مصر على كرسي متحرك .. فيما ممحاة غزة تمحو العالم القديم .. وقلم اليمن يعلم الانسان مالم يعلم !!


غزة اليوم اليوم ممحاة بيد التاريخ .. هذه القطعة التي تشبه الممحاة .. تمحو العالم القديم .. وتمحو كل مايكتب وما تخطه الاقلام التي ضللت الحكايات وضللت الجغرافيا والتاريخ وضللت الذاكرة .. فكل المقالات والعنتريات وأقلام السلام كتبت وجاءت غزة ومحت كل ماكتب وماقيل ومارسم من لوحات تطبيع وسلام .. والأهم ان ممحاة غزة صارت تمحو المحرقة .. بالمحرقة .. واتمنى منذ اليوم أن نبدأ استعمال كلمة محرقة غزة كي تأكل محرقة غزة في الدنيا كلها محرقة اسرائيل التي ترضع منها الصهيونية منذ 75 سنة .. ولايززال ضرع الهولوكوست يدر اللبن في فم اسرائيل حتى يوم 7 أكتوبر .. لكن ضرع المحرقة اليهودية يجف الان .. لأن المحرقة أحرقت المحرقة .. فلنساعد غزة كي تحرق قصة المحرقة .. ولنقل منذ اليوم انها محرقة غزة وليست حرب غزة ..
اسرائيل وغربها يريدان لم يعد مستساغا ان نكيل المديح لغزة ولكن من الضروري ان نوصف ماتغير في العالم منذ لحظة غزة .. لأن غزة تحولت الى ممحاة تمحو كل كتب التاريخ الحديث وتمحو خطوط الحرب والسلام وخطوط الاشتباك .. وخطوط سايكس بيكو تهتز .. واللوحة الجميلة للحديقة التوراتية التي صنعها اعلام الغرب مرت عليها الممحاة الغزاوية … اللوحة التوراتية التي قيل انها متفوقة أخلاقيا وحضاريا وعسكريا وعقليا ومعرفيا وامنيا وأنها لاتمحى .. كل هذه اللوحة التي رسمها المشروع الغربي بدأت تختفي ملامحها منذ ان مرت عليها ممحاة غزة .. كل شي ء يهتز في العالم .. الاعلام .. والاخلاق .. والامم المتحدة والشرائع ونصوص كتبتها اوروبة منذ الثورة الفرنسية .. كلها وقعت في بحر غزة الذي صار لونه مثل الحبر الاسود .. كما لون هولاكو دجلة بحبر الكتب العربية عندما ألقى العقل العربي في نهر دجلة ..
وغزة اليوم كانت مثل مادة كيماوية في تفاعل معقد أظهر المعادن الخسيسة والمعادن الثمينة .. فقد أظهرت ان العالم العربي يعاني مرضا وانه رجل مريض كما كانت الامبراطورية العثمانية الرجل المريض .. وربما ظهر اليوم مصطلح العائلة المريضة ..فالدول العربية تظهر مثل العائلة المريضة المصابة بعلل وفقر دم وقلة الحيل والتعب والوسن .. معظم أفرادها مريض وطريح الفراش .. بعضه مريض بالجهل او بالفقر او بالثراء والتخمة واما مصاب بنوبات من الهلع والصرع والاستهلاك والخوف وعقد النقص .


غزة اليوم أظهرت ان اسرائيل مجرد موظفة وأن الادعاء بأن اميريكا مرغمة على دعمها نظرية جوفاء .. والاصرار الاميريكي البريطاني على ضرب اليمن تزيل الغبار عن الحقيقة … ويجب ان نعيد قراءتنا لتلك الخدعة التي تقول ان اسرائيل هي التي توجه امكيريكا .. وأن ايباك هي التي تقرر سياسة اميريكا لنكتشف ان اميريكا تسمح لايباك بالتحرك لتكون قناعا يخفي ميولها الامبراطورية وتلقي عبر ايباك باللوم على أنصار اسرائيل .. وترتدي هي قفازات ايباك لتقول انها تفعل ماتفعل مرغمة .. وأنها صديقة العرب ولكنها مثل المثل الذي يقول (مكره أخاك لابطل) .. لكن الاصرار على ان تمنع اي جهة من مساعدة غزة .. ومنع اي حصار على اسرائيل يثبت ان علينا منذ اليوم ان نركز على ان تدفع اميريكا الثمن كي ترخي قبضتها وتترك اسرائيل لمصيرها ..


هذه الحرب في غزة كشفت أشياء لم نكن نظن انها كنوز لدينا .. فهي التي أظهرت ان ثروة العرب ليست في نفطهم وليست في دبي .. بل في مابقي من الانسان العربي السليم والثقافة .. الذي ظهر في اليمن الذي يشبه الغابة العذراء والبلد الذي نسيه الزمن ونسي ان يهرمنه بالايديولوجيا والعولمة والديمقراطية ونسي ان يحشره في الحظيرة التي تسمى حقوق الانسان والمجتمع الدولي .. والحضارة الجديدة والاستهلاك .. ولذلك بقي انسانه نقيا لم يتلوث بالنفط ولعنة النفط التي تلوثت بها مجتمعات الجزيرة العربية كلها وتحولت الى مجتمعات مخدرة تأكل الهامبرغر بدل التمر والماكدونالد بدل الثريد .. وتمارس الرياضة وسباق السيارات وبناء الابراج وصارات الترفيه وصارت ترى الدم ولاتتألم كأنها تتعاطى المورفين .. فيما اليمني بطنه ضامر وعوده نحيل لكنه أصيل لم تستهوه الابراج ولامذاقات المادونالد ولامذاقات الديمقراطية ولا منتجات الديمقراطية بل مذاقات التراث الاصيل والنخوة والمروءة والكرم والشجاعة .. وهذا ما يذكرنا بنظرية هيغل التي تقول ان الانسان هو ثمرة للأرض التي يعيش فيها .. وطباعه منها .. وأرض اليمن الصلبة القاسية كان ثمرتها ذلك الانسان اليمني الصلب .. بخنجره المعقوف .. الذي لم يتلوث .. وهناك تتفي اليمن صارع نظريتان في العالم .. نظرية الانسان والآلة .. فقد برز الانسان اليمني للآلة الغربية التي قصفته وحاوت تدميره والفتك به منذ عدة سنوات .. وتبين ان الالة لم تقهر الانسان .. الذي لايزال قطعة من الجبال الحضرمية لن يؤثر بها اشعاع الغرب ولا اشعاع الذرة ولا النيوترون ..


اليمنيون وضعوا الانسان اليمني الصلب الشجاع الضامر النحيل أمام مايملكه العالم المتطور من تقنيات وتكنولوجيا .. انسان الهامبرغر امام انسان حضرموت .. الذكاء الصناعي أمام الابداع الفطري .. وهنا للطبيعة قرارها وللجغرافيا قراراها .. فهذه الخلطة الساحرة للانسان والجغرافيا ستظهر ان اليمن من اقوى دول العالم .. فالجغرافيا اليمنية الصعبة والجبال التي لاتقهر يسكنها انسان لايقهر .. ومايثير قلق الغرب هو ان آلة الدمار الغربية قصفت الجبال اليمنية والانسان اليمني في تلك الحرب السعودية العبثية طوال عشر سنوات لأن السعودية كانت تقصف اليمن بكل ماأوتيت من قوة بالسلاح نفسه الذي يقصف غزة اليوم والذي قصف اليمن منذ يومين .. ولكن هيهات ان تقهر الآلة هذه الخلطة السحرية للانسان والطبيعة ..فماذا تقدر تلك الآلة ان تفعل بعد اليوم؟ اطباق الحصار على اليمن؟ ولكن اليمن هو الذي يقدر اليوم ان يحاصر العالم كله وهو في جباله باغلاق مضيق باب المندب .. وهو قادر على ذلك بالالغام البحرية والصواريخ والمسيرات والانتحاريين ..


