آراء الكتاب: ليس الوطن حيث تزيد أرباحك المادية….. بل الوطن الحقيقي حيث تخسر كل ماتملك لقاء الحفاظ على  حفنة صغيرة من التراب – بقلم: أسامة حداد

عندما كنا نستشهد تباعا وأفواجا ونسقي تراب وطننا دماءا نقية طاهرة ونزرع كل شبر فيها ببعض من لحمنا وأشلاءنا تبلور في ذهن كل منا المعنى الحقيقي للوطن…. عندها علمنا يقينا كم تساوي كل حفنة تراب طاهرة فيه….. فهذه الحفنه رواها عبد السلام بدمه….. وتلك الحفنه هناك سقاها فواز بدمه… وعلى تلك التلة هناك تناثرت أجزاء طاهرة من جسد أحمد ورامز وحيان….. وهكذا اختصر معنى الوطن في وجداننا بحفنة من هذا التراب المعبق بهاتيك الدماء الطاهرة…… هذا التراب الطاهر بطهر دماء شهدائنا لا نلعنه مهما ضاقت  بنا السبل… لا نخونه مهما خانتنا العزيمة ولا نهجره مهما بدا أمامنا قاحلا يابسا…….. هكذا علمنا يقينا لماذا الوطن غال…. لماذا هو عزيز…. لماذا علينا أن نحبه بأقصى مانستطيع من الحب و نضحي لأجله بأقصى ما نستطيع من التضحيات….  وكان علمنا العلم السوري هو الشاهد الجامع على جميع تلك الملاحم والتضحيات…. علمنا الوطني الذي وحدنا كطوائف وعشائر وأثنيات وطبقات وطبائع ونفوس حتى غدونا بظله جسد واحد فيه عزتنا ومجدنا و قوتنا وبعيد عنه لا شيئ يجمعنا سوى الذل والهوان……. هذا العلم الذي كان ينتظره  جميع السوريين بفارغ الصبر والشوق ليروه وقد علا فوق كل راية وسحق بألوانه كل ألوان  الرايات الدخيلة الحاقدة….. هذا العلم الذي كان وجوده في أي بقعة على هذه الأرض كفيل ليبعث الأمن والطمأنينة في قلوب جميع السوريين بمختلف أطيافهم ومشاربهم……….  وبين أن ترى في علم بلادك وترابها مجرد قطعة قماش وحفنة من التراب بالإمكان الإستعاضة عنهما بأي قماش وأي تراب وبين أن ترى فيهم قيم روحية وأخلاقية  وإرادة ودماء وتاريخ شعب لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط بها أو استبدالها بأي راية أخرى وأي أرض أخرى….. بين هذا وذاك تكمن ذاتك الوطنية الحقة….. بين تقديس علم وقدسية حفنة صغيرة  من التراب…………..

وفي يوم الشهيد وعظمة الشهيد وعظمة الفعل الروحي الإنساني الذي قدمه أنبل بني البشر نعود ونذكر بل ونرد على تلك الأصوات الحالمة بالمدينة الفاضلة في زمن مصاصي الدماء فتراهم حتى يحاولون التشكيك بقيمة الشهادة بعدما أوغلوا تشكيكا بقيمة الأوطان ومفهوم الوطن حيث تراهم لا يجدون وطنا يمثل  أفكارهم سوى أوطان الشركات العالمية (ليست أوطان بطبيعة الأحوال) التي تدفع ثمن تدجين الإنسان وسلبه قيمه وإنسانيته وجذوره وانتمائه مالا وذهبا وعيش رغيد …… 

لك أن تتكلم عن كرهك للحرب….. وكرهك للدمار والخراب وربما تأخذ موقف الحياد وتملأ الدنيا حديثا عن جمال ماكتب الماغوط حين قال كيف أدافع عن وطن لا أملك منزلا فيه؟؟؟!!!! ( كأن الماغوط حين ذكر ذلك فقد شمل بحديثه جميع من لا يملك منزلا في زمن كان من السهل على أي كان أن يملك منزل(ش قبل الحرب وبعد الحرب اختلفت المعطيات فإختلفت النتائج) إلا من كان كسولا اتكاليا أو مبذر مقامر ومن على شاكلتهم) ولك أيضا أن تقفز فوق الأديان وجدليتها ومعاركها الإيدولوجية التي جند تحت رأياياتها مئات الآلاف من المرتزقة ومازال خزان التعصب والجهل ممتلئ حتى التخمة في إنتظار من يعاود فتحة كل حين……… لك أن تعجب بحياد من إختار مصلحته أولا فلمع نجمه وازدهرت أعماله حيث يدفع الباطل ثمنا لمن يقف على الحياد في المعارك المصيريه لأنه يعلم جيدا أن الحياد في تلك المعارك هو خذلان للحق والحقيقة وهذا هو سر نجاح مئات الفنانيين ورجال الأعمال في الخارج ممن إدعوا إنسانية الموقف في حيادهم ….. ولك أن تكتب كل يوم عن السلام وتستشهد بدول تعيش رفاهية الخنوع والإستسلام ( رفاهية كما يراها الخروف الذي يستمتع بالكلأ والمرعى قبل الذبح )…. لكن في أثناء حديثك ذاك لا تنسى أن تشحذ سكينك جيدا…… اشحذها جيدا وإلا داستك جحافل البرابرة بينما أنت مازلت تداعب حمائم السلام………… 

بقلم : أسامة حداد – سوريا

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق