
يتساءل احدنا عن سبب هذا السعار الطائفي وهذا الحقد الذي صار نوعا من الامراض النفسية التي انعكست على جميع السوريين وخاصة السنة منهم.. فالعنف في المجتمعات السنية صار ملفتا للنظر .. عنف عائلي وقبلي وعشائري .. وعنف في الشارع .. وعنف في الألفاظ .. وعنف في الاحقاد ..
أحد التحليلات النفسية الذي صدمني يقول ان الافراط في مذبحة العلويين وتصويرها في نوع من الشبق الاجرامي كان مقصودا على انه علاج نفسي للعجز السني الفاضح في نصرة أهل غزة .. فهو جائزة ترضية للجمهور السني الهائج المسعور الذي صنعته الجزيرة .. فقامت بارضائه واحساسه بالضعف والدونية والعجز وهو يرى انه لايجرؤ على رد العدوان عن غزة وتصرف بعقلية الارنب .. فالعجز السني المخجل تجاه مجزرة غزة تم تعويضه نفسيا في مذبحة الساحل على انه نوع من سيكولوجية التعويض تجاه مظلومية يحس بها العقل السني العاجز فبدل ان يقوم بالانتقام من الاسرائيليين وتبريد غضبه فقد تم تبريده بقتل العلويين لأن العقل السني يراهم الان جزءا من مظلوميته وأن كل من يقتل اهل السنة هو عدو .. فالاسرائيليون قتلوا اهل السنة والعلويون قتلوا أهل السنة بزعمه .. فاذا لم نقدر ان نقتل الاسرائيليين فسنقتل العلويين ونبرد قلوبنا .. فارتاح ضميره انه انتقم لأهل السنة واختار العدو الاقرب والاسهل ..
المذبحة في الساحل هي ذبح للعقل السني للأسف .. فأنا لايمكن ان أتخيل كيف قبلت النخب السورية والسنية تحديدا بمنطق الدهماء وقبول التعامل مع اسئلة غبية جدا ولاتحمل اي بعد أخلاقي من مثل : وين كنتو من 14 سنة لما كنا نموت؟؟ النظام قتل ملايين السوريين وهجّر 18 مليون سورية .. والى غير ذلك من هراء وأرقام فلكية بلا حساب فشلت النخب في الرد عليه أو تقاعست عن الرد عليه .. بحثت عن أي رد ولكن لم أجد .. وكأن هذه هي اسئلة النخب لا الدهماء والغوغاء .. وكأن الصمت يعني موافقة ضمنية على محتوى الأسئلة .. ولم أجد مايشفيني الا بعض نقاشات مبعثرة ومهملة ولكنها قيمة جدا وحقيقية جدا وكم تمنيت لو انها تم تعميمها .. احدى هذه النقاشات التي وصلتني هي رد من احد النخب السورية على هذه الادعاءات .. ولكن ربما كان هذا الرد صوتا تائها في البرية .. ويقول صاحب الرسالة وهو غاضب جدا “ان من يقول أين كنتم عندما قتلنا النظام منذ 14 سنة فاننا نسأله نفس السؤال وهو أنكم أخذتم 137 مليار دولار اشترت بها قطر أسلحة لكم .. ان قطر دفعت 137 مليار دولار وهذه الاموال لم تشتر بها مرطبات للسوريين بل اشترت أسلحة للثوار وهي ميزانية رهيبة لتسليح عدة جيوش .. أي ان ثبات المسلحين 14 سنة وتمكنهم من الحاق عشرات آلاف الاصابات في قوات الجيش والمدنيين السوريين والحرب الطاحنة يجب ان يفهم منه على انه حصة الثورة لا الدولة في الموت والقتل .. أما اعداد اللاجئين التي تخضع لمزاج كل من يكتب فصار سخيفا لدرجة مملة فمن غير المعقول ان عدد اللاجئين وصل الى 18 مليون وعدد القتلى 3 ملايين .. والا فان من بقى من السوريين هم فقط الأوزبك والايرانيون والاتراك والمقاتلون الاجانب .. ولو افترضنا جدلا ان كل ارقام اللاجئين صحيحة فهي لمهاجرين فروا من مناطق القتال التي كانت بين قوات الجيش والمسلحين .. وبالتالي فان كانت هناك مسؤولية فيجب على الاقل تقاسمها بين الجيش والمسلحين .. الا ان منطق الثورجيين هو ان الكوارث مسؤولية الجيش فقط وأما آلاف المسلحين الذين قتلوا عشرات آلاف الناس وتسببوا في وضعهم في مناطق قتال وحرب فهم لاذنب لهم”..
الجزيرة وهي قرة عين العرب قدمت الحرب السورية على انها مظلومية أهل السنة على يد العلويين ومحور ايران .. ونسبت كل الموت فيها للمظلومين الذين هم وحدهم من دفع ضريبة الحرب .. وهم وحدهم من هجر من دياره .. وقدمت الجزيرة العلوي على انه ذلك الكائن الخرافي الاسطوري الذي يقتل ويتسلى في السجون ويعذب الناس ويستمتع بصور قيصر وليس له هدف في الوجود الا قتل أهل السنة .. دون النظر الى ان أرقام الضحايا في الحرب دفعها هو أيضا من أبنائه .. ودون النظر في تحليل الارقام الاحصائية .. فهناك 30% من ضحايا الحرب ليسوا سوريين بل جهاديون مهاجرون وهذا لايحتاج دليلا بوحود نجم الايغور ابو دجانة يتمشى في شوارع دمشق كأنه آلان ديلون .. وهناك فرضية احصائية قوية من أن عدد المدنيين الذين قتلهم الثوار يفوق كثيرا عدد المدنيين الذين قتلتهم عمليات الجيش السوري .. ولكن يتم تجاهل كل العلوم وكل الاحصاءات ويجتمع الناس على ماتقوله الجزيرة .. واحصاءات المهرج فيصل القاسم .. ودون ان يرف للجزيرة جفن تطرح استفتاءات في منتهى الوحشية لاتجرؤ عليها اي محطة في العالم .. فهي المحطة الوحيدة في العالم التي تسأل مشاهديها عن جواز قتل العلويين مثلا او ابادتهم خلال سنوات الحرب (عبر سؤال يقول هل تعتقد ان العلويين جنوا على أنفسهم؟) وتقدم النتيجة على انها اتفاق واجماع بين الامة وكأنها ترجمة محدّثة لفتوى ابن تيمية بابادتهم .. فأرقام الموافقين تتجاوز 96% وكأنها رسالة للجمهور ان من لايوافق على اجماع الأمة ورأيها العام فهو خائن لضمير الامة الذي نقلته لك الجزيرة ..
كيف سيدفع اهل السنة ثمن التغير الاخلاقي والترحيب بالعنف؟؟
ان قبول النخب السنية بمنطق التحريض وتبرير العنف هو ثمرة الجزيرة واعلام قطر .. ويجب على القانونيين المختصين جمع كل البيانات التحريضية التي كانت تبثها الجزيرة ضد مجموعات عرقية او دينية في المنطقة وفي سورية تحديدا وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية .. ولاشك ان شخصيات مثل المجرم فيصل القاسم سيتم القاؤه – مع أمير قطر – في ابو غوانتانامو لأنه أخطر مهرج على الاطلاق فهو يشيع العنف على انه مجرد لعبة تسلية ونقاش للّهو .. وطبعا امير قطر ليس نتنياهو ليدافع عنه الكونغرس وسيكون طريقة تعويض عن فشل المحكمة في قضية نتنياهو .. وانا على يقين ان عرض القضية على المحاكم الفيدرالية الاميريكة وكل حلقات الاتجاه المعاكس ستكون أساسا قانونيا لاعتقال اعضاء في المحطة وخاصة المهرج فيصل القاسم الذي كان ينشر فيها تحريضه على العنف من مثل انه أجرى احصاء على سؤال يقضي هل جنى العلويون على أنفسهم؟ .. والنتيحة 96.2 % موافقون وهي نتائج مفبركة .. يعني للمفارقة مثلما كان يقول عن استفتاءات البعث 99% .. وفي علم الاحصاء لايوجد هناك شيء من هذا القبيل ..
طيب يعني هل يجرؤ فيصل ان يطرح سؤالا على الجمهور مثلا الأن: هل توافق على ابادة الاسرائيليين (هل جنى الاسرائيليون على أنفسهم؟؟ انا شخصيا لاأطرح هذا السئؤال .. ولاأقبل بابادة الاسرائيليين على الاطلاق لأن قبولي بذلك يعني أن اقبل بما يرونه هم ابادة للفلسطينيين .. ولكن لمجرد التحدي هنا .. هل يقدر فيصل ان يطرح سؤالا لاأخلاقيا من قبيل هل تؤيد قتل مواطنين اميريكيين ابرياء لان حكومتهم ترسل اسلحة الى اسرائيل؟ .. وهل تعتقد ان اميركا جنت على نفسها في أحداث سبتمبر وأن بن لادن انتقم منها؟ مجرد هذا السؤال سيقضي باعدامه فورا او تحويلة الى سجن غوانتانامو .. واذا طرحه فلن يجرؤ على فبركة النتيجة وسيقول ان من يوافق لايتجاوز 2%
العمل الحثيث الخليجي لتحريض السوريين السنة لم يحولهم الى مجموعات فاقدة للاتضباط الاخلاقي بل حول العنف الموجه ضد الدولة السورية الى عنف داخلي سلوكي لن يتأخر في أن يتحول الى سلوك وممارسة عنفية عامة في المجتمع .. مانراه اليوم من انفلات للعنف في وسائل التواصل الاجتماعي والسعار المتوحش لنشطاء يتحدثون باسم أهل السنة ومظلوميتهم هو نتيجة ولكنه دفع أهل السنة أنفسهم الى ثقافة العنف بينهم أيضا .. ولاأدري كيف سمحت النخب السورية السنية بهذا الجنوح للعنف الاخلاقي والعنف اللفظي والتحريض المريض لأن هذا السلوك لايمكن ان يبقى موجها ضد مجموعة معينة بل سيتوجه لاحقا مرتدا الى داخل المجموعات التي مارست هذا العنف اللفظي والذي تسميه العنف الثوري.. وهذا هو عينه ماتعاني منه التجمعات الاستيطانية الاسرائيلية التي يخدم ابناؤها في الضفة الغربية حيث اعتاد الجنود على قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم والتشفي منهم (كما تفعل عصابات الجولاني الان في الساحل وتتصرف كمستوطنين) .. وهؤلاء تحولوا الى مشكلة في المجتمع الاسرائيلي فهم عصب التطرف وهم لديهم نسبة جرائم عالية جدا في المجتمع لانهم صاروا عنيفين .. وتعودوا جل مشاكلهم بالعنف المفرط مع الاخر ويصبح كل من يختلف معهم (آخر) يمكن قتله او اهانته ..
هناك جهل لايصدق فيما يرتكبه هؤلاء وخاصة من المغتربين الذين يروجون للانتقام والعنف ويزيدون من شبق القتل لدى العامة .. وهم لايدركون ان العنف لايمكن ان يتم التحكم به لأنه سيصير ثقافة .. فالشماتة بقتل أطياف سورية والتشفي بها كان غريبا لانه سيوصل المجتمع كله لتنبي هذه الثقافة والتلذذ بالشماتة والاذلال .. فهذه حرب ستنقلب فيها الموازين كثيرا .. فاليوم هناك سنة ومتطرفون وأكراد وجهات كثيرة غير ممن يسمون الأقليات .. والعنف الذي طبع هياج الجمهور في السابع من آذار يشير الى خطورة التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري .. الذي سيحل كل مشاكله القادمة بالعنف .. فأي تغير يهز التوازنات الهشة في المجتمع سيجعل من السهل التجييش والاندفاع للعنف .. في أيام الحرب السورية كان هناك قدرة على ضبط الايقاع بوجود جيش منضبط لسلطة سورية واحدة ولكن في هذا الظرف الذي لم يعد فيه جيش واحد بل جيوش متحالفة وفصائل وألوان عديدة لأجهزة مخابرات لها فصائلها .. وهناك موالون لتركيا وموالون لاسرائيل وموالون للسعودية .. سيكون الوضع قاسيا جدا ..
سورية التي كانت ستصل عام 2030
اظن جازما ان كل الاعلام العربي والغربي الذي ساهم في المقتلة السورية يجب ان يدعى عليه في محكمة لاهاي .. لأنه كان العامل المحرض على تدمير بلد كان يعيش بسلام وكان يسير بخطى معقولة نجو استقرار ودور حضاري .. وكان معلوما جدا ان التغيرات التي أدخلت على أجهزة الامن السورية منذ عام 2000 وتراجع اعداد السجناء السياسيين عام 2004 الى 400 فقط بالمقارنة مع 9800 في تركيا في نفس العام .. ومنذ ان تم تحويل المجتمع تدريجيا الى مجتمع يبتعد عن العسكرة من تغيير فكرة لباس الفتوة للشباب والمدارس الى اللجوء للقضاء في ملاحقة المعارضين ومخالفي الرأي بدل اللجوء لأجهزة المخابرات .. كان واضحا ان هناك توجها سينتج مجتمعا ينتقل تدريجيا خلال 3 عقود الى الحالة المستقرة وسيقدر ان يبدأ التحول الى فكرة الدولة للجميع ويتخلى عن عقلية العشيرة والعائلة والطائفة والحزب الواحد .. وستحس جميع الاقليات أنها مضطرة للتخلي عن قلقها الذي لم يعد مبررا .. هذا كان واضحا لأن الاستقرار الاقتصادي والامني والتحول التدريجي الى القضاء والقانون لايمكن الا أن ينتج جيلا لايعرف الا عقلية النمو والاستثمار والربح وعدم الخسارة والانطلاق .. وسيفهم أكثر ان العملية السياسية في اي بلد غايتها النمو الاقتصادي والنمو الاقتصادي سيأتي حكما بحريات سياسية ستكون هي التي تقود عملية التغيير السياسي بسلاسة ونعومة ..
الغرب أدرك ان وصول السوريين الى هذه اللحظة المقدرة عام 2030 تعني ان (الصيدة فلتت) .. فأطلق عندها مشروع الحريات السياسية وكأنها أهم مايجب ان يفكر به السوريون .. السوريون في تلك المرحلة بين عامي 2006 و2010 كان همهم نمو مواردهم الاقتصادية وأنواع السيارات التي يشترونها والبلدان التي سيتوجهون للسياحة فيها .. وكان على الناس أن يغيروا اولوياتهم .. وهنا بدأ التحريض والسخرية من كل الانجازات ..وكلما كان السوريون يتحدثون عما يملكون في بلادهم كان البعض يقول لهم ان طرزان كان عنده افضل من هذا.. انتم لاتملكون شيئا لأنكم بلا حرية وأن أهل السنة لايحكمون وهم الأكثرية (رغم ان الاكثريات في النظم الديمقراطية هي اكثريات سياسية وحزبية وليست دينية).. وأنتم مظلومون ولاتقدرون ان تشتموا الرئيس .. لاتقدرون ان تنتخبوا كما في اميريكا.. واذا كان اهل السنة يديرون الاقتصاد والمال فانهم لايملكون اذا لم يديروا الرئاسة نفسها ..وطبعا وقع الكثيرون في الفخ وكان هذا كافيا .. ثم استدرج الجميع الى الفخ الأهم الذي كان تم نصبه في العراق ولبنان.. قتل أهم زعيمين للسنة وبيد امريكية .. لكن العقول البائسة لم تر اليد الاميريكة بل رأت الخصم في الشيعة الذين كان بعضهم عملاء لأميريكا وجاء على متن دبابات امريكية كما وصل الجولاني تحت حفظ ورعاية طيران التحالف الدولي والروسي .. ولكن قتل صدام حسين تم تحميل وزره لكل الشيعة في العالم .. وكذلك فان مظلومية أهل السنة المزعومة تم تحميلها للعلويين ..