اسرائيل تحارب من أجل بقاء السلطة الفلسطينية .. والسلطة تستميت لبقاء اسرائيل

قبل ان نحول هذا العنوان الى نص .. أستميحكم عذرا في هذه المقدمة التي ان فهمناها فهمنا كيف تتصرف السطلة الفلسطينية لأنها انتاج نغس العقل الذي أنتج هذا الهوان العربي .. وهذا الاضمحلال في الشخصية السياسية العربية .. والانحطاط في التفكير السياسي ..

منذ أن أنشئت اسرائيل كان علماء المستعمرات والاستيطان يعلمون ان دوله بهذا النوع من التنافر والتناقض والعجائبيين لايمكن ان تنمو في الشرق دون ان يخضع الشرق لتحولات كبيرة ليصبح مثل رحم قادر على ان يحمل هذا الجنين المريض المزروع في جسد لاينتمي اليه .. وكان لابد من أجل بقاء الجنين الغريب ان يتم اعداد المسرح الجغرافي والشعبي له .. وقد صنع الانكليز والفرنسيون كل مايستطيعون لتحقيق تحولين أساسيين .. الاول هو تفكيك الشرق وتحويله الى زعامات وممالك وجمهوريات متنافرة ولتصبح كل قطعة جغرافية مغلقة على نفسها غير قادرة على الاندماج بمحيطها الذي لن يشبهها بعد التفكيكي .. مثل محميات الحيوانات تنمو وحدها معزولة وتربي أجيالا معزولة وتخضع لأنظمة مختلفة بحيث يكون في كل بلد نظام حكم لايمكن ان يتشابه مع من حوله .. فلبنان خراج في خاصرة سورية .. وهو مجموعة كيانات متنافرة طائفية .. والاردن مملكة .. وسورية الجمهورية كان من المفروض ان تكون على خطا لبنان .. ولكن حرب هتلر على فرنسا جعل فرنسا تنسحب من سورية قبل اكتمال تقسيمها طائفيا .. ولولا ذلك لكانت سورية منذ تلك الايام ثلاث قطع .. مثل قطع العراق اليوم قطعة سنية وقطعة شيعية وقطعة كردية .. بلا توافق ولا انسجام .. ولكن خرج الشرق من الحرب العالمية الثانية وقد وضعت فرنسا وبريطانيا على كل قطعة فيه حارسا وملكا واميرا وشيخا والكل يدين بوجوده لبريطانيا وهو يدافع عن مصالحها لأنها صارت مصالحه .. كل على مزبلة سياسية يصيح من فوقها .. ولكنه لايملك في تقرير مصريرها شيئا .. فطهرت ممالك الخليج واماراتها ومملكة الاردن والمسخ اللبناني .. وهي مذنبات ملحقة باسرائيل وانكلترة ..


ولكن كان من أهم وسائل تثبيت المشروع الصهيوني الجنيني هو الخطوة الثانية القاضية بالاستيلاء على مصدر الفتوى الاسلامية .. اي تسليم الحرم المكي لأسرة مالكة تدين بوجودها للانكليز ..ولذلك تم خلق المملمة العربية السعودية في الثلاثينات وتمكين العائلة السعودية من الاستحواذ على كل ارض الحجاز عندما كانت عملية تحضير ولادة اسرائيل تنطلق لتكون جاهزة .. وكان من الضروري منع اصدار فتوى جهادية من الارض المقدسة بقرار بريطاني نفذ بشكل مقدس من قبل كل فئات الحكم العربية في الجزيرة العربية .. وبالفعل فقد امتنعت الارض المقدسة عن اطلاق اي فتوى جهادية لفلسطين منذ مئة سنة رغم اطلاق ملايين الفتاوى ةالاجتهادات .. الا في شأن فلسطين والمسجد الاقصى فقد كان ممنوعا ان يتحرك الحرم المكي في ذلك الاتجاه بتاتا ..

وبمجرد ان الملك فيصل بعد حرب 1967 حاول ان يتذاكى وان يبتز الاميريكيين والانكليز بموضوع القدس والاقصى فقد تخلى عنه الانكليز لأنهم رأوا في تحركه وتلويحه بالصلاة في القديس ابتزازا لهم بعد ان كان حليفهم .. رغم ان حرب 1967 يشار اليها على انها بموافقة ضمنية من الملك فيصل الذي لم يكن مرتاحا لمشروع ناصر وتحركه في المنطقة واحساسه بخطره وخطر قدرته على قيادة الشارع العربي حتى في السعودية نفسها .. وقد اقترب ناصر من خط التوتر العاليب من السعودية في اليمن .. ورغم ان فيصل كان من المحرضين على ناصر الا ان تصريحه الشهير الذي تمنى في الصلاة في القدس فهم على انه محاولة منه للحلول محل ناصر في زعامة المنطقة العربية ولكن من خلال لعب الورقة الدينية والتلويح بمكانة السعودية وثروتها المعنوية في الحرم المكي .. فقرر الانكليز فورا التخلص منه لأنه حاول على مايبدو الخروج من التفاهمات القديمة التي ربطت العائلة السعودية بالانكليز لخلق تفاهمات جديدة بعد ازاحة ناصر .. فهناك في العقلية البريطانية حدود لطموحات اي زعيم مشرقي .. ولذلك كانت العصا الانكلوساكسونية جاهزة للضرب على أي محاولة لتغيير الخرائط الجيوساسية في الشرق الذي بنته بريطانا بشق النفس وبرموش عيونها .. فكانت اسرائيل واسطة العقد .. وحولها ممالك عربية تحميها وتتبادل الحماية معها .. أي ان اسرائيل جزء من المنظومة الانكلوساكسونية والآلة التي تشتغل لمصلحة الانكلوساكسون .. والكل يخدم الكل .. السعودية ودول الخليج والممالك التاربعة للتاج البريطاني تخدم اسرائيل .. واسرائيل تخدم هذه الممالك بتقديم الحماية لها .. وبالتالي فان اسرائيل تخدم السعودية كما فعلت عام 1967 وهدمت لها التهديد الاكبر المتمثل بمشروع عبد الناصر .. وردت السعودية الخدمة لها بايقاف مشروع الخميني الثوري الذي كاد يجرف السعودية واسرائيل فيما لو وصلت الاهتزازات الثورية الى داخل المنطقة العربية .. وصدت موجته باطلاق الحرب العربية الفارسية .. وبعدها تشاركت الدولتان في تحطيم سورية وليبيا واليمن .. وقبلها كانت الجزائر قد تم تحييدها باظلاق العشرية السوداء التي كان للسعودية دور في ايقادها عبر خدمة الفتوى حسب الطلب .. وكانت الفتاوى تتدفق من الحرم المكي للجهاد ضد الطاغوت في الجزائر ..


ونتيجة هذا الربط صرنا نفهم تن الدول المرتبطة باسرائيل وفق المنظومة الانغلوساكسونية لاتجد ان مشروع تحرير فلسطين الا خطرا عليها .. لأن زوال اسرائيل يعني انتفاء الحاجة لوجود الطوق الانفلوساكسوني حول اسرائيل .. وهذا ماكان الماركسيون العرب يسمونه بقنون ان التناقضات الرئيسية تلغى التناقضات الثانوية .. اي ان بقاء اسرائيل سيشغل الشعوب العربية عن البحث عن تناقضات ثانوية مثل غياب العدالة الاجتماعية والشورى وتراجع الحريات ..

السلطة الفلسطينية هي من ثمرات العقل الانكلوساكسوني الذي أقنع الفلسطينيين بوهم السلام .. اي حول العقل الاستعماري الثورة الفلسطينية الى نسخة عن الممالك العربية فيها تناقضات وطبقات ومصالح .. وحول البندقية الفلسطينية الى بندقية شرطة وبلديات بدل ان تكون بندقية ثورة .. وكعادة اي ثورة عندما يدخل المال اليها وتصبح لها رواتب فانها تتحول الى وظيفة وموظفين .. وهذا أحد الاشياء التي كان الراحل أحمد جبريل يعيب فيها على ياسر عرفات طريقة ادارته للثورة لأن عرفات صار يغدق الاموال على من يشارك في العمل المسلح .. وكان جبريل يرى ان في هذا افسادا للثورة وخلقا لظاهرة الثوري الذي لايقاتل من أجل مبدأ بل من أجل مكافأة ..


وتحولت الثورة بالتدريح الى سلطة .. وهيئة بيروقراطية ثقيلة الحركة ولزجة ومتبلدة في السياسة ةالعمل الثوري .. وصارت هذه السلطة مثل اي مملكة عربية ترى ان بقاء اسرائيل هو ضرورة لبقائها .. وان الاستقلال سيعني نهاية دورها ومصالحها وميزاتها .. ولذلك كان من المفجع كيف ان السلطة الفلسطينية ورغم كل الكوارث التي حلت بالشعب الفلسطيني لم تقدر ان تغير رئيس السلطة الذي صار ملكا على ثورة .. وهناك من يتمسك به من أجل ان يبقى الحال على ماهو عليه لأن تغييره سيعني ترحيل كوادر قديمة عف عليها الزمن .. وهذه الكوادر لم تعد قادرة ان تتخلى عن ميزاتها..
هذه السلطة الجديدة التي صارت تجد ان وجودها وتمويلها سببه الاحتلال الاسرائيلي تحولت الى سلطة تقمع الشعب الفلسطيني وتقتل من يدعو للثورة .. ورفعت شعار التنسيق الامني المقدس في ظاهرة لايوجد مثلها في تاريخ الشعوب .. حيث تمنع الدولة مواطنيها من ممارسة حق التحرر والكفاح ضد مستعمريهم .. بل وصارت مثل العبيد الذين كانوا يعملون عن البيض وتجار الرقيق لاصطياد العبيد من ابناء جلدتهم .. ولذلك لم يكن مفاجئا أن السلطة الفلسطينية قتلت شخصية نقية مثل نزار بنات دون ان يرف لها جفن .. ووصل بها الامر انها شاركت في الربيع العربي بصمت رهيب عما يجري .. دون ان تبدي رأيها فيما يحدث .. وصار عباس يلتقي كل الشخصيات الاشكالية التي تثير الحساسيات جون اي مبرر .. فبينما تغزو تركيا شمال سورية يفاجئ عباس الجميع بزيارة ودية الى استنانبول والتقاط الصور التذكارية مع اردوغان دون ان يوجه له انتقادا له اة ان يطرح مبادرة لوقف التدخل التركي .. وكأن الزيارة مباركة وتأييد وغطاء واستكمال لزيارات خالد مشعل لاطباق الموافقة الفلسطينية على دور تركيا في سورية .. وفي مناسبة أخرى يقرر عباس لقاء مريم رجوي كمعارضة ايرانية رغم ان فلسطين ليس لها اي مصلحة في لقاء شخصية اشكالية لاتقدم ولاتؤخر في الصراع العربي الصهيوني .. بل يتجنب لقاءها حتى قادة الغرب أنفسهم لابقاء مسافة أمان مع ايران .. ولكن عباس قرر ان يلتقيها دون ان نعرف الجدوى السياسية من هذا اللقاء في الشأن الفلسطيني..


والغريب ان السلطة التي وعدت الفلسسطينين بالسلام والدولة المستقلة بعد اوسلو لم تعتذر عن اخفاقها في تسليم ما وعدت والتنحي حتى من باب ابتزاز اسرائيل والضغط عليها .. بل هي امعنت في ابقاء اسرائيل تتمدد وتستوطن وصارت وظيفتها هي فقط التفاوض الى مالانهاية بل ومنع الاحتجاج على ذلك بدل ان تتنحى وتعلن انها فشلت ويجب على الشعب الفلسطيني ان يحدد اتجاهه الان ..


اليوم فاجأت حماس والمقاومة محمود عباس والسلطة الفلسطينية في كل شيء .. منذ لحظة 7 اكتوبر وحتى هذه اللحظة .. عباس لم يكن يتوقع هذا الانجاز للمقاومين .. وكان يتصرف وكأن فلسطين كلها صارت اسرائيلية .. وبتوقيعه .. وكان 7 اكتوبر ليس خرقا للستار الحديدي والالكتروني حول غزة بل كان اختراقا للسلطة الفلسطينية ولمحمود عباس .. السلكة ربما في شخصياتها المحيطة بعباس رأت في هزيمة اسرائيل انكسارا لها .. كما ترى السعودية والاردن ودول الخليج انكسار اسرائيل تهديدا وجوديا لها .. فهناك في السطة بنت اسرائيل طبقتها الخاصة بها والمستفيدة من السلطة والتي صار وجود اسرائيل حيويا لها .. واستقلال قلسطين نهاية لنفوذها ..


اسرائيل لعبت بالشعب الفلسطيني كما فعلت في كل شعوب المنطقة .. ففي كل مكان تدخله الالة التفاوضية الانكلوساكسونية يجب ان يكون هناك مستفيدون يبرمون اتفاقا او تفاهم تخادم .. ويصبح التخلي عن العدو تخليا عن أسباب البقاء فيتمسك المتعاون بالعدو ويصبح حليفه ونصيره ويدعو له بالنصر ويتمنى هزيمة شعبه .. وهذا هو مايفسر سلوك السلكة الفلسطينية التي تشنع على حماس والمقاومة ماجنته ايديها على الشعب الفلسطيني وهي تحاول منع ظاهرة المقاومة في الضفة بطلب اسرائيلي ولكنها برغبة واضحة من السطية التي صارت تخشى انهيار الاحتلال ..


هذه الظاهرة وجدت في لبنان فالغرب أوجد طبقة سياسية وتجارية لها مصالحها في بقاء لبنان غير مستقل بل يعيش على الرضاعة من السياسة الغربية .. والعائلات السياسية اللبنانية جميعها مرتبطة ببقاء لبنان ضعيفا وتابعا للغرب .. وترى ان استقلال لبنان اخراجا لها من المعادلة السياسية فنراها تبالغ جدا في استخدام مصطلحات الوصاية والسيادة والاتئلال رغم انها لاتملك اي سيادو ولا استئلال ولا حرية .. وان كام للبنان كيان كدولة فهو عندما خارج الوصاية الغربية وتحت ماسمي الوصاية السورية ..

وفي مصر تمكن نظام كامب ديفيد من خلق طبقة مستفيدة جدا من حالة الانكفاء المصري عن كل شيء لأن مصالحها صارت في ان تبقى اميريكا قوية ومتنفذة في مصر .. تماما كما هو حال الطبقة التي أنتجتها فترة الحكم الملكي التي كانت تجد في بريطانيا حاميا لمصالحها فكانت تحارب فكرة الاستقلال عن بريطانيا وتحارب من يخمل هذه الفكرة .. ومصلحة الطبقة الكامبديفيدية المصرية هي ان تبقى اسرائيل بجانبها ولو كانت اسرائيل تريد تدمير مصر وحجب مياه النيل عنها .. ولكن المهم ان هذه الطبقة صارت امتدادا وذراعا لاسرائيل توجه سهامها ضد كل من يزعج السلام المصري الاسرائيلي لأنه سيهدد وجودها كطبقة طفيلية مستفيدة ..


هذه هي علاقات اسرائيل التي تبقيها .. فهي تتخادم مؤقتا مع جزء من الشعب العربي الذي يتحول الى مستفيد من بقاء اسرائيل لمصلحة ذاتية .. ويصبح هؤلاء يتبرعون بامداد الجسور البرية والبحرية والغذائية لاسرائيل .. ويمنعون اي تعاطف مع فلسطين ويخلقون الاعذار لتنفير شعوبهم من فكرة انتصار الفلسطينيين لأن ذلك سيكون انتصارا لحماس او لأنصار ايران او للاخوان .. أو تهديدا للسلام وجرا لهذه الشعوب الى الحرب ..
السلطة الفلسطينية الان تشبه في وضعها كل المنطقة العربية التي اهتزت في 7 اوكتوبر .. لأن اختراق غزة لاسرائيل كان اختراقا لهذه الدول .. ووجدت هذه الدول ان شبان غزة لم يتجاوزوا فقط السياج حولهم بل دخلوا العواصم العربية .. لأن هزيمة اسرائيل ستعني ان كل الدول المرتبطة باسرائيل ستسقط .. والسلطة الفلسطينية ترى في انتصار غزة انقلابا عليها ونهاية لعهدها البائس .. لذلك تجد ان العالم كله يمور ويغلي ويبكي الا سلطة رام الله صامتة بشكل غريب .. ولايصدر عنها اي شكر لشعوب العالم ولايصدر عنها اي بكائية لما تفعله اسرائيل في غوة بل تدين غزة وماجلبته على نفسها كما تقول ..


السلطة تريد من اسرائيل محق حماس وسحق غزة .. والسلطة لاتريد هزيمة اسرائيل .. وهي لاتريد فلسطين على الاطلاق .. لأنها وظيفيا ستنتهي بتحرر فلسطين او هزيمة اسرائيل .. السلطة تقاتل بقلبها مع الاسرائيليين .. وتدعو بالنصر لهم .. انها مسألة حياة أو موت .. وقد آن للشعب الفلسطيني ان يحيا .. وأن تموت سلطته البائسة وتمحى من التاريخ بالممحاة .. والافضل اخفاء هذا التاريخ عن الاحفاد لأنه مهين ومشين ومجلبة للعار والخجل .. واسقاط السلطة سيضعف اسرائيل .. واسقاط اسرائيل سيزيل السلطة عن الوجود .. انها الاواني المستطرقة .. المرتبطة ببعضها من الخليج المحتل الى فلسطين المحتلة مرورا بالاردن ومصر ولبنان والمغرب ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to اسرائيل تحارب من أجل بقاء السلطة الفلسطينية .. والسلطة تستميت لبقاء اسرائيل

  1. التنبيهات: نشرة “كنعان”، 27 مارس 2024

أضف تعليق