لاأريد أن أقول انني عراف وأنني من أولئك المنجمين .. وقراء البخت الديبلوماسي .. ولاأنتمي الى أولئك الذين يقرؤون النجوم ويستجوبون المجرات وأحيانا يدعون انهم يحركونها .. ويتصرف أحدهم مع الاحداث كأنه قابلة .. فهؤلاء يشقون بطن المستقبل ويعرفون كل مواليده الذكور من الاحداث والاناث ..
ولكني لم أفاجأ بأي حدث بعد 7 أوكتوبر .. وحده 7 أكتوبر فاجأني من ناحية واحدة وهي أن من ظننته نائما تبين انه يقظ جدا وأنه لاينام وهو الفلسطيني .. وأن من ظننته لاينام كان في الحقيقة غافيا يغط في نوم عميق تحت اللحاف .. وهو الجيش الاسرائيلي ..
ولكن لم يفاجئني أداء المقاتلين العرب .. مقاتلي حماس .. ولم افاجأ برداءة اداء الجيش الاسرائيلي الذي صرنا نعرفه انه على الارض لايعرف القتال ولايجيده .. فهو جيش تحرسه الطائرات .. وتقاتل عنه الطائرات .. وترضعه الطائرات .. وهو من غير الطائرات لايساوي قشرة بصلة كما نقول .. وقد أثبتت الاحداث ذلك منذ حرب تحرير جنوب لبنان .. فهذا الجيش انتصر في عام 67 عندما قاتل جيوشا عربية كانت بلا طائرات .. فيما كانت الطائرات هي التي تفتح له المديات ليتقدم .. ولكن عندما كان عليه ان يقاتل بلا طائرات خرج من لبنان .. وفي عام 2006 عندما حاول ان يلعب لعبة الطائرات لعب معه حزب الله لعبة الانفاق التي تقهر الطائرات .. ولذلك صار هناك توازن مفروض حيث لايملك حزب الله طائرات ولم تعد الطائرات الاسرائيليىة تفيد الجيش الاسرائيلي لأن الأنفاق أسقطتها جميعا ..
لذلك كنت أعلم ان الجيش الاسرائيلي سيسقط بالضربة القاضية عندما يواجه على الارض بأي قوة برية لأن الجيش الاسرائيلي انتهى عمليا منذ مجزرة الميركافاه ومنذ عام 2006 .. وكل انجازاته الى الان هي بسبب لعبة الاجواء .. وهي آخر لعبة بقيت في يده .. واخراحها من المعركة هي نهاية حتمية لاسرائيل ..
ولم يفاجئني أبدا رد فعل اسرائيل .. ولم يفاجئني التدافع الغربي والتنافس لاظهار الدعم لاسرائيل لأن من ينسى ان اسرائيل هي مشروع اوروبي استكمالا لمشروع الحروب الصليبية التي كانت استعمارية للاستيلاء على الشرق العربي .. من ينسى فانه لايعرف كيف يفهم الهرولة الغربية وجذورها .. ولكن بدل ان يعود ريتشارد قلب الاسد فانه تم تكليف اليهود وفق عقد تخادم بين اوروبة واليهود .. ولذلك فان اوروبة في أعماقها لاتستطيع ان تتحمل سقوط أورشليم الثاني منذ أن أسقطها صلاح الدين ..

ولم يفاحئني ان الغرب لم يكترث لقتل المدنيين .. ولقتل الاطفال ولقتل المدن .. الغرب هو فنان المذابح وفنان الابادات .. وهو من اخترع فكرة ابادة العدو ولم يسبقه اليها اي بشر .. فعلها في اميريكا بالهنود الحمر ولم يهتز له جفن .. وحتى هذه اللحظة ينظر اليك الاميريكي ويتباهى انه مصدر التشريعات الانسانية ولايخجل من ان باسمه وحده اكبر عملية ابادة في التاريخ البشري .. ولايزال ضميره لايخزه من تلك الفعلية الشنيعة .. التي لاتقوم بها حتى الحيوانات ..
والغرب هو صاحب فكرة الحروب الجماعية ومهرجانات الموت العالمي .. ففي حسابه اختراع الحروب العالمية .. حيث الموت يحصد عشرات الملايين حتى تتعب ملائكة الموت وهي تقبض أرواح البشر .. وهذا الغرب الراقي الحضاري هو صاحب اول سلاح كيماوي وهو اول من استعمله … وهو صاحب اول عملية ابادة نووية في هيروشيما حيث احرقت مدينة كاملة بمشافيها ومدارسها وحضاناتها وتبخرت بحرارة مليون درجة مئوية .. وفي الحرب العالمية التي وقعت بالامس فقط بعد ان كتب وودر ويلسون مبادئه التي لازالت تقبح وجه التاريخ أكثر من عورة عمرو بن العاص التي كان مظفر النواب يراها تقبح وجه التاريخ .. تخيلوا انه بعد كتابة حقوق الانسان طار مؤلفو المبادئ الشهيرة بطائراتهم لابادة سكان مدن ألمانية بشكل كامل بشهوة الانتقام فابادوا دريسدن وشتوتغارت ثم ناغازاكي وهيروشيما .. رغم انهم كتّاب المبادئ الوودرويلسونية التي وزعوها مثل المعونات الخيرية وأكياس الارز على فقراء المعرفة بمبادئ حقوق الانسان .. ويبدو ان هذه المبادئ هي طعام الاغبياء والمساكين والجهلة .. وقد أكلت كل الشعوب من هذه الوليمة الامريكية ومرضت بمرض حقوق الانسان وأصيبت بالفصام الاجتماعي والثقافي .. وتبين ان الوجبة لايأكل منها طباخها لأنه يعرف انها ليست لها جذور في الثقافة الامريكية التي أنبتتها .. فالثقافة الامريكية هي ثقافة كاوبوي .. فهو كان يقتل الهندي الاحمر ويستولي على قريته وزوجته .. وبعد ان ينتهي يقتل صديقه الذي شاركه قتل الهندي الاحمر ويستولي على ماله وزوجته وحصانه .. ثم يذهب ليكتب مبادئ عن حقوق الانسان .. لنا .. وللعالم .. وبعد ذلك يذهب الى فييتنام وكوريا ويقتل الانسان .. ثم يستدير ليقتل الانسان في العراق .. وفي ليبيا وفي سورية .. واليوم في غزة ..
لذلك كنت أرى بأم عيني ان اي دعوة للحرية والديمقراطية التي تحملها المعارضات العربية والنخب العربية وتنوء تحتها مثلما يحمل المسيح صليبه كلها دعوات ساذجة وطيبة النوايا وفيها غباء وقلة معرفة بجذور الحرية والديمقراطية .. التي هي من عصارات مبادئ حقوق الانسان الاميريكية .. كل هذه الدعوات على ما فيها من ترغيب وغواية لم تحظ بثقتي ولم أمنحها دقيقة واحدة من اهتمامي لأنني كنت أعلم انها مبادئ تحتقر الانسان .. والحرية التي تقدمها هي نوع من الوقوع في العبودية لنظام مالي اخطبوطي يتحكم بكل مفاصل الحياة التي يسميها ديمقراطية حيث سيسكتك وقت يشاء .. ويحذفك ويشطبك من كل قواميس الحرية اذا تسببت بازعاجه .. ووصل الامر ان أصحاب حقوق الانسان أنفسهم يمنعون حق اي انسان في ان يعبر عن رأيه ويعاملون العرب على انهم حيوانات بلا مشاعر عليهم ان يروا المذبحة ويسكتوا ولاداعي لحقوق الانسان .. في حين ان حجم الدم المراق في غزة جعل ماء البحر يفور وماء النيل يغلي .. وجعل الرمال في الجزيرة العربية تتحرك شمالا ..
وأنا لم يفاجئني سكوت العالم الحر الرسمي وأصحاب القلوب الرقيقة في الحكومات الغربية .. ولم يفاجئني ان الشعوب العربية التي سيقت الى الربيع العربي وسفكت دمها بسخاء من أجل حقوق الانسان (الامريكي) لاتزال تتصرف في محرقة غزة وكأنها تتظاهر في شوارع لندن او فيينا من أجل سعر البطاطا .. أعلام وشعارات ومنتهى الحضارة .. في وقت صار عليها ان تقلب العالم كله .. فالانسان العربي خضع لعملية جراحية لتغيير الجنس وتعديل وراثي جعلته مشوشا لمدة عشر سنوات في الربيع العربي لايعرف هويته .. فهو نسي الجهاد ضد اسرائيل ونسي الكفاح المسلح وصار يستمتع بحديث السلام والتطبيع .. ويرى الابراج الخليجية والاقامات الذهبية وأراب ايدول اعظم انجاز للعرب .. ولايعرف عنترة ولا المعتصم ولا المتنبي ولاسيف الدولة .. ولا يعرف انه كان سيد العالم يوما وانه ابن النبي العربي العظيم .. وأن أرضه صدرت الانبياء والكتب السماوية التي كتبها الله ولم تصدر حقوق الانسان الامريكية لمؤلفها وودرو ويلسون .. وقد استيقظ هذا الانسان العربي قبل ان يتم تغيير جنسه ووراثته يوم 7 اكتوبر .. ولكنه لايزال تحت تأثير المخدر .. وأتمنى أن يحوله غضبه من هذه المحاولة لتغيير جنسه الى مايشبه (هالك) الرجل الاخضر الذي يحطم كل شيء ..
400 مليون عربي يمسكهم عشرون عميلا اسمهم رؤساء وملوك ومشايخ وعشرون موظفا في السفارات الغربية .. ولو فاضت الطرقات بهم واقتلعوا السفارات الاسرائيلية والاميركية والبريطانية والفرنسية بايديهم وكل شيء اوروبي ديبلوماسي او تجاري فان اوروبة ستحترم دمهم لأنها ستراه مراقا في غزة .. فما يراق في غزة ليس دم الفلسطينيين .. بل هو دمي .. ودمك.. ودم كل من يعيش في هذا الشرق .. والتجربة تقول انه قبل الدم الفلسطيني أريق الدم العراقي واللبناني والسوري والليبي .. وسيراق دم الجميع .. وماقاله القذافي للرؤساء العرب من أن الدور قادم اليكم .. لاينطبق فقط على الرؤساء والملوك .. بل هو حرفيا ينطبق على الشعوب العربية .. فقتل صدام حسين لحقته مجزرة بشعة بالعراقيين .. وقتل القذافي لحقته مجزرة بشعة بالليبيين .. ومحاولة التخلص من الرئيس بشار الاسد لحق بها دم مئات الالاف من السوريين .. والنتيجة هي ان الدم لايراق بسبب الرؤساء ولا بسبب الثورات بل بسبب انه سيأتي الدور على جميع الشعوب العربية واحدا واحدا لأنها لاتوقف هذه المجازر وهذه المهزلة بالوقوف مرة واحدة ضد الغرب وضد مشروع اسرائيل وتأديبها ..
اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت .. وهي تتهاوى .. ولاتحتاج الا ان ترى الشعوب العربية تحاصرها .. تغلق ميناء العقبة وتغلق السويس وتغلق باب المندب .. وتغلق السفارات وتطارد كل شيء اسرائيلي علنا في الشوارع دون ان تكترث بالشرطة المكلفة بأن تحمي اسرائيل .. وعندها لن تقدر اي حكومة على ان تتجرأ وتقدم اي عون لاسرائيل .. لأن أذرع اسرائيل في المنطقة صارت واضحة وهي أنظمة الخليج العربي .. والملك الأردني الذي يمنع احدا من الاقتراب من الحدود الطويلة ويحافظ عليها .. والخوف الشديد الذي يتملك قلب الرئيس المصري السيسي من أن يضرب على الطاولة ويقول كفى باسم الشعب المصري ..
وانا الذي لم أتفاجأ بأي شيء يجعل الناس تفتح عيونها دهشة لن يفاجئني السيد حسن نصرالله اذا ماأعلن انه سيغير قواعد الاشتباك منذ يوم الجمعة بحيث يرتبك الجيش الاسرائيلي وترتبك المنظومة الحاكمة الاسرائيلية العنصرية .. وأن السيد سيقول مايتمناه 400 مليون عربي .. ومايخشاه كل مستوطن اسرائيلي .. وكل ملوك اوروبة الجدد ..
لذلك .. في أحد الايام التي أخذت فيها غزة عنوة الى مرحلة الضلال العربي .. كتبت غزة لافتات تقول ان القدس بانتظار الرجال .. وكان الرجال في تلك الصورة هم أردوغان وحمد بن خليفة وتميم بن حمد .. وخالد مشعل .. ولكن لم يصل اليها اي منهم.. ولم يبق اي رجل في العالم تنتظره غزة .. بل غزة والعالم كله بانتظار رجل واحد .. سيصل يوم الجمعة ..