وعندما أنظر الى اليمن ومصر لاأصدق عيني .. وكلاهما يقف على مضيق في نفس البحر .. مصر تمسك شريان السويس في البحر الاحمر واليمن يمسك الشريان الابهر للبحر الاحمر .. ولكن من أين أتى هذا اليمن بكل هذه القوة ؟؟ ومن اين أتت مصر بكل هذا الضعف؟ اليمن الذي كنا نشفق عليه ونعتبره الافقر فينا ونحن نرفل في حرير النفط العربي في السبعينات والثمانينات والى يومنا هذا .. وفي كل يوم يزداد سعر النفط نظن ان المسافة بين العرب واليمنيين صارت ضوئية .. هذا اليمن اليوم جعلنا نحس بالشفقة على أنفسنا .. وعلى كل العرب عموما .. وعلى مصر خصوصا التي صارت تشرب ماءها باذن اثيوبيا واسرائيل .. ومصر جاءت يوما لمساعدة اليمن .. وسافرت آلاف الاميال جنوبا كانت يومها تلعب دور اليمن اليوم .. ولكنها اليوم عاجزة عن المشي بضعة أمتار لتعبر معبر رفح وتقدم الماء لأهل غزة .. وهي تجلس مقعدة على كرسي متحرك اسمه كامب ديفيد يدفعه موظف اسمه السلام التوراتي .. وهاهو اليمن اليوم يهاجر في الاتجاه المعاكس شمالا ليساعد مصر وليحمل عنها مهمتها التي عجزت عنها في الانتصار لغزة .. ومن حقي هنا ان أسأل عن التيار الناصري الذي انكفأ وتبخر مثلما تبخر الجيش العراقي عندما سقطت بغداد واكتفى الناصريون بحمل المسابح والدعاء ورقص الدراويش .. ورب قائل سيقول ان خطئية قيادة حماس السابقة التي تورطت في الربيع العربي وتورطت في دعم محمد مرسي هي السبب في تعثر الاستيقاظة المصرية الشعبية والناصرية وتوجسها من حماس .. ولكن هذا الراي سقط لأن سورية هي التي كان من حقها ان تعاتب وأن تشمت وأن تقلق وأن تتشفى وأن تتريث .. ولكن السوريين سامحوا حماس عندما اعادت تصويب البندقية .. عادت الى فلسطين .. واليوم فان من يموت في غزة هو الجميع .. ولأن غزة لايجب ان تكون هما لجنوب افريقيا بل هما لمصر أولا .. فان مصر هي أكثر الدول العربية التي يجب أن تلام لأنها عجزت ان تعبر أمتارا في رفح لتغير وجه الحرب بدعم صمود الناس في غزة .. لأننا في سورية نذكر اننا كنا نموت في الحرب الارهابية علينا كل يوم بالمئات .. ولكن كانت هناك عوامل صمود .. وكان الناس لايموتون جوعى او ظمأى وكانوا يحصلون على الدواء والعلاج .. وهذا ماكانت مصر قادرة على ان تقوم به ولتهز اصبعها في وجه اسرائيل بأن الانسان لايقتل الانسان بهذه الطريقة على عتبة بيتها وسواء كان المعبر باشراف الاسرائيليين او المصريين فان لاقوة في العالم كانت ستلوم المصريين اذا ماقرروا فتح المعبر .. مصر المقعدة على كرسيها المتحرك .. فيما اليمن سافر و صار على حدود غزة ودخل ايلات بخفيه المقطعين وخنجره المعقوف مدركا ان هذا سيغضب الغرب ولكنه لايكترث ولايعبأ ويتجول في البحر الأحمر كما لو أنه ملك البحر الاحمر .. وهو اليوم اليمن الذي يساعد العرب جميعا ويسافر آلاف الاميال الى غزة بصواريخه ومسيراته لمساعدة العرب على الخروج من عارهم ومرضهم وعللهم ومن مرض النفط وايقافهم ليتركوا الكراسي المتحركة التي يجلس عليها 400 مليون عربي .. أصيبت مجتمعاتهم بالترهل والانحطاط والكسل والبلادة ..


في القصص القرآني نعلم ان ام موسى ألقت بابنها في اليم .. ثم جاءت لترضعه وهو في قصر فرعون .. مصر اليوم القت ابنتها غزة في اليم رغم انها في الحقيقة هي الام البيولوجية لغزة .. ولكن الام ذهبت لترقص مع فرعون في حفل ابراهيمي في حديقة كامب ديفيد .. فيما اليمن وجد السرير العائم في بحر غزة و يقوم بارضاع الصغيرة التائهة في اليم من ضرع الجبال اليمنية الرجولة والشجاعة والأمل بالله ..
محرقة غزة أحرقت كل شيء .. احرقت المحرقة .. وأحرقت الخطوط السياسية .. وأحرقت النظريات .. ملايين الاشعار والخطابات والعنتريات والقرارات العربية والأممية .. غزة تمحو العالم القديم .. فيما اليمن يكتب بالقلم والخنجر التعاليم الجديدة والدين الجديد .. والقلم اليمني سيعلم الانسان مالم يعلم .. من أن الانسان أقوى من كل الآلات والتقنيات والطائرات والاساطيل .. بل وأقوى من الذرة والالكترون .. والدليل هو هذا الانسان العربي القوي الذي يكبر في محور المقاومة الذي لايمل ولايتعب وسط هذه العائلة العربية المريضة المعاقة التي ترضع النفط والسلام … والنفط والسلام هما علتاها .. وهما سبب الداء .. والدواء في جبال اليمن .. وأرض غزة .. وسورية والعراق .. في أرض صارت محور المقاومة .. وهي اليوم التي تعلن العصيان وتريد محو الخطوط ومحو منتجات القرن الماضي واعادة رسم المنطقة التي صار من حقها ان ترسم أقدارها بيدها لا بيد أحفاد سايكس وبيكو ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق