مقال جدير بالقراءة: شيكات حماة… وفزعات حمص – بقلم: الكاتب غير معروف



بعد أن اكتملت فصول المسرحية الأولى—مسرحية المال الذي خرج من الظل، ومن عباءات الشيوخ و”الثوار”، ليتاجر بدم السوريين—لم تمهلنا البلاد يوماً واحداً لنلتقط أنفاسنا.
فما إن انطفأت أضواء “حملة فداء لحماة” حتى اشتعلت أضواءٌ أخرى فوق حمص،
وافتتح السوريون مسرحيةً جديدة،
أكثر دموية،
وأشد عبثاً،
حين قررت العشائر أن تردّ على مقتل عائلةٍ،
باجتياح أحياءٍ كاملة.
وبين مسرحية الأمس ومسرحية اليوم، لم يتغيّر شيء سوى الأدوات:
هناك كانت الشيكات،
وهنا البنادق،
وفي الحالتين كانت الدولة واقفة كأنها ليست الدولة،
وكأن الدم ليس دمها،
وكأن الكرامة التي تُنتهك ليست كرامتها.
ولم يكن مشهد العشائر وهي تهبُّ لتصفية حسابات صغيرة، وتُشهر بنادقها في وجه أبناء جلدتها، مشهداً مفاجئاً لمن يرى الصورة كاملة.
فحين تنهار الدولة، ويتآكل القانون،
تتحول “الكرامة” إلى مزاجٍ عشائري،
وتصبح “الفزعة” صدى لفراغٍ سياسي أكثر منها صدى لشجاعة.
ومضحكٌ—بل موجعٌ—أن تُعلن قبيلةٌ بأكملها “الفزعة العامة” لحادثة ثأر أو خلاف بين شابين، ثم تصمت الصمت كله حين تتجول طائراتٌ أجنبية في سماء البلاد، وحين يتجول رئيس دولةٍ معادية في “مضارب بني طوشة” كأنها أرضه الخاصة.
صمتٌ يشبه الخنوع،
وصخبٌ يشبه الجنون.
أيُّ كرامةٍ هذه التي تُستنفَر لقتل جارٍ أو مغايرٍ في المذهب، ولا تتحرك حين تُنتهَك السيادة جهاراً؟
هي الكرامة المقلوبة،
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ
رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
هلاّ بَرَزتَ إِلى “الأزيرقِ” في الوَغى بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِـرِ
ما جرى في حمص ليس ثأراً أو رد فعل عفوي، بل
استضعاف لمكوّنٍ معروف، وهشّ اجتماعياً وسياسياً، ومعزول عن شبكات القوة. وعندما تستضعف الجماعات مكوّناً ما، تتجمّع حوله كل الغرائز البدائية:
الثأر، الحميّة، الاستعراض، الغلبة، وإظهار القوة.
الدم حينها لا يسيل لأنه جريمة… بل لأنه ..رسالة
هذا ما يُسمى في علم الاجتماع السياسي بـ “العدو المضمون” الذي يمكن مهاجمته دون خوف من ردّ فعل مكلف.
وهنا تتعرى الفزعة:
شجاعة على الضعيف، صمت أمام الندّ، وخنوع أمام الأقوى.
وهكذا تبدو سوريا في هذا الفصل من مأساتها:
قبائل تتقاتل فيما بينها،
وطائرات غريبة تحلّق فوق الجميع،
وساسة يصنعون من الكلام أوهاماً،
وشعبٌ يتفرج على مشهدٍ بلا عقل ولا بوصلة.

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق