غزة ستصبح مثل عقدة أوديب في نفس العربي .. الذنب الذي لن يموت

لن يعيش العربي .. ولم يعش عقدة ذنب كالتي سيعيشها .. وستأكل الندامة كبده ..


العربي الذي خسر فلسطين يعرف انه فقدها يوما ولم يكن في يده اي شيء .. ففلسطين فقدت في زمن بلا راديو ولا هواتف نقالة ولا تلفزيونات وحتى بلا صحف .. وهو يغفر لنفسه انه فقدها بسبب ثلة من المتآمرين العرب في العائلات الهاشمية وبسبب الملوك في مصر وغيرها .. وبسبب ان ملك السعودية الذي يفترض ان يكون ملك الجخاد والمقدسات أغفى وسها عمدا ولم نسمع له حسا في تلك النكبة العظيمة .. وانقطعت أخباره من يومها ..
وفي نكسة حزيران .. أكل الوجع قلب العربي .. وذابت روحه في جسده .. واضمحل قلبه .. وعض أصابعه ندما .. وعض اصابع عبد الناصر .. ونهش اسم العروبة .. ولكنه قال .. ليس ذنبي بل ذنب الزعيم ورفاقه .. وأعلن العربي وهو يبكي أنه سيحارب ..
وفي حرب الخليج وعاصفة الصحراء بكى العربي .. وسمع نحيبه وعويله في كل الصحارى العربية .. ورددت صداه الجبال والفيافي العربية .. وصارت كل مدينة عربية عباءة حسين ممزقة .. ولكن العربي كان يخفف عن نفسه ويقول ان هي الا معركة بين جيوش ولم نكن موفقين فيها ..


وعندما سقطت بغداد كان العربي يصرخ ويبكي في آن معا .. ويلطم كما لو أنه في حسينية يبكي الحسين .. ولكن ضميره العربي كان مرتاحا لأن ماحدث كان بسبب خطأ القائد الضرورة .. وليس لأن العربي قد قصر في اندفاعه وحبه للعراق ..
وفي الربيع العربي ظن العربي انه سيكفر عن أخطائه فجعل ينهش لحمه ويعض كبده .. ولم يفق الا وقد نزف كثيرا .. وغاب عن الوعي من جديد عندما رأى مااقترفت يداه ؟..
ولكنه في غزة .. رأى .. وسمع .. وشاهد .. يوما بيوم وساعة بساعة .. ورآهم يموتون أمامه رضيعا رضيعا .. وطفلا طفلا .. وامرأة امرأة .. وبيتا بيتا .. وكان يقدر ان يفعل اشياء كثيرة .. لكنه صمت .. واعتذر وتعذر وتحجج وتذرع .. وحاول ان يلوم الحكام .. ولكنه يدرك في قرارة نفسه ان كل الكوارث السابقة كانت بسبب الحاكم والملك والقائد .. الا في نكبة غزة ومحرقة غزة فانها خطيئته وحده .. وانها ذنبه الذي لايغتفر ..
ولن تبرح غزة ضميره .. ولن ينساها ..
الناس يمشون في مصر يظنون انهم مطمئنون الى انهم لم يخطئوا في انهم كمن يعيش في قبر بلا صوت اسمه مصر .. بل يقولون متذرعين ان سنوار غزة هو من اخطأ .. ولكنهم رغم ذلك يعرفون انهم يكذبون على انفسهم .. فلا شيء اوضح للنفس من كذبها على نفسها .. فهي الوحيدة التي تعرف كيف هي القناعة وكيف هي اخداع الذات والكذب على الذات .. وهم لذلك يحسون في قرارة نفوسهم ان المجزرة كانت بسببهم هم .. لأنهم صمتوا وقبلوا الاكاذيب والمبررات .. ويعرفون ان الهزائم لايصنعها الحاكم ولا القائد بل الشعب يصنع هزيمته بنفسه عندما يعرف كل شيء وبرى كل شيء ويعطيه الزمن كل مايريد ليفكر ويقرر .. ولكنه يفضل النوم في الكهف .. مثل أهل الكهف ..


هذ الشعور الدفين بالذنب سيقتل العربي من المحيط الى الخليج .. وسيذله ايما اذلال .. سويكون حجم الذل يضاهي محموع ذل النكبة والنكسة وعاصفة الصحراء وسقوط بغداد .. وسيعرف حقا ان ثمنه في العالم كان بخسا ليس لأنه لايملك التكنولوجيا وليس لأنه لايمك الذكاء الصناعي وليس لأنه لم يشارك في صناعة نظرية التطور ونطرية النسبية .. بل لأنه لايملك الشجاعة .. ولأنه تبلد في أحاسيسه .. ولأنه لايتصرف بغضب كما السيد بل كما العبد واللاجئ .. ولأنه تخلى عن أهم شيء يعرفه من أمه وأبيه وأشعاره ونبيه ودينه .. وهي اغاثة الملهوف .. وانقاذ اليتامى .. وترك الشجاعة لفئة قليلة تدافع عنه في غزة ولبنان وسماهم مغامرين متهورين وحلفاء ايران في محاولة للتنصل من واجبه الاخلاقي .. ولأنه كان يختبئ خلف أجساد أطفال غزة ويستعملهم مثل المتاريس اللحمية ..
هذا القهر الذي سينمو فيه والحزن الذي سيغرقه ويسد رئتيه لن يمكن ان يوقف طوفانه .. ذنب المحرقة سيلاحقه هو .. وسيلاحق أبناءه بالعار .. وان حاول ان يمشي متجاهلا ماحدث .. فان العربي سيسير كرجل من زجاج .. وامرأة من زجاج .. وانسان من زجاج .. كل من يضربه بحجر سيهشمه .. وسيرى العالم كله ان خلف زجاج الانسان العربي أشلاء غزة وصور غزة وموت غزة ودمار غزة وحرائق غزة .. سيحرق ضميره وان حاول اخماده وذرو التراب فوق جسد ضميره ..


وسنقول للعربي ..
أيها العربي .. لاتصدق جهلك بما هو معلوم .. ولاتبالي بزجاجك الملون بالتجاهل .. ان خلف هذا الزجاج .. غزة ..
غزة ستجرفكم بطوفان من داخلكم ايها العرب .. وستلعنكم .. وسيصيبكم ماأصابها لأن لاينقص من مصابها عليكم مثقال ذرة من خردل .. انه منطق العدالة .. فمن أغمض عينه وصم اذنيه أمام جريمة ستصل اليه نفس يد الجريمة .. وستذيقه ما صمت عما رآه ..

وستتحول غزة في قلب العربي وضميره الى مايشبه عقدة اوديب لدى البشر .. أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه … وعاقب نفسه أنه فقأ عينيه بأصابعه .. ومايفعله العربي اليوم هو أنه كمن يقتل غزة بيده .. ويتزوج من أمه .. وسيبحث عن أصابعه ليفقأ بها عينيه .. ان بقيت له أصابع في يده أو وجد عينين ليفقأهما .. لأن أصابعه ستقطع في غزة .. وعينيه ستسملان في تجمعات العالم السياسية ومهرجانات التفوق والعنصرية .. بعد صمته المهين المذل المشين في غزة ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

3 Responses to غزة ستصبح مثل عقدة أوديب في نفس العربي .. الذنب الذي لن يموت

  1. أفاتار وليد الكردي وليد الكردي كتب:

    كل الاحترام والتقدير

  2. التنبيهات: الديناصور الاسرائيلي الثقيل .. وحزب الله الرشيق .. مالم يتوقعه الديناصور | UPROOTED PALESTINIANS: SALAM ALQUDS ALAYKUM

  3. التنبيهات: الديناصور الاسرائيلي الثقيل .. وحزب الله الرشيق .. مالم يتوقعه الديناصور | UPROOTED PALESTINIANS: SALAM ALQUDS ALAYKUM

أضف تعليق