افتتاح اسواق سنغافورة برعاية أم أحمد الديرية ومعجنات “بلحوم العلويين والدروز*” ..- بقلم: عبدالله الشامي


كنا سابقا نسمو مع علو الشرف عندما نرى سيدة تصرخ في وجه جندي اسرائيلي في فلسطين، وفي وجه أمريكي في العراق ، إلا أن هناك من شعر بالسرور الكبير لرفع (شحاطة) امرأة سورية في وجه سيدة سورية أخرى معلنة بهذا بدء مواسم السياحة العكسية بهروب من يفكر بالتحضير لزيارة دمشق ، المريع هو أن يصبح لهذه النكبة الأخلاقية جمهور يصفق لها ،ويجعلها ملحمة وجودية فهذا مايختم على أقوالنا السابقة أننا نحيا السقوط بقشرة انتصار لاوجود له اجتماعيا . كنا نظن أن الشعب الذي أنجب الأميرة حميدة الطاهر لن تنحسر معاركه ضمن سوق لبيع الخضار ،ولا أن تصبح السخرية من دماء السوريين أعظم مواجهاته . فما هو الحال الذي أوصل بعض السوريين إلى هذا الانحدار إن كانوا فعلا أهل الوطنية والأخلاق فهل تتبدل الأخلاق مع تبدل الظروف والمواجهات؟! إنها لمأساة مزلزلة .. لقد كنا نظن بأن ارث عبد الرحمن الكواكبي، وعز الدين القسام هو جوهر لا يصيبه العفن ولن ينزع من قلوب السوريين مهما اختلف أهل البيت الواحد ، إلا أن هناك من فضل العفن على الجوهر حتى تحولت صيحات الباعة في أسواق سنغافورة الموعودة إلى صيحات تسخر من العلويين عبر مقطع فيديو يتظاهر فيه شب ببيع لحوم العلويين في المعجنات . شواء وغير شواء .هكذا يتم بناء سنغافورة كما وعدت السلطة المؤقتة في دمشق، وهكذا يتم جذب السياح للتعرف على نكهة الفطائر بدماء العلويين .يبدو أن داعش هي المعجونة في دماء ولحوم البعض منا .. نعم لقد أصبح السوري رخيصا إلى درجة يتم فيها السخرية من دمه ولحمه. الحقيقة إن هذا الشذوذ المطلق هو أعظم ماتنتجه الحروب الخاسرة اخلاقيا ،وإنسانيا، و المشوهة فكريا ،هكذا تُمسخ المواجهات عندما تقودها الأباطيل ، وتنتقل من مواجهات مع أباطرة الشر العالمي إلى مواجهة مع الفقراء في قلب كل حي وسوق، ومدينة ،فهل رأيتم ظلمة تنجب نورا ولبوة تنجب فأرا .لقد عقر الحقد عن انجاب معركة خارج أسوار المجتمع ،وهذا مالايريد أن يعيه البعض .انظروا اليوم أين تقع أعظم مواجهات البعض منا عندها سوف يعلم الجميع أن خرجنا من معركة لم يهزم فيها إلا سوريا ..وأخص بهذه الكلمات من لايريد أن يفرق بين سوء الأخلاق وسموها ولا أنكر أنا شخصيا إنني أتابع حالات إنسانية تتفوق على الحقد يقوم بها بعض من أبناء إدلب مع بعض من أهالي الساحل هنا نبارك التفوق على الكراهية والإقتتال هنا نكون فعلا سوريين ..

أما للجزء الأقل عددا ممن لايمكنهم التفوق على أحقادهم أقول لهم لايمكن للحروب العظيمة أن تنجب سوى الفرسان والنبلاء ففي الحروب التي لاتنتصر فيها الأخلاق لايمكن لأحد أن يحدثنا عن إنتصار، أذ أننا نحيا حالة عبور من مرحلة إلى أخرى .. فإن دخلت فضاء النت، وتسللت إلى كل مايتعلق بالوضع السوري الراهن للبحث عن المرحلة التي وصلت إليها معارك بعض السوريين. سوف تسمع هدير الصفحات تعج بهلوسات الهزيمة الكبرى .هزيمة الأخلاق عند جزء سوري يدمن الجهل ويبارك التعدي على النساء، ويصفق لشتائم امرأة سورية تدعى أم أحمد (الديرية) ضد سيدة سورية. حالات تفشت في الآونة الأخيرة واصبحت عناوين المرحلة المقبلة ..فهل هي ملامح (سنغافورة ) التي تطل على السوريين من قاسيون الذي ينتحب على معارك تصدع المجتمع السوري أخلاقيا ،واليوم شاهد ملايين من الناس في سوريا ،وخارجها سقوط آخر لبعض السوريين تجلى في مواجهة قادها باعة وامرأة ضد سيدة في سوق دمشقي ،وقد تعرضت للتهجم اللفظي الموجه ..خرج البائع وتحدث عن السيدة على صفحة المرصد السوري وقال: هي من بدأ التهجم ،ولكن المقطع يشير إلى خلاف ذلك ،ويكذب حرفيا ما قاله البائع إذ أن السيدة تتحدث حرفيا وتقول :

( شو أنا كنت بالقصر الجمهوري ) وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حالة دفاع السيدة عن كرامتها ضد إهانات واتهامات، ولو فسره طالب في علم النفس أو محام سوف يدرك أن ماقالته السيدة إجابة دفاعية ، وهكذا يتم نفي كلام البائع الذي خرج وتحدث بمستوى هابط فكريا ،واجتماعيا يتكامل مع شخصية أم أحمد الديرية التي لم تتمتع بخصال وأخلاق المرأة السورية والسيدة المسلمة الخاضعة لأخلاق الرسول الكريم. 

 .مانراه اليوم هو أن البعض تحرر من كتم السباب والشتائم ..تحرروا من القيد الذي كان يطبق على شذوذ أخلاقهم .آلاف الأراء باركت ماحدث، بل وخلصت إلى أن ما فعلته أم أحمد يعد مدرسة للتربية، والتعليم. فلا تستغرب ياصاح من ذكر (الشحاطة) في قصيدة تدرس للأطفال بعنوان قصيدة الشحاطة ولانعلم كيف سوف تدرس الشتائم والرد بالصفعات على كل خلاف في الرأي بما أن مافعلته أم أحمد يسمو إلى مقام مدرسة للتعليم والتربية ؟! غربب أمر هؤلاء إذ أن الله جل جلاله حرم على المسلم أذية الجاهلين بالرد فكيف لهؤلاء أن يجعلوا من السباب ،والإهانات مدرسة ونهج للتربية ؟! لم يلتفت أحدهم إلى أن المشهد يمثل حالة مزرية ،ومشهد قميء يحاكي سقوطا أخلاقيا مروعا .كنت سابقا لا أصدق مصطلح ألفاظ سوقية ،وكنت أراه متطرفا في فهم طباع بعض الباعة ،و اليوم أثبت البعض منا أن مصطلح ألفاظ سوقية هو حقيقة ،وليس أكذوبة، وكأن مصير السوق أن يدخله الأقزام كما يدخل الأقزام في كل مهنة إذ أنه وقبل أيام تعرض أيضا ابن الشيخ غزال غزال الدكتور حجة الله غزال إلى السب والشتم ،والتهديد والوعيد من أستاذه وهو طبيب في جامعة المنارة فإن كان الطبيب هو نفسه المريض فكيف للأمة أن تقوم وطبيبه بحاجة إلى ألف علاج وعلاج ،فهل هناك من طبيب يعالج هذه الأمراض الفتاكة؟!

للأسف لقد انتقلت الملاحم السورية من مواجهات عظيمة الأخلاق عبر استقبال ملايين من المهجرين العراقيين والفلسطينيين ومئات الألاف من الطلاب العرب واستقبال أهالي الساحل في ذروة الألم الطائفي للملايين من أخوتهم السنة أثناء الحرب إلى ملحمة سوق خضار رايتها (الشحاطة) ورسالتها المقدسة كيل الشتائم في الأسواق والساحات. فهل حقا وصدقا أن مافعلته أم أحمد هو من مفرزات نصر إلهي؟! أم أنه طغيان بشري على رسالة الأخلاق ؟! حاشى لله أن تكون الشتائم والإهانات نتاج فكر سوي .لقد انتقلت الملاحم السورية الاجتماعية من تعظيم المواقف العظيمة إلى تعظيم معركة سباب وشتائم وضرب وإهانة .أم أحمد الديرية كما أطلق عليها جمهورها نطقت بكلمات كثيرا ماينطق بها ذكور الشوارع (مطوبزجية) مصطلحات نخرت في قلب المجتمع لما فيه من أذى وتدني أخلاقي مقيت بخلاف حديث المؤمنين للجاهلين ..سلاما ..ما استوقف العقلاء منا هو كيف تم جعل هذا الموقف الساقط موقفا أخلاقيا إذ تفوهت أم أحمد بكلمات لا يقولها إلا حشاش يتسكع مع امثاله . كلمة لايمكن لعاقل أن يتخيل أن والدته تتفوه بها داخل المنزل أمام رفاقه فكيف في خارجه أمام الملايين من الخلق..كلمات وتصرفات سمعها وشاهدها ملايين السوريين والعرب فهل حقا هذه هي الأم التي يخرج من منزلها الثائر ؟! أيا كان كيف لسيدة أن تصفع سيدة أخرى وترفع نعلها في وجهها لماذا لم يلتفت جمهور أم أحمد إلى سيدة شامية راقية ظهرت في الفيديو يعلو تقاسيم وجهها وقار الأخلاق والأمومة الحقيقية تقوم بتهدئة السيدة التي تعرضت للتهجم اللفظي من قبل الباعة لماذا لم تكن أم أحمد بأخلاق تلك السيدة الثالثة ؟! تلك هي الأم الحقيقية، وتلك من كان يجب أن تظهر إلى الإعلام فهي تمثل أخلاق الأم السورية لكل السوريين ..

ولو احترم هؤلاء شرف ومكانة المرأة السورية والديرية تحديدا لما نشر هذا المقطع الذي تظهر فيه السيدة السورية البسيطة، وهي تتقلد مكانة لاتحسد عليها فهل هذا مانريد أن نعلمه لصغيرات سوريا من الإناث ؟! ماذا كان ليحدث لو أن أم أحمد الديرية أخذت المرأة المحاصرة بالسباب والاتهامات وهدأت من روعها من الذي كان فعلا في حينها منتصر ،ويقدم النصر في أخلاقه لافي نعاله وصفعاته .ماذا سوف يخسر السوريين لو أنهم وقفوا معا فوق إرث النزاع ،وقاموا بنسفه نسفا ؟! إن أعظم رد على الجنون الذي بارك هذه الحادثة وقام بتقديمها على أنها موقعة عظيمة تعبر عن أخلاق ومكانة السيدة السورية هو أن يعمل أحدهم على إظهار السيدات معا في موقف صلح أخلاقي بخلاف مايتم عرضه اليوم على أن مافعلته أم أحمد هو مثال يحتذى به وكأنه تشريع لهذه الحالات وجعلها قدوة ..من يريد أن يضع حدا للسقوط عليه أن يعيد توجيه المجتمع إلى السلام لا إلى العراك..تسقط الأم عندما تظن أنها تمثل نفسها فقط بينما هي تمثل أخلاق أمة بأسرها ولاتعلم..

========================

  • بتصرف

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق