

عزيزي نارام سرجون،
ألم يحن الوقت بعد كي ننعى قلب العروبة النابض؟
في كل يوم اتتبع مناشير صفحتك وصفحات لايتجاوز عددها الثلاث لأرى..هل مازال هنالك نبض؟!…
ابحث في الأرشيف عن أغاني طلائع البعث وشبيبة الثورة والجيش العربي السوري…لأشم رائحة تلك الايام الكريمة وأشعر بقليل من الكرامة…
أما ياشام عاد الصيف و قرأت مجدك في قلبي…صدقني أخجل أن اسمعها …لاأريد لفيروز أن تطل علينا اليوم وترى أن دمشق أصبحت قبيحة الى هذا الحد….وترى كيف حول الامويون مجددا دمشق الى بستان هشام … وتعرف الحقيقة الدموية السوداء لذلك البستان…وترى كيف احرق الشرق من سكب وروى ظمأهم.
لقد ماتت سوريا..أجل ماتت…مات قلب العروبة النابض ….متى ستزيحون المنفسة ونعيش الحداد ونحيب الفقد؟
كم عدد أولائك الذين يشاطرونك الرأي والتحليل؟. اتساءل…!!
هل هنالك حشد يدفعك إلى الاستمرار؟..أتمنى ذلك…
أما انا ..فالجميع من حولي يبدع في السب واللعن…أصبح الاسد شماعة لكل أخطاء السوريين أصبحنا الملائكة وهو سبب كل هذا الشذاذ والفجور…وكل خطاب لأي سوري اصبح يبدأ بترويسة: ” النظام البائد المجرم”
تم اضافتي مؤخرا إلى إحدى الجروبات …ورأيت المشايخ والاتقياء ..اجل.. الجميع طاهر والاسدان كانا الطاغية…الاسد سبب كل مشاكلنا …تشرذمنا ..ضياعنا…فقرنا….الاسد اختار تحالفات خاطئة والأسد صنع لنا أعداء ..وكان من الممكن أن نكون اليوم كما دول الخليج وأفضل…..
( امي روت لنا مرارا…كيف كانوا يعيشون بخوف دائم قبل حكم الاسد من سطو البدو على اطراف الضيع لسرقة الدواب وأحيانا النساء…ألم يروي لهم احد عن ذلك؟…الم يخبرهم اجدادهم عن ظلم الاقطاعيين واستبدادهم !!!!)
وانا ادرك جيدا ان لا أحد من هؤلاء الاتقياء يتابع كوارث وأخبار البلد اليومية… ليعيش يومه ولايعكر صفو حياته إن أمكن….ويكتفون برمي كل شيء على الاسد ليرتاح ضميرهم وكاهلهم…
الجميع يريد أن يعيش .. ياكل ويشرب ويسهر ويحتفل….وانا لا ألومهم…انها نزعة الحياة …
هي ذاتها نزعة الحياة التي سمحت لقوم ابراهيم رميه في النار بين جمعوع أتباعه …وسمحت لليهود صلب المسيح بين مناصريه…وسمحت بقتل الحسين وسبي نساء آل البيت أمام أعين كل المسلمين…
أجل …الجميع يريد أن يعيش بسلام مهما كان الثمن…فلتكن الأرض لبني صهيون وتبا للكرامة والقضية والعروبة .. ولندمر وطنا عزيزا كسوريا…ونبني كيانا جديدا ممزقا ..لكنه غني بالمشاريع والاستثمار…لنصبح كدول الخليج وتبا للسيادة …وما المشكلة؟..
المهم كما قرأنا في روايات المثقفين والروائيين السوريين عن العدالة والحقوق في العيش الرغيد وحرية السب والشتم والانتقاد للسلطة….
احاول أحيانا أن أفكر مثلهم…
لكن كيف؟…كيف اقنع نفسي بفكرة (لو الأسد باع لأنقذنا) وانا أرى خريطة تقسيم لسوريا وشرق أوسط جديد عمرها يتجاوز عمري بأضعاف!!!…كيف سأقنع نفسي ان الاسد سلب عقولنا وارادتنا الى معركة كان يمكننا تفاديها وانا أرى اليوم كيف عندما ذهبت القضية والعروبة تنبهت عقولنا للطا ئفية وعدنا بالتاريخ نبحث عن ما يشغل ذلك الفراغ المتجذر والذي حرص الاسد على اشغاله بفكرة جامعة أسمى وأطهر…
كيف تقنعني مظلوميتهم انه اجبرهم في مدارسه ومؤسساته على نمط حياة و شعارات ببغائية لا يريدونها…وانا اليوم أرى كيف ان حافظ الأسد بهذا النهج ربى وروض في مدارسه ومؤسساته ماكان يمكن ان تنتجه العائلة والدين من وحوش بشرية….
اجل مدارسه … ومشافيه ومؤسساته وجامعاته …كلها حملت اسم الاسد… ..ولقد اثبتوا دقة التسمية…
لو انها بقيت بعد رحيله كما كانت، مفتوحة امام كل السوريين، لكان لهم الحق في الاعتراض على التسمية … لكنها أغلقت في وجه الجميع وسقطت.
في أيام السقوط الأولى سقط ذلك السد المنيع وسقطنا معه…وبدأت الأسئلة تطرح من كل صوب… اين الخطأ ؟؟ أين أخطأنا وأين الصواب؟…وكانت أصابع الاتهام ، ومازالت، تتجه كلها نحو الأسدين ….وخرج علينا الكثير من المراهقين سياسيا متملقا يتحدث عن رعونة الاسد الذي لو قبل المفاوضات لكان وماكان وكان ..وآخر يصفه بالغبي سياسيا…وووووو والكثير من الهرج الفارغ …
ولكن كما قلت انت… التاريخ ينصف …اجل… ستة شهور كانت كافية لنجد جوابا لكل التساؤلات بعد السقوط…..
يبدو أن الاسد، وقلة قليلة منا، كان وحده من يعي ووحده من يدرك غاية ومسار المؤامرة..وحده ضد العدو…وحده ضد التقسيم…وحده مع العروبة والقومية والقضية الفلسطينية…ووحده من يحرص على الدين والتنوع…
ووحده الذي لم يغدر..اجل وحده…..
(في مسرحية بترا يقول نصري شمس الدين: حطي السياسة عجنب هيدي اول كذبة بحياتي)..اجل السياسة هي أقذر مجالات الحياة …لايمكن أن تنجو وانت نظيف ..عندما تمتهن السياسة ..يجب ان تضع كل الأوراق على الطاولة وتقامر حتى بدينك وكرامتك وشرفك….وان تخفي في جيبك سكينا لتغدر …وتلبس درعا لظهرك خوفا من الصديق….
لقد كانت سوريا الأسد… كانت منه وكان منها…غابا معا…
وبقينا نحن كمن فقد الام والاب ورمي الى الشارع ….
ولم نتمكن الى الان من دفنهم ووداعهم
==================================
اللوحة المرفقة على جلد غزال من تصميم الفنان ادوار اسمندر
ستعود سوريا حين ظهور المهدي عجل الله فرجه