آراء الكتاب: في ذكرى النكبة .. ماذا بعد؟؟ – بقلم: عمر جيرودي

لقد مر عام على النكبة السورية
و بلدنا مر خلالها بمنعطفات و تحولات و تغيرات جذرية.
إن ما يصفه الإعلام بنصر و تحرير ما هو في حقيقته و جوهره إلا نكبة حقيقية و عميقة ليس في تاريخ سورية فحسب بل على مستوى الأمة العربية .
إن نكبة الثامن من كانون الأول لعام ٢٠٢٤ لا تقل أهميتها عن نكبة العرب في ١٥ أيار ١٩٤٨ ، فالأولى أسست لقيام كيان مسخ يحتل أراضينا و يستنزف مواردنا و يزرع بذور الشقاق و الفتنة فيما بيننا ،و الثانية أنهت آخر قلعة و حصن و مرتكز فكري و عسكري و لوجستي ضده ،ليستحكم في فرض سيطرته و سيادته على المنطقة .
إن نكبة ٢٠٢٤ لا تنتهي مفاعيلها بسقوط نظام و تغيره بآخر ، أبدا فليس النظام الذي سقط بل سورية دولة و شعبا و أرضا .
و تحرر جمهور كبير من الأبناء العاقيين لبلدهم من مبادئه و أخلاقه و وطنيته.
طوال فترة الحرب المفروضة على سورية كنا نحذر بأنها مؤامرة لتدمير سورية و نهب ثرواتها و حل جيشها و تفتيت النسيج الاجتماعي ، و للأسف فقد نجحت المؤامرة و وصلوا لغايتهم بعد استنزاف و حصار دام لأكثر من أربع عقود كانت ذروته في العقد الأخير .
إن جيشاً في العالم و لا دولة كانت قادرة لتتحمل ما تحملته سورية من حصار و حرب و ظلم خاصة ظلم ذوي القربى لهذه الفترات .فهي قاومت فكريا و اقتصاديا و علميا و اديلوجيا و عسكريا و لوجستيا و بنت تحالفات و محاور و أدوات للحفاظ على سيادتها و استقلالها و صون حريتها.
لكن هذا لم يعجب لا القريب و لا البعيد ، فالقريب عرته و كشفت خيانته و البعيد أفشلت مخططاته فكان يجب محاربتها و شيطنتها و تقزيم كل انجازاتها و إظهار بأن الحرب الممتدة على أربع عشر عاما بأنها حرب أهلية و ضد مكون بعينه من نسيج المجتمع و هذه اتهامات باطلة و كاذبة فقد كنا أمام مشروعين مشروع الدولة و مشروع اللا دولة و التبعية و الذل و الهوان و انعدام الكرامة الوطنية.
حتى وصلنا إلى ما صرنا إليه الآن نهلل و نبارك لتبعيتنا الأمريكي و لبناء قواعد عسكرية له في أرضنا و نسكت عن توغل الصهيوني فيها و نستسيغ كلام الطائفية القذر على أسماعنا ، و ذاكرتنا و أثارنا تهدم و تسرق أمام أعيننا و تاريخنا يزور بكل سفاقة و نحلم بكانتونات كحظائر الحيوانات كي تجمعنا و نرضى بالارهاب أن يحكمنا .
ما هذه سورية التي نرضاها و لن تستمر هكذا ، فهي أرق من الورد و أصلب من الصخر و ستقتلع بعينها مخرز الأعداء الذين تآمروا عليها .
فهذه النكبة الحالية و السقطة التاريخية التي تمر بها لن تكون إلا صفحة طارئة و منبوذه في تاريخها الطويل و العريق .
سلام على سورية .. و هي تستجمع أشلاء روحها من بين رفات شهدائها.



ماذا بعد؟


ماذا بعد يا أيها السوريون؟
ماذا بعد، و بلدنا ينزف من بين أيدينا بأيدينا؟
إلى أين نسير بغيّنا هذا؟ إلى أي مصيرٍ مجهولٍ ندفع بوطننا؟

أإلى تقسيم نرضى؟ أم إلى تجزئة نقبل؟ أبحدودٍ تُرسم بدماء المظلومين والأبرياء الذين زُهقت أرواحهم ظلماً وعدواناً؟
أهذه هي الجائزة التي نكافئ بها من ضحّى بنفسه وروحه فداءً لسوريا؟
أهكذا نواجه الأخطار المحدقة بنا؟!

أما آن لصوت العقل أن يعلو ؟
أما آن للغة الحب أن تسمو؟

خطوات التاريخ كلها ، سورية ليست ملكاً لفئةٍ دون أخرى، ليست حكراً لدين، أو طائفة، أو قومية. ولن تدار أبداً بعقلية الأكثرية والأقلية، فهي أكبر من هذه الحسابات الضيقة وأعظم من هذه التصنيفات البغيضة.

إن استمرار هذا الخطاب الطائفيّ البائس، وخطاب الكراهية المُغذّى بالجهل والألم، لن يقودنا إلا إلى مزيدٍ من الخراب. فهو يحوّلنا من خصوم سياسيين إلى أعداء وجوديين، ويذكّي ناراً لن تأكل إلا بعضنا بعضاً.

فليعلم كلّ منّا: سورية هي كلّ لا يتجزأ ، من القامشلي إلى الجولان ،من اسكندرون إلى التنف، مصيرنا واحد وقدرنا واحد. إن لم نؤمن بهذه الحقيقة إيماناً صادقاً ، ونعمل بها ، فلن يكون لنا وجود ، ولن تقوم لنا قائمة.

علينا أن نتعالى على آلامنا وجراحنا، أن نتجاوز أخطاءنا، أن نسامح بعضنا بعضاً ولو كانت المغفرة جمراً. علينا أن ننبذ خطاب الإلغاء والكراهية ، و أن نعود إلى دولة القانون والمؤسسات التي تحمي الجميع وتحتوي الجميع.

فبدون ذلك، لن تنفعنا أموال الخارج ولا دعمه، لأننا من الداخل سنبقى مشوّهين، فارغين من القيم و الأخلاق ، نخدم بجهلنا وأحقادنا أعداءنا الذين لا يريدون لنا إلا الضعف والذل والانقسام.

فأحبّوا سورية بكل ما أوتيتم من قوة وعطاء وعلم. تذكّروا أنها نسيج متكامل:

· فقمح حوران يكمله زيتون إدلب.
· وقطن الرقة يحتاج إلى معامل حلب.
· ونفط الجزيرة ودير الزور يكرر في مصافي حمص وبانياس.
· وجبال الساحل هي رئة سورية الخضراء.
· وشواطئها هي بوابتنا إلى العالم.
· والسويداء بصماتها البازلتية صامدةٌ عصيّة على من يريد الخراب لسوريا.

ودمشق عاصمة الزمان، لن تكون هي دمشق بلا:

· عزة الساحل
. شهامة جبل العرب
· شموخ حرمون
· خفّة الدم الحمصية
. نخوة أهالي حماة
· تنافسها الإيجابي مع حلب
. ترابطها مع الحسكة.

دمشق التي نادت بوحدة العرب، ها هي اليوم تنشد وتتوسل لوحدة سورية!

حرامٌ علينا… حرامٌ علينا… حرامٌ علينا أن نخذلها.

سورية.. لكِ السلام، ولكِ منّا الواجب قبل الحق.



هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق