريق مكشوف…
أو ربما لم يهتموا بي… بل أخافهم جسد المقدم حافظ خلفي… فجبنت أيديهم عن الزناد…
حين تمروا به… قائد دورات أغرار الحرس اليوم… وكلامي للأغرار الذين يتدربون تحت يديه اليوم ولغيرهم… حتى للناس في الشوارع أساتذة مدارس وأطباء ومهندسين ومحامين وحتى مجرمين…
فحييوه… أديروا الوجه صوبه وحييوه…
فهذا حامي الأهالي… وحامي الديار… وحامي الرجال
وحامي القلوب… وحامي الدماء…