رأي ووجهة نظر .. هل توافق عليهما؟ – من الصديق فادي حجازي

الرواية الحقيقية لم تروى بعد، ولا أحد يعرفها كاملةً سوى قلائل.

هناك قطع متناثرة من اللوحة الممزقة لا يمكن تركيبها ولكنها تعطي بعض المؤشرات:

– منذ ربيع 2020 تكون لدى الرئيس الأسد قناعة أنه لن يحارب بعد الآن لأن الحرب لم تعد مجدية. ولهذا صدرت قرارات متتالية بالتسريح.

– الجيش السوري لم يعد موجوداً عملياً إلا بشكل هياكل شبه فارغة، وتمت إبادته عملياً، خسر 93 ألف شهيد وحوالي 70 ألف من القوات الرديفة.

– لم يكن ممكناً إعادة تشكيل القوات وترميم النقص الهائل في القوى البشرية، لم يعد أحد مستعد ليرسل أبناءه إلى القتال، ولم يكن ممكناً إعادة تسليح وتجهيز القوات، لا توجد موارد مالية ولا مصادر للسلاح والعتاد والذخائر.

– الحلفاء الثلاثة سحبوا أيديهم من القصة ولكل منهم أسبابه ومبرراته:

1- روسيا استنزفتها الحرب الأوكرانية، والتزاماتها مع تركيا واسرائيل، فتمترست وراء فكرة حل سياسي بالتفاوض مع طرف لا يريد أي حل سياسي، وتوقفت عملياً عن تقديم أي دعم عسكري أو اقتصادي للدولة السورية.

2- إيران فقدت العقل الاستراتيجي الوحيد المؤثر (سليماني) وانحصر اهتمامها في الاستفادة من بقايا الجيش والدولة السورية لتحويلهما إلى ما يشبه حركة مقاومة وهذا مستحيل. وعملياً توقفت عن تقديم الدعم العسكري والاقتصادي.

3- حزب الله ارتكب خطأً فادحاً وتم توريطه في حرب الاسناد مما أدى إلى النتائج الكارثية المعروفة، وفعلياً أصبح خارج الساحة السورية.

– العقوبات الأمريكية والغربية والحصار العربي كلها فعلت فعلها وأنهكت الاقتصاد والدولة السورية، وعدم وجود أفق للخروج من هذا الوضع.

– استيلاء أمريكا على موارد الطاقة والزراعة في المنطقة الشرقية، ولم يكن ممكناً حتى التفكير بالاصطدام مع أمريكا لاستعادة هذه الموارد.

– القصف الاسرائيلي المتواصل أدى إلى استكمال تدمير قدرات الجيش والدولة السورية، والعجز عن مواجهته والرد عليه.

– تفاقم الفساد والفوضى والعجز في مؤسسات الدولة السورية ومنها الجيش والأمن، كنتيجة لكل الأوضاع السائدة، وعدم امكانية إيجاد حلول.

— كل ذلك أدى إلى وجود خيار وحيد وهو المراهنة على الوقت على أمل حدوث تغيرات في المشهد تسمح بإحداث ثغرات يمكن البناء عليها لاحقاً. ولكن الأطراف الفاعلة (امريكا وتركيا واسرائيل وبعض العرب) قرروا استغلال تلك اللحظةالفارقة وتقاطع المصالح بينهم للمبادرة، وتغيير الوضع كله.

— وهنا قد يكون صاحب القرار في الدولة السورية قد تصرف بطريقة غير متوقعة، وقام بإلقاء كرة النار السورية في وجوه الجميع، متوقعاً أن ذلك سيؤدي إلى:

1- تجنب إراقة مزيد من الدماء السورية وعدم الدخول في جولة جديدة من الحرب والتدمير قد تمتد لسنوات أخرى.

2- إجبار أمريكا والغرب والعرب على رفع العقوبات عن الشعب السوري عاجلاً أم آجلاً.

3- وضع الجميع أمام حقيقة أن القوة الفعلية الوحيدة التي يسمونها الثورة السورية على الأرض ما هي إلا الجماعات الجهادية الطائفية المرتبطة بتنظيم القاعدة والمصنفة إرهاباً دولياً، والتي استمروا 14 عاماً في نكرانها.

4- وضع روسيا وإيران أمام حقيقة الخسارة الاستراتيجية التي تعرضوا لها بسبب سوء تقديرهم.

5- المراهنة أن الشعب السوري بغالبيته سيتوصل عاجلاً أم آجلاً إلى أنه لا خيار لديه إلا في الدفاع عن نفسه والتمسك بوحدته وإعادة بناء دولته المستقلة الموحدة، التي ساهم جزء من السوريين في تدميرها.

6- الاعتقاد بأن جبهة النصرة وغيرها من الفصائل الجهادية التي ستستولي على السلطة لا يمكنها الاستمرار لفترة طويلة ولا خيار أمامها إلا أن تصطدم بالمجتمع السوري وبالقوى الدولية والعربية الفاعلة، أو أن تتحول مضطرة إلى أشكال مدنية جديدة وتنتج سلطة مقبولة شعبياً وعربياً ودولياً.

7- الاعتقاد بأنه بعد أن يخف الشحن والتحريض والحرب الإعلامية ومع الزمن ستتكشف حقائق أربعة عشر عاماً من الصراع الدامي بدرجة أو بأخرى، وسيكتب التاريخ أن أكثر ما تم ترويجه عن هذه الحرب ما هو إلا تلفيق إعلامي سواء بعدد الضحايا من المدنيين والعسكريين أو الجرائم التي اتهم فيها النظام السابق من مجازر وكيماوي وغيره والجرائم التي ارتكبتها الأطراف الأخرى، والاعتقاد أنه قد تم منذ البداية إلى النهاية فعل كل ما يمكن فعله لمنع تدمير الدولة السورية، ولم يتم توقيع وثيقة استسلام مع العدو الأزلي للدولة والشعب السوري… وسواء فشل ذلك أم نجح بحدود معينة…. ففي النهاية لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق