سيسخر كثيرون من هذا المقال ولكنني كتبته لأنني أريد متعمدا أن اثير سخرية الجميع .. فربما ايقظت ضحكات الساخرين النيام في كهوفهم .. فالاخوانيون والسلفيون سيظنون ان من الجنون أن أدعوهم الى معاقرة المنطق والفلسفة وهما عدوان لدودان للعقل السلفي الذي ينزلهما منزلة شريرة .. ولأن معاقرة المنطق لاتختلف كثيرا عن معاقرة الخمرة والنبيذ .. وسيضحكون اكثر ضحكة استهجان وأنا أنصحهم أن يتأملوا في التجربة الخمينية ويتعلموا منها .. وسيرمونني بالسباب والشتائم وأنا أضرب لهم مثلا في خصمهم التاريخي في المعسكر الاخر من الدين .. وفي المقلب الاخر سيضحك كثيرون من اللااخوانيين من سذاجتي وأنا أحاول أن أغير عقل الاخوان .. وعقول السلفيين.. لأنها عقول حجرية غير قابلة للاصلاح .. وهي مصممة على ألا تتغير .. وألا تتبدل ..
فالامام الخميني والشيخ حسن البنا ولدا في عامين متقاربين .. فالامام الخميني ولد عام 1902 بينما ولد الشيخ حسن البنا في عام 1906 .. وفي حين أن البنا قتل عام 1949 وتابع حسن الهضيبي الرحلة الاخوانية حتى عام 1973 .. اي قبل سنوات قليلة من نجاح الخميني في اطلاق الثورة الاسلامية في ايران .. وكان هناك سؤال عن سبب نجاح الجناح الشيعي للاسلام في اطلاق ثورته بينما تنقل الجناج السني من فشل الى فشل رغم ان الجناحين خاضا نفس الصراع مع السلطة الحاكمة ومرا بنفس تجارب الابعاد والنفي وملاحقة القيادات .. وهذا سؤال منطقي يجب ان يطرحه الاخوان المسلمون على أنفسهم قبل أن يطرحه اي شخص أخر ..
يسألني الكثيرون عن سبب عدم اعجابي بتفكير الاخوان المسلمين والتيارات الاسلامية المختلفة بطريقة منهجية .. وهم لايفهمون كيف لايقدر الاخوان المسلمون على انتاج قرار صحيح والوقوع في سلسلة من الأخطاء الفقهية القاتلة التي تنعكس ايضا فشلا في الحياة السياسية ..
ولكل هؤلاء أقول انني لاأتوقع من الاخوان المسلمين ان لايقعوا في أخطاء قاتلة في التفكير وان يخسروا الكثير من المهارة السياسية .. وطريقة تفكيرهم مصممة على تكرار الخطأ وتكرار الوقوع فيه .. وقدرة ضعيفة جدا على تطوير أدائهم السياسي .. بسبب غياب التفكير المنطقي وضعف الفكر الفلسفي الاستنتاجي لصالح التفكير الجامد المصبوب في قوالب لايمكن تغييرها .. وهم طبعا من المنادين بكفر الفلسفة والمنطق ويجاهرون بالعداء للفلسفة لأن الدين لايقدر ان يتخاطب الا مع جزء من العقل بل مع العاطفة كلها .. وهي علة التفكير الديني اينما كان .. في كل الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية ..



العيب ليس في القمع والديكتاتوريات التي يقول الاخوان المسلمون انهم يواجهونها والتي تمارس العنف الشديد معهم فيردون العنف بالعنف .. وهذا بحد ذاته عيب في التفكير .. فالحركة فشلت في ان تقنع المجتمعات العربية طوال عقود بأنها بديل افضل عن الانظمة الحاكمة لسبب يجب ان يحدده الاخوان أنفسهم ويشخصوه كعلة ومرض .. أهو مرض في المريض ام ضعف في أداء الطبيب؟؟ .. فهم لم يقصروا بالمال والدعاية والترويج والتجنيد واستفادوا جدا من الضغط الامني للترويج انهم مستهدفون لأنهم الافضل .. فالمحظور محظور ومحبوب لأن في فمه الحقيقة .. ولكن المجتمعات العربية لم تقدر ان تهضم مناقشاتهم .. ولم تجد فيها مايجذبها .. لأن الاخوان كانوا دوما في واد والشعوب في واد آخر .. فمثلا فيما كان عبد الناصر يشد الناس بعواطفهم نحو مشروع التحرير والمواجهة مع العدو الازلي للشرق وهو الغرب الاوروبي النقيض للاسلام نفسه وللمسيحية المشرقية .. فان الاخوان المسلمين اتخذوا قرارا بعدم الانخراط في مشروع عبد الناصر مالم يسلمهم السلطة او يضع السلطة في خدمتهم .. ولم يكتفوا بذلك بل خاضوا معه صراعا عنيفا مسلحا .. وكانوا قبل ذلك قد خاضوا صراعا مسلحا مع الحكم الملكي .. فهم ضد الملكية وضد الجمهورية في نفس الوقت .. وضد الخيانة الملكية وضد الوطنية والقومية في نفس الوقت .. وهذا مايجعل عملية فهمهم صعبة جدا .. ويجعلهم طلاب سلطة فقط .. وهذه حقيقة فالحركة تريد السلطة الزمنية رغم انها تبحث عن قيامة روحية ونهضة ايمانية .. وعندما يكون هناك طالب سلطة فان الجموع والجماهير تقوم بامتحانه من خلال مايفعل ومايقول .. فمن غير المعقول ان تكون الجماهير منجرفة بعواطفها مع مشروع مواجهة مع النقيض الغربي الذي يمثل كل النقيض الديني والحضاري والاخلاقي .. فيختار الاخوان المسلمون المواجهة معه بحجة أنه لايطبق الشريعة .. وتصبح الشريعة اهم انتصار للدولة المسلمة التي تعيش فيها الجماهير .. وتصبح نظرتهم للسلطة مثل نظرتهم الى عم النبي أبي طالب .. فهو في نظرهم ونظر السلفيين واعتقادهم نفس مكان ابي لهب وابي جهل في جهنم لأنه لم يعتنق الاسلام ومات ولم ينطق بالشهادتين .. ولايغفر له انه رعى نبيهم يتيما .. وحماه شابا .. ودافع عنه بكل قوته في دعوته .. وأنه كان يشكل الفيتو ضد أهل قريش ضد تنكيلهم بدعوة النبي .. وعندما مات ابو طالب .. حزن النبي جدا .. وسمى العام الذي توفي فيه ابو طالب والسيدة خديجة بعام الحزن ..
ولكن كل هذا لايعني شيئا للمسلمين والفقهاء طالما ان أبا طالب لم ينطق الشهادتين .. وكل مافعله من رعاية وحماية وكفالة لنبي الاسلام له ثوابه ولكنه لايعني شيئا على الاطلاق .. بينما يصبح أبو سفيان الذي قاتل النبي منذ اللحظة الاولى الى اللحظة الاخيرة ولمدة 23 سنة مسلما لأنه نطق الشهادتين بل وحسن اسلامه وكأنهم شقوا على قلبه .. ويصبح كل الاسلام ليس بالفعل بل بالطقس والقول .. فأنت مسلم اذا نطقت الشهادتين وأذيت الاسلام .. وأنت غير مسلم اذا فعلت كل ماينصر الاسلام ويعززه ولكنك لم تطبق المنصوص عليه في اجتهادات المجتهدين والفقهاء الذين تولوا ترجمة الاسلام بعد النبي .. ولذلك فان عبد الناصر رغم انه أعلن مايعادل الجهاد ضد الغرب الذي يمثل النقيض الرئيسي للاسلام نفسه .. وضد التجار وأثرياء المجتمع الجشعين الذين كانوا مثل تجار مكة .. من أجل انهاض الشرق العربي الفقير والمظلوم الذي في غالبيته مسلم .. ولكن موقفه يشبه موقف ابي طالب الذي تحدى قريشا ولكنه لم ينطق بالشهادتين .. فحكم عليه بالكفر والنار ..
هذا الامر هو عينه الذي ابتليت به الدولة السورية في منطق الاخوان المسلمين .. فرغم انها لم توقع اي اتفاق سلام مع الاسرائيليين .. فهذا لايهم .. ورغم انها وزعت السلاح على كل من يجاهد ضد اسرائيل في فلسطين وغير فلسطين .. سواء كان مع الحركة الاسلامية او من الحركات اليسارية او الوطنية .. فهذا لايهم .. ورغم ان كل العرب والمسلمين سالموا الاسرائيليين ورفعوا أعلام اسرائيل في بلدانهم فيما رفض الحكم السوري ذلك فهذا لايهم .. ورغم ان الحكم السوري نشر المساجد وطبق كل توصيات النشاط الديني ونشر معاهد الدين ولم يمس الايمان بشيء فان هذا لايعني شيئا .. ورغم ان الحكم السوري مد حماس الاسلامية بالسلاح فيما رفض كل المسلمين والعرب ذلك فانه لايهم .. ورغم انه حتى هذه اللحظة يتولى تسهيل نقل السلاح الى كل اعداء اسرائيل والحركات المقاتلة الجهادية فان ذلك لايهم .. ورغم انه هو الوحيد من بين كل دول العالم تستهدفه اسرائيل بالقصف الجوي كما تقصف غزة فهذا لايهم .. فيما يبدو أن تركيا العضو الرئيسي في الناتو .. والتي تتحالف اقتصاديا وتجاريا مع اسرائيل وتتدخل عسكريا في كل الارض الا في فلسطين فهذا لايهم .. ورغم ان مواخير الدعارة والشذوذ تنخر تركيا فلايهم .. المهم ان رئيسها يؤذن ويتلو القرآن وزوجته ترتدي الحجاب الشرعي فقد انتصر واكتمل الاسلام ..
مشكلة الاخوان المسلمين مثل كل التنظيمات الدينية التي لها غاية سياسية فان في بنيتها غباء مصمتا سميكا بسبب ان هناك تفكيرا عاطفيا وليست فيه عقلانية .. أما المتدينون المعتدلون (وليسوا دول الاعتدال) .. ففيهم نوع من العقلانية التي تتلاقح مع عاطفة الدين ..
لذلك أنا مضطر اليوم لاجراء مقارنة نقدية بين العقل الديني الاخواني السلفي والعقل الديني الشيعي الحديث الذي أطلق في زمن الثورة الايرانية بعد غيبوبة استمرت قرابة ألف سنة خرج من قمقم العقل الصنمي والعقل المتحجر الى مرحلة تطور أفضل .. ورغم أن العقل الديني الشيعي الجديد الذي اطلقته الثورة الخمينية خاض مواجهة مع المرجعية الشيعية التقليدية التي رفضت اجتهاده فانه بعث طاقة خلاقة في الفكر الشيعي الذي كان منغلقا مثل العقل السني لألف عام كاملة في قمقم الخوف من التجديد ..
في العقل الشيعي هناك عاطفة لكنه تمكن من أن يصل الى نوع من المصالحة بينها وبين العقل .. في العقل الشيعي الجديد هناك عاطفة تجاه الحسن والحسين وآل البيت ولكن في العلاقة مع الغرب يتفعل المنطق العقلي و ينظر للصراع على انه ليس صراع الشيعة بل صراع الاسلام كله .. ولذلك فان انتصار أي اسلام على الغرب هو انتصار للاسلام الشيعي كجزء من المكون الثقافي الاسلامي الشامل .. ولهذا تجد ان ايران تدعم الاخوان المسلمين وكانت خلف راشد الغنوشي في سنوات سجنه وتطالب بالافراج عنه بقوة .. وكرمت خالد الاسلامبولي لأنه وجه ضربة لرجل الغرب ..
لكن المراجعة الاخيرة للعقل الديني الذي مثلته الحركات الاسلامية السنية المختلفة لم تستطع ان تجاري هذا النوع من التفكير المنطقي ففي مراجعة أدبيات الاخوان المسلمين والذي هو الشجرة الأم لمعظم التيارات الاسلامية كانت عنده مشكلة التعامل العاطفي مع اي مسألة او قضية .. فالهدف العاطفي المتمثل باقامة خلافة اسلامية سنية أغلقت ابواب التفكير العقلاني مهما كان الثمن .. ولايهم الثمن الأخلاقي والمعنوي لاقامة هذه الخلافة فلا يهم .. ان يكون ثمنها التحالف مع الناتو الذي يهين النبي .. وليس مهما التفاهم مع الاسرائيليين وغض النظر عن احتلال الأقصى .. وسرقة فلسطين .. وليس هناك اي حدود في قبول اي علاقة حتى وان كتب محمد مرسي لشيمون بيريز صديقي العظيم .. طالما انه يفضي الى تمكين الخلافة .. وليس مهما ان ندمر المجتمع طالما انه سيتحول الى مجتمع من المؤمنين ..
الملاحظ أن المرجعية الشيعية التقليدية العراقية لم تقدر ان تجاري التغيرات التي جددت الفكر الشيعي والفقه الشيعي في ايران .. ولذلك فانها وقعت ووقع جمهورها العراقي في فخ السقوط في مساكنة الناتو والغزو الامريكي وتلعثمت جدا في اطلاق نداء الجهاد .. ولذلك وقعت مجموعاتها في الفخ الطائفي بسرعة وانخرطت بسهولة في الفخ الامريكي الذي قادها للصراع مع العقل السني التقليدي وتعاملت مع اعدام الرئيس صدام حسين بطريقة عاطفية غريزية ولم تنظر اليه على انه كان اعتداء على السيادة العراقية السنية والشيعية .. ولذلك كانت اميريكا قد حضرت داعش لهذه اللحظة التي تصدم بها العقلين التقليديين الجامدبن المتناطحين .. ونجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير ..
وكما لم تقدر التقليدية الشيعية في المرجعية النجفية ان تجاري التطور الذي طرأ على العقل الشيعي في ايران .. فلم تقدر الطبقة الاخوانية في المجتمعات العربية السنية ان تتطور وتصرفت بغريزية مع القضايا الوطنية مثل المرجعية التقليدية العراقية .. لأنها تفكر بنفس الطريقة .. وكانت المفارقة التي جعلت الفكر الاخواني والسلفي عموما قاصرا ومعاقا وغير قادر على ان يحصن نفسه .. ففي نظريته للصراع الايراني الغربي لايرى في انتصار ايران على الغرب على أنه انتصار للاسلام .. بل يراه على العكس هزيمة للمذهب السني وترويجا للمذهب الشيعي .. ولذلك انفصل الاسلاميون عن أنفسهم وانشطروا في شيزوفرينيا نفسية … فهم لايريدون لايران ان تنتصر في المواجهة مع الغرب .. وهم لايرون مشكلة ان ينتصر الغرب على ايران الشيعية لأن ذلك ليس هزيمة للاسلام طالما انها هزيمة للشيعة .. وبالتالي يتهيأ العقل لفهم انتصار الغرب على انه انتصار للمذهب السني .. رغم ان المنطق يقول ان الغرب ينظر بعين الانتقام والاحتقار لكلا المذهبين .. ويرى فيهما فقط الوجه الحقيقي … فهما اختلفا فهما اسلام في نظره .. وهزيمة اي منهما هي انتصار للغرب .. ولذلك تجد الغرب يبالغ في انتقامه من حزب الله الشيعي … وبنفس القسوة ينتقم من حماس السنية .. حماس التي حاول العقل الصنمي السني ان يدخلها في طريقة تفكيره وزجها في الحرب السورية من مبدأ العقل الصنمي السلفي الذي ليست غايته بناء وطن بقدر ماهو اقامة خلافة ولو في الصين .. ولكن الجناح العقلاني وبحكم الصراع المباشر مع الغرب عبر اسرائيل لم يقدر ان يكمل الطريق فقرر الانتصار للعقل والمنطق .. الذي في النهاية انتصار لفلسطين .. وانتصار للاسلام ولحماس نفسها ..
وهذا المنطق نجده هو الذي يحكم العقل الاخواني في علاقته مع اي مرجعية سياسية او شخصية سياسية .. فعبد الناصر كافر وليس مسلما طالما انه لايطبق الشريعة وفق طريقة محددة .. ويستحق القتل .. والرئيس حافط الاسد لايستحق ان ينظر اليه على انه وطني فمهما فعل من وقوف ضد الغرب واميريكا ورفضه السلام مع اسرائيل رغم انه وصل الى لحظة ضعف عسكري في غياب مصر وانهيار الاتحاد السوفييتي .. ولحظة وقع العرب والفلسطينيين في اوسلو في سلة اسرائيل .. لكنه لايعطى اي اعتراف بوطنيته .. طالما انه لايتطابق مع النظرة الطائفية للتنظيمات السلفية ..
وقد أرسل لي أحد الأصدقاء القراء المتابعين فيديو لأحد الاعلاميين المعروف باخوانيته وهو يشتم الدولة السورية والرئيس السوري لأنه لايدعم غزة وهو يضعه في نفس ميزان الخونة والعملاء مثل السيسي وعبدالله الثاني ويقول تخيلوا لو أن في سورية رجلا غير الاسد في حرب غزة .. هل ستجرؤ اسرائيل على ضرب غزة ؟؟ .. ويسهو صاحبنا عن اردوغان الذي لم يحرك حتى جفنه العثماني من أجل غزة .. وجل من لايسهو !!..
تخيلوا ان غزة اليوم تقاتل ومن خلفها محور مقاوم .. والكل يعرف ان أهم حلقة في المحور الذي يدعم غزة ليست ايران بل هي سورية .. لأن ايران لولا سورية لما كانت قادرة على ان تكون قريبة من فلسطين المحتلة .. ولذلك فان غزة تقاتل بهذه الشراسة بسبب ان محور المقاومة يتلقى كل التسهيلات من سورية .. وسورية هي وحدها التي تتعرض للقصف والضرب عقابا لها على هذا الدور .. وهي وحدها التي تهاجمها التنظيمات السلفية بين ادلب وداعش في قلب معركة غزة التي يجب ان توجه فيها التنظيمات السلفية بنادقها نحو صدور الاسرائيليين .. ومع ذلك فان الحكم الاخواني والسلفي على الدولة السورية هو عينه رأيها في موقف ملك الاردن وسيسي مصر ..
وكما أسلفت .. فالفيديو الذي وصلني هو لأحد أكثر الناطقين الاخوانيين وهو يشتم الجميع (الا أردوغان طبعا) بصوت خطابي يشبه الصراخ المؤذي للأسماع .. والفضيحة انه وضع سورية والرئيس بشار الاسد في نفس موقع الملك عبد الله الثاني والرئيس السيسي والامارات في خذلان غزة .. وكال شتائم مقززة سوقية لاتليق الا بالرعاع وجمهور السوق .. ولكنه طوال هذه الفترة لم يذكر سيده اردوغان بأي عتاب .. وهو يعلم ان تركيا لم تفعل اي شيء .. ولم تهدد بأي شيء .. ولم تهدد بأي شيء .. ولم ترسل رصاصة .. ولم تفكر اسرائيل بقصف جيشها لأنه جيش لايهدد اسرائيل بل يهدد العرب فقط .. بل على العكس فان تركيا تضغط على شمال سورية اكثر في فترة حرب غزة لمنع اي اطمئنان سوري كي لاتحرك اي عملية في الجنوب على حدود الجولان كنوع من الضغط النفسي على اسرائيل ..
وهنا تجد ان هذا العقل الاخواني الذي يمثله هذا الخطاب ميئوس منه نهائيا .. فهو لايفكر بل عقل غرائزي .. يعني العقل الواعي يفكر ان غزة تقاتل اليوم بسبب صمود سورية .. لأن صمود سورية جعل محور المقاومة الذي يساند غزة قادرا على ان يشكل تهديدا .. ولو غابت سورية كما غابت ليبيا مثلا لما كان حزب الله يملك سلاحا .. ولن تتمكن ايران من دعم غزة دون وجود محطة سورية التي ساعدت على تقوية حماس في أيامها الاولى واستقبلت كوادرها ودربتهم .. وسلحتهم .. ولاتزال .. ولولاها لما كانت حماس تفكر ان الوقت يساعدها في اطلاق 7 اوكتوبر الذي انطلق بعد فترة وجيزة من المصالحة السورية الحمساوية .. وحيث اليوم تخشى اسرائيل ان تكون سورية منصة هجوم عليها من قبل ايران او حزب الله مثلا ..
هذا العقل الاخواني الغرائزي الناقص سيبقى منتجا للفوضى والخراب .. والخراب لنفسه قبل اي شيء .. ورغم انه يرى بأم عينيه انه فشل طوال عقود في ان يوصل الجمهور الى السلام والاقتناع به فانه لم يغير أدواته العنفية والأدوات الاخلاقية التي تعتمد على الكذب والتنفير والتكفير .. بل انه بعد 9 عقود على انطلاقته برر اصدار فتاوى تسهيل التعاون مع العدو التاريخي للاسلام ولدين محمد .. ولايزال السلاح طريقته المفضلة رغم انه عليه ان يدرك ان السلاح داخل المجتمع أمر معقد ولايجب ان يكون وسيلة للوصول الى السلطة .. وهو يرفض ان يعترف ان أهم سلاح يهمله هو سلاح العقل واللجوء للمنطق لاثراء الدين بالعقل .. ولاثراء طريقة تفكيره بأدوات الصراع الرئيسية وهي الفلسفة التي هي في قلب الفكر الديني الذي كان ينتشر بأجنحة فلسفية عن الوجود والخلق والاله والعدم .. لأن الدين هو فلسفة للبحث عن الوجود وتفسيره بطريقة خاصة ..
الفكر السلفي والاخواني تحديدا سيبقى في معضلة كبيرة وحالة استعصاء تمنعه من أن يحقق أي تقدم طالما لايفكر الا بطريقة غرائزية .. وقد جرب الجانب الاخواني في حماس هذه الطريقة فوصل ال الربيع العربي الذي أوصل فلسطين تحديدا الى كارثة .. حيث أفاق الحمساويون الاخوان ليجدوا أنفسهم مع حصيلة الربيع العربي بدول اسلامية مثل تركيا ومصر وتونس وليبيا ونصف اليمن .. ولكن قضية فلسطين تراجعت كثيرا وبدأ التطبيع الاخواني عبر تركيا ومصر وضعفت قضية فلسطين كثيرا لأن قضية الارض والوطن لم تكن هي التي قاتل من أجلها التنظيم العالمي للاخوان .. بل الحاكمية والسلطة .. ولذلك فقد قامت حماس بعملية مراجعة كبيرة وتخلصت من فلسفتها الاخوانية التقليدية وأعادت انتاج الطريقة الايرانية في مقاربة الاسلام
لن ينتهي التعثر في الاتجاه السلفي والاخواني الا بقيام حركة نهضة قوية لا لتحديث الاسلام بل لتطعيم الفكر السلفي بأهم قدرة على الحياة والبقاء وهي القدرة على التفكير المنطقي لأن المنطق سيوصل الى قراءة الواقع السياسي والاجتماعي ويوصل لاجتراح الافضل .. والغريب ان أهم شخصية اسلامية تتهم باغلاق قنوات العقل وهي (أبو حامد الغزالي) الذي كتب كتاب تهافت الفلاسفة كان يعيب على الفلاسفة انهم لم ينهجوا نهجا يوصله هو الى اليقين .. وأبقوه بين الشك واليقين .. وكان يطلب منهم أن يوجدوا أدوات تفكير فعالة للوصول الى اليقين حول الوجود والا فانه سيبقي النص القرآني مرجعيته التي لاتقبل الا وسيلة منطقية متكاملة توصله الى نتيجة كاملة .. وهذا هو سبب افتراقه عن الفلسفة التي كانت في أيامه وانتقد ابن سينا والفارابي وذلك الخط الفلسفي ..
=================================================
ملحق
هذا نموذج عن العقل الاخواني الجامد والرديء والذي يعتمد الصراخ في التهييج .. ولكنه لايقدر ان يواجه أسئلة خطيرة ولايقدر لن يكون نزيها وصريحا مع من يستمع اليه من مثل:
لماذا لايوقع النظام السوري معاهدة سلام مع الاسرائيليين طالما ان الجميع وقع عليها بمن فيهم الفلسطينيون والعرب وحتى تركيا الاسلامية تربطها علاقات ممتازة باسرائيل؟؟ بالطبع سيجيب بطريقة استغباء الجمهور ان النظام السوري وقع على سلام سري بدليل انه لايقاتل في الجولان ..
السؤال الثاني: طالما انه لايقاتل في الجولان فلماذا استقبل حماس ورعاها وسلح حزب الله الذي يقاتل اسرائيل؟؟ وجواب هذا الضحل سيكون انها تمثيلية اضطر اليها النظام .. ولكن هل هو مضطر للتمثيل؟؟
ولماذا تخص الطائرات الاسرائيلية سورية بالقصف مع غزة وجنوب لبنان اذا كان هذا النظام لايشكل ازعاجا وخطرا على اسرائيل؟؟
ألا يتحمل الاخوان المسلمون والسلفيون المسؤولية في اضعاف سورية عسكريا وتشتيت جهود جيشها بين عدة جبهات .. وفي تدمير دفاعاتها الجوية ؟ واليوم تلام أنها لاتشارك في الضغط على اسرائيل ..
قبل ان أعرف أجوبة الاخوان والسلفيين فانني أعرف ان عندهم اجابات جاهزة من نوع الاجابات الخالية من المنطق والبعد الاخلاقي والمعرفي … والبعيدة حتى عن الناموس الطبيعي للتفكير السليم ..ومايجمعها هو قلة التماسك وقلة الترابط وسرديتها التي لاتخضع للمساءلة والمراجعة .. والتحليل العقلاني ..
أجوبة غرائزية .. وفقط .. وهذا هو سبب اخفاقاتهم الى الان ..

