مقال جدير بالقراءة: نابوكو و تحرير أوربا عبر تدمير العراق وسوريا -كاتب مجهول


تحرك الشعب السوري من أجل حقوقه الديمقراطية المُصادَرَة وتغيير نظامه ، وبعد ذلك يبدأ الأمر بالتحول الى تدخل خارجي … وهذا التدخل بدأ بتقديم الدعم للقوى الإسلامية المتطرفة .. وتراجعت تدريجيا قضية المطالبة بالحريات ، و جري اختصارها بالشعارات الدينية والطائفية لتهيئة الأرض للصراعات القادمة القائمة على هذه الشعارات البائسة…
وفجأة ظهور السلاح بكثرة ولا قدرة لأيّ حركة سياسية ديمقراطية وطنية على مجاراتها …مع هذه الأسلحة، بدأت مسارات الصراع بالتحوّل الى ما يشبه الطلاسم … و بدأ المشهد بالتحوّل إلى و الدخولَ الغريب لأنظمة عربيّة بدأت بنغمة الدعوة لحقن الدماء وإشاعة السلام، و بعد وقت قصير تحوّل إلى انحياز ظاهر إلى الجانب المعارض والذي يُقْصَد به ليس القوى الديمقراطية للشعب السوري، و إنما لتلك الأيدي التي تحمل السلاح وتلك الأبواق التي تطلق الشعارات الدينية والطائفية المتشددة التي أججت نار الحروب الداخلية والتصفيات الهمجية …
وفي سوريا اليوم يتصاعد الحماس العربي لدعم التغيير ووضع البديل المتشدد ، بطريقة تجعل المرء يدرك أن هذا التجمع العربي بدأ يتعامل مع الأمر بطريقة الوصاية ويجعل من نفسه وليّا لأمر السوريين .
وبعد بضعة أشهر من القتال والمؤتمرات يتضح أن أن الحماس كله يقتصر على قطر والمملكة السعودية وتركيا …لإجراء التغيير في سوريا ، وطبعا ليس على الطريقة التي يريدها الشعب السوري.
هذه الدول الثلاث أصبحت تدافع عن الحريات في سورية أكثر من السوريين.
والشيء الغريب الذي لا يمكن التغاضي عنه أن هذه الدول الثلاث قد وضعت الديمقراطية في بلدانها على أعلى الرفوف باعتبارها آخر ما يمكن ان تتعامل به !!!
أما تركيا فيكفي أن يتذكر المرء قول نلسون مانديلا عندما سُئل عن السبب في رفضه استلام جائزة أتاتورك التي منحتها له تركيا ، حينها قال للسائل :
” تخيل نفسك كردياً لساعات فقط وستعرف السبب “.
فهي لا تعترف بوجود قومية كردية ، وتسميهم أتراك الجبل ، وهذا الأمر لا يطال آلاف أو عشرات الآلاف بل هو يمس حياة حوالي سبعة عشر مليونا من الكرد ..
هذه الدول الثلاث تشترك في ميزة أخرى هي وجود القواعد الأمريكية على أراضيها :
أنجرلك وغيرها في تركيا و قاعدتي السيليه والعديد في قطر وحوالي ست قواعد في السعودية منها قاعدة الرياض وقاعدة الملك فهد وقاعدة الملك عبد العزيز وأبها وقرية إسكان وغيرها.
ولكن الأهم ، وبشكل استثنائي ، هو أن هذه الدول الثلاث تشترك بكونها منغمسة في موضوعة تحرير أوربا من الغاز الروسي، لأن أمريكا التي تشعر أن أوربا ، حليفتها الرئيسية ، سوف تكون بشكل من الأشكال تحت رحمة الروس بسبب أهمية الغاز كمصدر لا غنى عنه للصناعة الأوربية.
و للحفاظ على أوربا خارج السطوة الروسية، التي قد تستخدم موضوع الغاز للضغط على أوربا في السياسة الدولية، و بالتالي صار ضرورياً أن توفر الولايات المتحدة بالتعاون مع أوربا والحليف الخليجي وتركيا الأطلسية البديل للغاز الروسي … فكانت البداية في تسعينات القرن الماضي (العام 1992) , خط نابوكو؛ وهو الخط الذي يبدأ من تركيا وينتهي في أوربا. و عملت الولايات المتحدة وشركاتها على عقد اتفاقيّات لجلب الغاز من بحر قزوين الى تركيا ومنها الى أوربا ..
وهناك على بحر قزوين يكمن الكثير من الغاز على جانبيه حيث تركمانستان على جانبه الشرقي وأذربيجان على جانبه الغربي.
وقد حاولت الولايات المتحدة مد الأنبوب الناقل عبر مياه البحر من تركمانستان إلى أذربيجان لكي يتم نقل الغاز من كليهما إلى الأراضي التركية ، ومنها الى أوربا عبر خط نابوكو ، متخطية بذلك الخلافات بين الدول المطلة على بحر قزوين حول الجوانب القانونية لاستثمار الثروة النفطية والغازية للبحر …لكن روسيا سارعت الى عقد اتفاقيات لشراء الغاز من تركمانستان وأذربيجان من أجل إعادة تسويقه الى المستهلكين من خلال الأراضي الروسية .
هذه التطوّرات أضعفت الى حد بعيد الثقة التي أولتها أوربا وشركاتها الى خط نابوكو ، وبدأت بعض دولها بالتخلي عن المشروع ومحاولة بيع حصتها فيه ، وخاصة ألمانيا التي اعتبرت المشروع مجازفة كبرى وهي تفضل الاعتماد على الغاز الروسي من خلال السيل الشمالي والجنوبي اللذين دشنتهما روسيا مؤخراً. بعدها توجهت الولايات المتحدة أن تبحث عن البديل فكان الغاز القطري والغاز السعودي. الغاز القطري يشكل حوالي 14% من الاحتياطي العالمي. وقطر وحدها، تحتل المرتبة الرابعة بعد روسيا وإيران وتركمانستان …
ولكن هذه الكمية إضافة الى الغاز السعودي لن تكون كافية لسد احتياج أوربا فهي لن تشكل سوى 10% منه وبالتالي فهناك حاجة قصوى لمصادر أخرى …
فجاء المكمن الكبير في شرق المتوسط على سواحل فلسطين المحتلة وغزة وسوريا ولبنان وقبرص ( حقل لوناثان والحقول الأخرى المجاورة له)
وهو ما سوف يقلب الكثير من المعادلات السياسية في المنطقة .
وسوريا وما يجري فيها من أحداث هي واحدة من ملامح الأنقلاب في المعادلات السياسية تلك …
وجود هذا الحقل الغازي العملاق الذي يزيد الأحتياطي المكتشف فيه لحد الآن على عشرة ترليونات من الأمتار المكعبة من الغاز إضافة الى النفط ، ولكي لا تكون سوريا لاعبا أساسيّا وعنيدا في موضوع إستثمار هذا الحوض بسبب كون الجزء الأكبر منه يقع داخل مياهها الاقتصادية (200كم ) ، لذلك يجب أن تكون سوريا فريسة للفوضى …
وقد تكون هناك ضرورة للتقسيم خاصة وإن سوريا تمتلك ميزة خطيرة أخرى في موضوع نقل الغاز الى أوربا و هذا يستدعي بعثرتها إلى أجزاء متصارعة و إغراقها بالفوضى …و لا سيما أن أي أنبوب لنقل الغاز من قطر والسعودية و أي مصدر آخر في الخليج إلى أوربا لا يمكن إلا أن يمر عبر الأراضي السورية وبالذات حمص والتي هي عقدة الأنابيب والتي ينقل منها الغاز لإيصاله الى تركيا حيث الارتباط بخط نابوكو . هذه هي أهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء كل الذي يحدث في سوريا.

والآن لنلقِ نظرة على ما يمس العراق من هذا الشأن الخطير :
و شأن العراق مشابه من هذه الناحية لوضع سوريا، ففي العراق مكمنان كبيران للغاز : في كردستان وفي الأنبار.
والأنبار في الحقيقة تنام على مكمن هائل للغاز الطبيعي ويحوي إحتياطيات كبيرة …
أما كردستان فقد بدأت بالفعل بتهيئة اتفاقية لتوفير حوالي عشرة مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز سنويا لتركيا وهو ما سيساهم بتوفير جزء من الكمية المطلوبة والتي من الممكن ضخها عبر خط نابوكو ….
ولكن العراق دولة في طريقها الى التماسك وتتدرج في بناء مؤسساتها على أسس من الفدرالية والتي من المفروض إنها ستجعل من البلاد دولة قوية وفق ما هو معروف من الصيغ الفدرالية.
وبالطبع دولة بهذه الحال وتمتلك القدرة على إنتاج الغاز بكميات كبيرة سوف تكون رقما صعبا بأية مفاوضات لإنتاجه وبيعه …
ولكن الحال سيختلف كثيرا لو أن هذه الدولة جرى بعثرتها على الطريقة التي تجري بها محاولة بعثرة سوريا وتدميرها وجعلها أقساما لا تملك من أمرها شيئا …
ولهذا السبب بالذات فأن كردستان تسلك طريقا غريبا في التعامل مع الفدرالية ، فهي توقع اتفاقيات مع شركات كبرى حول مادة يقول عنها الدستور إنها ملك للشعب كله، وهو ما يستوجب وضعها تحت إدارة السلطة الفدرالية وليس سلطة الإقليم …
وأكثر من هذا نجد إن هذه الاتفاقيات هي عقود شراكة ، وليست عقود خدمة وفق الحالة التي تنتهجها وزارة النفط الفدرالية … لذلك وقعت كردستان اتفاقية مع تركيا تصدر بموجبها كميات هائلة من الغاز سنويا دون الرجوع الى المركز وكأن الأمر لا يمس الأمن الاقتصادي للبلاد ولا علاقة له بالشأن الخارجي العراقي!!!
وبسبب الغاز وحاجة أوروبا له ، ورغبة الولايات المتحدة لتوفيره لها بعيدا عن الغاز الروسي ، وجدنا أن الصيحات بدأت تصدر من جهة أخرى هي الأنبار .. وكأن أوامرَ قد صدرت من جهة واحدة لتنفيذ وتهيئة الأجواء للبدء بتوفير الغاز وتجميعه على الأرض السورية تمهيدا لنقله الى تركيا ومنها عبر نابوكو الى أوربا.
وبدأت مؤخرا في العراق أزمة لم يكن أحدٌ يحسب لها حسابا مع وزير المالية العيساوي الذي حوّلها, بمعاونة أطراف عديدة في القائمة العراقية وشيوخ عشائر وبشكل مثير قيادة إقليم كردستان, الى مسألة صراع طائفي، وصار الجميع يكشف عن مطالب لا حد ولا حصر لها يبدو منها أن الأمر يهدف الى إبعاد أية إمكانية للحل بل والهدف النهائي كما يريد أصحاب هذه المعمعة هو تشكيل فدرالية الأنبار والتي سرعان ما ستتحوّل الى كونفدرالية وسيصبح ارتباطها ببغداد أثرا بعد عين ….
وهكذا نرى أن الحاجة الى الغاز من أجل تحرير أوربا من الغاز الروسي هي التي تقود اليوم عملية تدمير سوريا و العراق.
وبالنسبة لكردستان، والتي يعتقد البعض بأن تحالفها وتفاهمها مع تركيا عبر منحها امتيازات بالنفط والغاز ، وفتح ابوابها للنشاط الأقتصادي والعسكري التركي سيساعدها على تحقيق بعض القوة في مواجهة المركز ، وبالتالي سيمهد هذا الى الانفصال عنه ….فإن الأمر لن يكون بهذا الشكل على الإطلاق ، بل لن يخرج عن كون كردستان العراق سوف تُدْفَع دفعاً الى الصِدام مع المركز، أي بغداد، من أجل إضعاف الطرفين ، وسيكتشف الجميع أن من سيقوم بجني ثمار هذا الصراع هي تركيا وإيران لأنهما مهتمتان بالتدخل في الشأن العراقي … ولكي تنجح جهودهما بالتدخل يجب ان يكون العراق منهكا بمشاكله الداخلية، ويهمهما جدا أن يتخلصا من مصدر مهم من مصادر الدعم للحركة الكردية في ايران وتركيا والذي يمثله واقع الإقليم في كردستان العراق.
وفوق هذا فإن تركيا تسعى بحماس لأن تكون كردستان على خلاف دائم مع المركز لكي ينفتح الطريق أمامها للعبث بمقدرات الإقليم وتشجيعه على تقديم التنازل تلو التنازل في المجال الاقتصادي ، وكذلك في الموقف من نضال حزب العمال الكردستاني في تركيا.
ولن يحصل الشعب الكردي في كردستان العراق على غير ترسيخ تفكير القيادة التركية الغارقة في أحلامها الإمبراطورية وحلمها في استعادة الولاية التي كانت السلطة العثمانية تطلق عليها اسم ولاية الموصل،و سنكتشف أن الغرب بأجمعه وخاصة الولايات المتحدة صاحبة المشروع الشهير (مشروع بايدن) في تقطيع أوصال العراق إلى ثلاثة أقسام وفق المذهب مرة ووفق القومية مرة أخرى .. السنة والشيعة والكرد .. وكأن الكرد ليسوا بسُنّة بغالبيّتهم ( إذا كان التقسيم وفق المذهب ) وكأن السنة خارج كردستان ليسوا بأكثريتهم عربا (إذا كان التقسيم وفق القومية) ….
إنها روح العم سام المستهينة بكل شيء عدا الغنيمة … أن الولايات المتحدة كانت تدفع سراً إلى زيادة التوتر بين بغداد و إقليم كردستان، و تعمل بذات الوقت على إسقاط النظام السوري …من أجل الإسراع بالبدء في إنشاء خطوط الأنابيب الناقلة للغاز ، وبالتالي ستجد بغداد نفسها غير قادرة على منع تحول الفدراليات الى كونفدراليات ، سرعان ما تنفصل إلى دول أو بالأحرى مشروع دول .
ومن الممكن التفكير في ضم الأنبار لتشكيل مملكة موحدة مع الأردن ، وضم إقليم كردستان إلى تركيا، وهذه العملية سيعتبرها القوميّون والقبليون الكرد إنجازا على اعتبار إنها وحّدت جزأين من كردستان الكبرى هما كردستان العراق وكردستان تركيا …طبعا سيروّجون للأمر على أنه كذلك.
الخلاصة أن العراق وسوريا الآن هما الهدف الآني لإعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية من أجل تأمين مصادر الطاقة الى أوربا والشركات العالمية المختصة بتجارة النفط والغاز..
يساعدها في ذلك خدمها في تركيا وقطر والسعودية وهؤلاء الثلاثة بعجلة من أمرهم لأن لعابهم يسيل أمام الكم الهائل للأرباح. أمّا أدوات التنفيذ وهي القوى الطائفية والقوميّة والعشائرية شديدة الغباء وقادتها من ناهبي المال العام والباحثين عن مجد السلطة فسوف يعملون بقوة الخدم الأوغاد لتنفيذ المهمة. على الجميع أن يكفوا عن تسمية العراق بأية صيغة قوميّة أو دينية أو طائفية، فالعراق ليس عربيا فقط وليس كرديا فقط أو تركمانيا فقط .. إنه العراق فقط .. وبإمكان عربه أن يواصلوا علاقاتهم الإنسانية مع العرب الآخرين وبإمكان الكرد ان يتواصلوا مع الكرد الآخرين وكذا الحال مع التركمان وباقي القوميات ولكن على الجميع أن يتواصلوا مع بعضهم أوّلا، و نفس الأمر بالنسبة لسوريا.
ليتذكر الجميع أن أرباح الطاقة وشركاتها لا تعرف معنى للقومية ولا تقيم وزنا للدين والطائفة وهي تزدري القوى السياسية في عالمنا وقبل هذا تزدري الإنسان.
ليتصارع الجميع على نوع الاقتصاد الأكثر فائدة لهم فلكلِّ رؤيته, لا بأس .. ليتصارع الجميع حول طريقة الحكم ونوع الدستور وكل تفاصيل الحياة، ولكن على الجميع ان يتوقفوا عندما تتعرض وحدة الوطن وأرضه للخطر.
العمل لصالح الوطن وليس لصالح مشاريع العم سام فقط، لأنها لن تشمل سوى فئة الخونة و الجهلة الساعين إلى منصب ما، غير عابئين بالروح الايجابية والجمال الخلاب للموقف الوطني الإنساني الذي يجمع كل مكونات المجتمع المتنوعة.

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق