
ألا تخجل
وأنت تقول إن الخريطة تغيّرت
لأن “الواقع تغيّر”؟
ألا تخجل
وأنت تتحدّث عن الجولان
كأنه سطر سقط من ملف ورد،
أو طبقة أُخفيت في برنامج تصميم
بضغطة زر؟
ألا تخجل
وأنت تمحو أرضًا
ثم تطلب من الناس
أن يصفّقوا لشفافيتك؟
الجولان—يا سيد شيباني—
لم يكن “سوريًا” لأن الخريطة قالت ذلك،
بل لأن القانون الدولي قاله،
ولأن قراري مجلس الأمن 242 و338
ثبّتاه أرضًا محتلة،
ولأن الدولة—بكل عيوبها—
لم توقّع يومًا على تنازل.
ألا تخجل
وأنت تقدّم حذف الأرض
بوصفه “واقعية”
لا تنازلًا مخزياً؟
الواقعية—يا أبا عائشة—
أن تُسمّي الاحتلال احتلالًا،
لا أن تُعيد رسم الخريطة
كي تُرضي المانحين.
الواقعية
أن تُبقي الأرض على الورق
حتى لو عجزت عن استعادتها بالسلاح،
لا أن تمحوها
ثم تشرح لنا الفرق بين الخريطة والحقيقة.
ألا تخجل
وأنت تحتفل برفع عقوبات
على حساب رفع أرض
من الذاكرة؟
ألا تخجل
وأنت تقول إن الجولان “لم يعد سوريًا”
لأنك لا تملك استعادته اليوم؟
منذ متى تُقاس السيادة
بالقدرة اللحظية؟
لو كان الأمر كذلك،
لما بقيت دولة على الخريطة
ساعة واحدة في التاريخ.
ألا تخجل
وأنت تحوّل الهزيمة—
التي تُغفَر—
إلى مجاملة دائمة—
لا تُغتَفر؟
ألا تخجل
وأنت تُطالب الناس
أن يفهموا “الواقع”،
بينما تستخفّ بعقولهم
وبذاكرتهم
وبحقّهم في السؤال؟
إن كنت لا تستطيع استعادة الجولان،
فلا تمحه.
وإن لم تستطع الدفاع عنه،
فلا تُزيّن خسارته.
وإن أردت الواقعية،
فابدأ بالاعتراف
أن ما فعلته
ليس سياسة،
بل تنازل مُخجل.
اللغة خُلقت للمعنى،
لا لتبرير مسح الأرض من الخريطة.
وما لا تعجز عنه الدبابات
لا يجوز أن تفعله الجمل.
لماذا أُنكر على السويداء أن تحتمي بالعدو خوفًا من المذابح،
ووُصِف أهلها بالخيانة،
بينما يُمنَح اليوم العدو أرضًا سورية بلا مقابل،
ولا حتى بجملة تحفظ الاسم والحق والذاكرة؟
أيُّ منطق هذا الذي يُجرّم الخوف حين يكون دفاعًا عن الأرواح،
ويُشرعن التنازل حين يكون بلا ثمن ولا مقاومة ولا اعتراف بأن الأرض ستبقى سورية
وأن الحق—مهما طال—لا يسقط؟
حين طلبت السويداء حمايةً مؤقتة من المجزرة،
قيل لها: خيانة.
وحين مُسحت أرض من الخريطة،
قيل لنا: واقعية.
أيُّ ميزانٍ هذا؟
وأيُّ فقهٍ يحرّم النجاة
ويُحلّل التفريط؟
الأشدّ مرارة
أن الجولان—قبل أن يكون ملفًا سياسيًا—
هو أرض الآباء (آباء الجولاني) ومدافن الأسلاف.
هو مسقط رأس العائلة “الأولى ” والذاكرة الأولى لها.
فإن كانت الغيرة معيارًا،
فالجولان أولى بها.
وإن كان “الجهاد” أمانة،
فالأمانة تبدأ من الأصل.
أيُترك الأصل مكشوفًا للريح،
ويُشدّ الجناح حيث لا ضرورة!
أتُحاط التفاصيل بالعناية،
ويُعرّى الجوهر!
(كتاركةٍ بيضَها في العراء
وملحفةٍ بيضَ أُخرى جناحًا)
إذا كان مستعدًّا للتخلّي عن أرض الأجداد ومدافن الأسلاف بهذه السهولة،
فما الذي يمنعه غدًا من التخلّي عن حمص؟
أو حماة؟
أو دمشق؟
أو سوريا كلّها؟
الأرض التي تُفرَّط مرة
تصير سابقة.
والتنازل الذي يُبرَّر اليوم
يتحوّل غدًا إلى منهج.
ليس السؤال عن الجولان وحده،
حين تصبح الأرض “تفصيلًا”،
لا تعود هناك حدود نهائية،
ولا مدينة آمنة،
ولا وعد يمكن الوثوق به.
من يسهّل التخلّي عن الأصل،
يسهّل التخلّي عن الكل.
إذا كانوا «جهاديين ثائرين» كما يزعمون،
فالجهاد—في معناه الأخلاقي والسياسي—لا يبدأ بممحاة،
ولا تنتهي الثورة بحذف الأرض من الخريطة.
الثائر يُخاصم الاحتلال،
لا يُطبّع معه بالتصريحات.
والجهادي يحفظ الأرض كأمانة،
لا يُعيد تعريفها كـ«تفصيل واقعي».
الجهاد الذي يبرّر التنازل
ليس جهادًا،
والثورة التي تُطمئن المحتل
ليست ثورة،
بل إدارة خسارة تُقدَّم بلغة بطولية.
إن كان هذا هو «الجهاد» عندهم،
فهو جهاد ضد الذاكرة،
وإن كانت هذه «الثورة»،
فهي ثورة على معنى الوطن نفسه.