المكان : برلين شارع Unter Den Linden امام مبنى السفارة الروسية
الحدث: تم وضع دبابة روسية محطَّمة من نوع T-72 Bأُحضرت خصيصاً من أوكرانيا !
نعم، إنها دبابة روسية مدمَّرة تم وضعها بالامس في الرابع والعشرين من شباط الجاري أمام مبنى السفارة الروسية في وسط برلين بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لإندلاع العمليات العسكرية ضد اوكرانيا في خطوة إستفزازية ولاَّدية غير مسبوقة !.
تم إحضار الدبابة الروسية الى المانيا براً عبر بولندا محمولة على قاطرة ومقطورة ،وتم توجيه فوهة مدفعها نحو مدخل السفارة الروسية!! يبلغ عرض الدبابة الروسية 3.46 متراً وارتفاعها 2.23 متراً وطولها 6.90 متراً. يقول المبادرون القائمون على هذا المشروع والذي بلغت تكلفته ما يقارب 100 ألف يورو، جُمعت من أموال التبرعات وقيل أن “وضع الدبابة الروسية المحطمة يهدف إلى إرسال إشارة واضحة ووضع علامة قوية على احتجاجنا ضد الحرب الروسية، وللتعبير عن تضامننا الكامل مع أوكرانيا!!
. (المصدر: dpa / Paul Zinke : rbb TNN | الصورة: dpa / Paul Zinken
قبل عام بالضبط ، بدأت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. لذلك سنرى على مدار الساعة تلك الدبابة المحطمة أمام السفارة الروسية في برلين تحرسها رجال الامن أيضاً على مدار الساعة !!. اللافت ان هذه الخطوة الهجينة المستهجنة والقائمون عليها قد حصلوا على إذنٍ مُسبق من المحكمة لتنفيذ هذه الوقفة الاحتجاجية المُستفزَّة لإحياء ذكرى الهجوم الروسي على أوكرانيا حسب تعبيرهم !!. ويقال إن الدبابة الروسية T-72 المدمرة سوف تقف أمام مبنى Unter Den Linden لبضعة أيام كنصب تذكاري ضد الحرب.!!
لم أكن في رواية “السائرون نياما ” ديكتاتوراً من ديكتاتوريي المماليك أو الصعاليك أو خروفاً من خراف القطيع الكبير في هذا العالم غير الحرّ إلّا في الدعايات و الأكاذيب
لم أكن أيضاً بصّاصاً من بصّاصي المخابرات العالمية أو العربية من واشنطن إلى موسكو و من الشام لبغدان و من نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر فتطوان لكنّني أتمنّى أن أكون أنا حاملاً راية التأثير لا أكاذيب التبشير و سيف الحقيقة لا خطابات التزييف و النفاق و سندان التصحيح لا آلة الالتواء الأعظم !…….
و لم أكن عارياً في رواية “العراة و الموتى ” لِ “نورمان ميلر” و لعلّي أنا الميت الذي يتنفّس غصباً أو الحيّ الذي ماتت كلماته مذ غزت النذالة وجودنا و قمع المال السياسي و الجهويّ و التجاريّ أحلامنا و طموحاتنا , فكلّ شيء دخل مسار التسييس على مستوى مؤسّسات العالم بأسره لذلك ترانا أشلاء يقذفها التاريخ بلا وجهة أو شطآن أو شظايا متناثرة يقتل بها التاريخ نفسه من يريد مذ لطّخت المجتمعات وجوهها بالقذارة و كسرت كلّ المرايا الحالمة بالتغيير!…….
عندما ننتمي أكثر يحاصرنا القهر أكثر ، و نحن نرى من يذبح أبجدياتنا تحت مسمّى الوطنية و يخون شعاراتنا تحت عنوان الدفاع عن هذه الوطنية فلماذا باتت الوطنية أرخص كلمةٍ للمزايدة على الوطن في الوقت الذي يجب أن تكون فيه هذه الكلمة أسمى كلمات الوجود التاريخيّ و التاريخ الوجودي غير ناسين من يحملون فعلاً هذه الوطنية و يذودون عنها حتَّى الرمق الأخير ؟!…….
تشابه الاقدار في بداياتها يصيب الناس بالهلع .. لأن البدايات المتشابهة تجعل المرور الى نفس النهايات شديد الاحتمال .. وكأن التاريخ معادلات كيميائية او فيزيائية.. ولذلك يحاول الناس القيام بالقياس والتقاط لحظات التطابق الزماني او المكاني والظرفي في محاولة لتسيير الاحداث على نفس مسار رحلات سابقة وكأننا نضع القاطرة على قضبان الحديد التي نعرف الى ان تتجه .. ولكن معظم تطابقات الاحداث ووضع القاطرة على قضبان السكك الحديدية للزمن لم تفلح في أن تاخذ الاحداث الى نفس الرحلة ونفس المحطات والنهايات .. وهذه هي مشكلة التيارات الدينية عموما .. فاليهود يريدون ان يسيروا على درب داود وسليمان.. و هم يسمون أسلحتهم بأسماء من التوراة .. ولايقبلون الا ان يمسكوا بجبل الهيكل لأن اعادة رسم التاريخ هي اعادة للبدايات وبالتالي رسم للنهايات اي بناء المملكة اليهودية الموعودة التي بدأت بسليمان وداود وبناء الهيكل في الخيال اليهودي .. والمسيحيون الجدد يريدون ان يعيدوا اليهود الى جبال القدس لأنها استعادة لبداية قديمة تتنبأ بعودة المسيح عندما يعاد الزمن اليهودي الى جبال القدس .. وقبلهم حاول الصليبيون الغزاة ان يقتنعوا ان الصليب الذي حمل جسد السيد المسيح سيحميهم كلما حملوه لأنه استحضار للحظة مقدسة جليلة ستجبر الاقدار على أن تسير كما يشتهي من يحمل الصليب المقدس .. ولكنهم هزموا أقسى هزيمة في معركة حطين رغم الصليب المقدس الذي حملوه معهم ..
هكذا من يظنون ان الزمن هو سكك حديدية يعرفون اين تبدأ واين ستنتهي .. فهم يظنون انهم يمسكون بالقاطرة ويضعونها على سكك حديدية رسمها الأوائل ولكن مايحدث هو ان القاطرة تذهب في رحلة أخرى واتجاه آخر وقضبان حديدية جديدة لم تكن مرئية .. او تنقلب القاطرة التي صعدوا اليها ..
والمسلمون يعانون من نفس العقدة ولكن في كل مرة يعاد رسم الظروف كي تشبه لحظة تاريخية فان الاحداث لاتأخذ بالاعتبار اي تشابه .. بل ان محمد النفس الزكية عندما اعتصم في المدينة المنورة ضد العباسيين فانه حفر حولها نفس الخندق الذي حفره المسلمون في غزوة الخندق .. وظن انه يعيد ظروف الخندق نفسها وسيحصل على نفس النتائج وكاد يظن ان معركة بين عمرو بن ود العامري وعلي بن ابي طالب ربما ستتكرر وستتبع رياح الصرصر المعركة .. ولكن ماحدث هو ان الخصوم لم ينتظروا حول الخندق ولم يكن معهم بن ود العامري كما فعل ابو سفيان .. بل ان الخصوم خلعوا ابواب الحصون القريبة وجعلوها جسورا فوق الخندق النبوي نفسه وعبروا فوقها وهزموا جيش محمد النفس الزكية ..
ومع ذلك فان المتدينين لايفهمون اليوم – ولن يفهموا يوما – كيف انهم يصلّون نفس الصلوات .. ويصومون ويحجون ويؤدون الزكاة ويلبسون نفس الثياب ويقصرونها كما قرؤوا عن ازياء الصحابة ويقرؤون نفس الكتب ويقلدون التابعين حتى في طريقة ابتسامتهم وفي طريقة نومهم ويمشون على سنة النبي بالميليمتر ويحفون شواربهم ولحاهم .. ومع هذا فانهم فشلوا جميعا في اعادة الاسلام الى فجره او صدره .. بل انهم أخذوه الى عصور الظلام والى ليل عاتم وزمن حالك بلا ضوء .. وتلقوا الهزائم تلو الهزائم التي فاجأتهم .. وهذا مافعلته داعش والاخوان المسلمون والقاعدة وبن لادن والسعودية وكل التيارات الاسلامية دون استثناء وهي تقاتل في كهوف تورا بورا وتظن انها في غار حراء او غار ثور ..
لم يهز الزلزال قطعة في شوارع أوروبة او أبنيتها .. ولم يهز ضميرها السياسي والديني .. ولطالما في لحظات غضبي من هذا البرود الاوروبي كنت اشتهي أن تهتز اوروبة بزلزال لا يقتل أحدا ولايهدم بيتا بل يدخل ساسة اوروبة في لحظة الهلع علهم يفيقون من تحت ركام الثلج والجليد الذي غطى مشاعرهم حتى صارت قلوبهم أشد برودة من القطب الجنوبي وتعشش فيها طيور البطريق .. وحيث صارت لهم دماء الزواحف ذوات الدم البارد ..
ولكن كانت الكلمة دوما هي القادرة على احداث تلك الرجة والصدمة والاهتزاز ويبدو الزلزال أرجوحة للهو أمام قوتها .. الكلمة تملك أحيانا قدرة الزلزلة على هز صفائح النفوس التكتونية هزا عنيفا .. اذا كانت صادقة صادمة مليئة بالحقيقة وهي تصدم الكذب والنفاق الكثيفين بطاقة هائلة ..
اوروبة التي نعرفها اليوم ليست هي اوروبة التي كان الناس يحدثوننا عنها.. فلم تعد تهزها عبارات قديمة عن الحضارة والتحضر والانسان والمعاناة والاخوة .. ولم يعد يهز ضميرها المتبلد الكسول أي مشهد ..
لكن ضمير اوروبة يجلس على صفيحة تكتونية عميقة هي الايمان المسيحي .. وهذا الايمان المسيحي يجب ان يتحرك كي تتحرك القشرة السياسية الحقيرة وتتهدم البنية العقلية للعنصرية والانانية الاوروبية التي تقود نخبها السياسية .. الاب الياس زحلاوي لم يتوقف عن محاولة هز الصفيحة التكتونية للايمان المسيحي الأوروبي عبر التسديد على اقوى نقطة ثقل لهذا الايمان .. انه الكرسي الرسولي الذي صار صمته غير مقبول ولايتناسب مع الايمان المسيحي العميق والنقي .. ولايتناسب مع رسالة السيد المسيح .. الذي صار غريبا في الكنائس الغربية .. ويصلبه الصمت البابوي ثانية في الشرق حيث صلب أول مرة ..
هذه الرسالة العظيمة للأب العظيم الياس زحلاوي هي من أصدق ماقرأت .. ولأنها كذلك فانها تتنقل بين ايدي السوريين مثل منشور ثوري .. انها ليست مجرد كلمات عابرة .. بل انها تراكم العتب وتراكم الغضب .. وستتحول الى تيار مسيحي في العالم كله .. هكذا تبدأ الزلازل الطيبة .. أليس مافعله السيد المسيح هو بالضبط عملية فدائية من أجل الانسان؟ .. ولكنها أحدثت زلزالا عظيما في الايمان الوثني .. واقامت الايمان المسيحي على أنقاضه .. زلزال لم تتوقف ارتداداته منذ الفي سنة ..
اذا لم يتحرك الفاتيكان لايقاف هذا الوحش الذي يمسك ضمير اوروبة فان هذه الرسالة من كاهن سوري .. هي أول انذار يبشر أن من يهمل زلزال الأرض فانه على موعد مع زلزال الرب .. زلزال طيب يهز الصفائح التكتونية للعقيدة المسيحية ..كي يعود الايمان الطيب وينهار الايمان الهش والايمان التجاري .. سورية مسيح العالم المصلوب .. والفدائي الذي دفع دمه من أجل هذا العالم .. وهي ستقوم شاء من شاء وأبى من ابى ..
رسالة شديدة اللهجة من كاهن عربي سوري الأب الياس زحلاوي الى قداسة البابا فرنسيس وهذا نصّها.
صاحب القداسـة، يأخذ الكثيرون عليّ إصراري على الكتابة العلنيّة لك، فيما أنا أرى في ذلك واجباً يفرض نفسَه بقوّة لا تُقاوَم، على كلّ إنسان ذي ضميرٍ حيّ. فكيف به إذا كان كاهناً كاثوليكياً، له مرجعية روحية عليا على مستوى العالم، يمثّلها من يُسمّى نائب السيّد المسيح على الأرض. ولسوف أظلّ أكتب، طالما بقيتَ ممثّلاً ليسوع! وأمّا اليوم، فما يدفعني للكتابة لك من جديد، فإنّما هي خيبتي المريرة من موقفك الأخير، حيال الزلزال المروّع الذي ضرب سورية وطني، وتركيا. أما كان منك، إزاء مثل هذه الكارثة الإنسانية، سوى الدعاء إلى الله، والعزاء للبشر؟ دعني، قبل أن أسترسل، أطرح عليك سؤالي المعتاد: لو كان السيد المسيح مكانك، هل تُراه كان نطقَ بما نطقتَ به، وانكفأ؟ أما كان أضاف إلى كلمتَي العزاء والابتهال، كلمات غضب وإنذار، كما كان يفعل، يوم كان في فلسطين، يواجه بَطَر الأغنياء، وصَلَف المتجبّرين؟ أما كان دعا، على الأقل، إلى وقف الحصار على سورية فوراً، رغم يقينه بأن ليس هناك مَن يسمع؟ وبوصفي كاهناً كاثوليكيّاً من سورية، تخطّى التسعين من العمر، ويدرك تماماً أنه قد يَمثُل في أية لحظة أمام العزّة الإلهيّة، دعني أستحلفك بحقّ المسيح يسوع، هل تُراكَ تجهل حقّاً ما يجري على الساحة الدولية عامّة، وما جرى ويجري، وما يُراد له أن يجري في سورية خاصّة، أقلّه منذ اثنتي عشرة سنة؟ فلِمَ تُراك تتصرّف وكأنّك لستَ ممثّلاً للسيّد المسيح، وخادماً له؟ صاحب القداسـة، حتّامَ تريد أن تتجاهل، أنّ مَن يشنّون الحروب المبرمجة، ويسنّون “القوانين” و”العقوبات” اللاقانونية، بحقّ الشعوب كلّها، ليسوا في حقيقة الأمر، كما يشهد على ذلك تاريخ الغرب الطويل والأسود، سوى قتَلَة، وكَذَبة، وسُرّاق، يحتاجون، قبل كلّ شيء، إلى مَن ينقذُهم من أنفسِهم أوّلاً، كي يسعى من ثَمّ إلى إنقاذ شعوبهم وشعوب الأرض، من شرّهم المتمادي؟ فلِمَ تُراك تصمت، وتبرّر بالتالي، صمتَ جميع المسؤولين في كنائس الغرب الكاثوليكيّة؟ وماذا ستقول للربّ يسوع، إذا ما اكتمل مخطط تدمير العالم العربي، وتشتيت شعوبه، وتفريغه من مسيحيّيه، ولا سيما في فلسطين وسورية، أرضِه ووطنه!؟ ألستَ خادماً له… يسوع إيّاه، الذي قال أحنّ الكلام في المستضعفين في الأرض، وأقساه في المتجبّرين على البشر؟ أليس أضعف الإيمان أن يُعيدَ الخادم كلام سيّده؟ صاحب القداسة، أنت كثير السفر. فما الذي يمنعك من زيارة سورية، لترى بأمّ عينك بعض ما حوّلوا إليه، شعباً أصيلاً في إيمانه، وتسامحه، ونُبله، ومودّته، واليوم في عذابه جرّاء هذا الزلزال المدمّر؟ أما راعك ذاك التفاوت الفاضح بين استجابات “سادة” الأرض، وأُجرائهم الكثيرين، من أجل نجدة تركيا المنكوبة، وتغاضيهم الوحشيّ عن سورية، في ما هي فيه، من صَلْبٍ يتواصل منذ اثنتَي عشرة سنة، وزلزالٍ ماحق، وحصارٍ خانق؟ لكأني بتّم في كنيسة الغرب كلّه، في حاجة ماسّة إلى مَن يتلو عليكم اليوم، وكلّ يوم، قصّة السامريّ الرحيم، كما رواها الربّ يسوع في إنجيله! وإني لأكادُ أسمعه يقول اليوم لكنائسِه كلّها، و”لسادة” الأرض على السواء: “إلى متى أكون معكم؟ وحتّى متى أحتملكم؟” أم تُراكم تريدون أن تسمعوا منه سَيل الويلات الرهيبة، التي صبّها على رؤوس مُنكريه، كي يوقظَهم، يومَ يئِس من إصلاحهم؟ إلاّ أني، يا صاحب القداسة، أؤثر، في ختام هذه المصارحة البنويّة، أن أذكّرَك، اليوم أيضاً، ببعض ما ارتأى الربّ يسوع، في حكمته ومحبّته، أن يقولَه في دمشق بالذات، كما تَبيّنَ لكَ وللمراجع المختصّة في روما. فمنه ما قاله عام 2004، أي قبل الحرب على سورية بسبع سنوات، ومنه ما قاله خلالها، عام 2014. وإنّ لَفي أقواله هذه، حُكماً بالغَ القسوة بحقّ الغرب كلّه، كما أنّ فيها أيضاً وعوداً مستحيلة بشريّاً، تجاه الشرق كلّه. وفيها أخيراً وعيدٌ قاطع، بحقّ مَن شبّههم بيهوذا! ففي 10/4/2004، قال يسوع: « وَصيَّتي الأخيرةُ لكُم: اِرجِعُوا كلُّ واحدٍ إلى بيتِه، ولكنْ اِحملوا الشَّرقَ في قُلوبِكم. مِن هنا انبثقَ نورٌ من جديدٍ، أنتم شُعاعُه، لعالمٍ أغوَتْه المادّةُ والشّهوةُ والشّهرة، حتّى كادَ أن يفقِدَ القيمَ. أمّـا أنتُم، حافِظوا على شَرقيَّتِكم. لا تَسمَحوا أن تُسلَبَ إرادتُكم، حريّتُكم وإيمانُكم في هذا الشّرق. »
وفي 17/4/2014، قال يسوع: « الجراحُ التي نَزَفتْ على هذِه الأرضِ، هي عينُها الجراحُ التي في جَسَدي، لأنّ السَّببَ والمسبِّبَ واحدٌ. ولكنْ كونوا على ثِقَةٍ، بأنّ مصيرَهم مثلُ مصيرِ يهوذا. »
ينتابني احساس يشبه الاحساس الذي تحكي عنه الاساطيرعندما يتبارز أخوان لايعرفان ان الاله فصل بينهما منذ ولادتهما ونشأا غريبين .. وان سيف أحدهما ان قتل غريمه فانما يقتل أخاه .. وربما مثل شعور أوديب وهو يقتل اباه وهو لايدري انه طعن اباه في قلبه .. ولذلك فان الحديث عن زلزالين واحد في سورية وآخر في تركيا غير واقعي .. والحقيقة العارية هي ان كل الزلزال وقع في سورية .. ولم يمسس تركيا الا بأطراف أنامله .. لان جنوب تركيا هو الشقيق التوأم لشمال سورية .. ولكن الشقيق الذي يرتدي الطربوش التركي مخطوف منذ مئة سنة والشقيق الجنوبي أضاع شقيقه الشمالي ونسيه وهو يلملم أشلاء كبده المبعثرة بين عصابات الهاغاناة وعصابات دولة لبنان الكبير حيث فراخ وحراس سايكس بيكو .. سايكس وبيكو الجزاران اللذان فصلا الأشقاء السوريين .. ولايزال الاخوة الى الأن يلتقون في طرقات الشرق الاوسط ولايعرفون انهم أشقاء .. بل ربما تباروزا وتقاتلوا وسفك بعضهم دماء بعض ..
لااريد أن أثير اي نقاش وجدل حول تداخل مشاعري الوطنية مع ميلي السياسي وعقيدتي .. لكن التاريخ يأبى الا ان يهمس في أذني ويقول لي ان الزلزال الذي وقع انما عض سورية في لحمها ولامس تركيا ولعقها مجرد لعق .. وان المصاب في معظمه وقع على أرض سورية الطبيعية ..
فالخرائط الجديدة للدول كما نعلم كلها مزورة وكاذبة وهي لاتعكس واقع الأعراق والدم ومنطق التاريخ .. وهي خرائط سايكس بيكو التي صنعت خارطة اسرائيل من لحم سورية وابنتها فلسطين .. وخارطة تركيا من لحم سورية واليونان .. أما خرائط الله فانها تقول شيئا آخر ولاتعترف بسايكس بيكو .. واذا أردنا أن نصدق خرائط التاريخ وخرائط الدم فان الارض التي وقع عليها الزلزال هي أرض سورية .. لأن بطن تركيا الحالية كله تشكله كيليكيا السورية والجزيرة الفراتية .. وسكانها سوريون .. والزلزال دمر انطاكية السورية ولواء اسكندرون وشمال سورية وادلب وحماة واللاذقية .. ولكن وحش الزلزال لعق وجه تركيا شمالا لعقا فقط .. بعد ان عض وجه سورية ومزقه في أرض كيليكية واسكندرونة وادلب وحماة واللاذقية وحلب ..
ولذلك فان الحقيقة يجب ألا تغطى بالاكاذيب .. فالدم ليس ماء كما يقال .. ودم الارض في جنوب سورية هو من نفس فصيلة دم الارض في شمال سورية .. وهناك مشاهد يخفيها الاعلام هي التي تكشف الخرائط الحقيقية .. فسلوك البشر يكشف حقيقة خرائطهم وانتماءاتهم .. والحقيقة الساطعة الأن هي ان هناك عنصرية تركية ضد العنصر العربي والسوري تجلت بوقاحة في الزلزال .. وأدرك ذلك السوريون اللاجئون الذين عاملتهم السلطات التركية باهمال وتقزز مفضلة العنصر التركي وغير مكترثة بحياة أي منهم وهم المعارض ن المقاتلون الذين سرقوا سورية ودمروها كي يهدوها لعيون السلطان العثماني .. ولكن العنصرية التركية لم تتوقف هنا بل استيقظت فجأة ضد السوريين الاصليين في كيليكية وانطاكية والذين تصفهم انهم مواطنون أتراك وان تلك المدن هي تركية .. ولكن الزلزال كشف ان الاتراك لايعترفون بهؤلاء المواطنين على انهم أتراك .. وهم لايكترثون بهم .. ويبدو أن الاتراك يدركون ان هذه المنطقة لاتزال تتذكر في قرارة نفسها وقلبها وجيناتها انها ليست تركية .. وان في أعماق ذاكرتها حنينا الى الحقيقة .. وهي انها أرض سورية .. فكثيرا ماوجد عمال الانقاذ الاتراك بين الانقاض دلائل على ان سكان تركيا الجنوبيين لايزالون يحسون بسوريتهم التي يخبئونها كالاسرار العظيمة .. وأنهم اذا ماسنحت الفرصة لهم والظروف فانهم سينفصلون يوما عائدين الى وطنهم الأم سورية .. وأن خريطة أتاتورك بضم حلب والموصل وفق الميثاق الملي تهددها خريطة أخطر وهي انفصال الجنوب التركي عائدا للالتحاق يوما بحلب والموصل .. اخلاصا لميثاق أكثر قدسية هو الميثاق السوري او مايسميه الزعيم انطون سعادة (الأثم الكنعاني) .. كما كان لآلاف السنين ..
في تفاصيل الزلزال ويومياته كان السوريون الاصليون سكان الجنوب التركي (المسروق من سورية) يعانون من اكتشاف انهم مواطنون من الدرجة الثانية في تركيا .. فقد حطم الزلزال أستار الوهم .. فهذه مجموعة من المنشورات التي تسربت من سوريين وقفوا وجها لوجه أمام الحقيقة وهي انهم يعاملون بتمييز عنصري فيما الاولوية لانقاذ العنصر التركي أولا .. وأنهم كأتراك من أصول سورية مشكوك بانتمائهم دوما حتى في ظروف الزلزال .. وان قلوبهم يتم التجسس عليها ..
انه سفربرلك جديد بلباس الزلزال .. السفربرلك القديم أظهر عنصرية الاتراك في زلزال الحرب العالمية الاولى .. وهذا الزلزال الطبيعي أظهرهم على حقيقتهم مجددا .. حتى أن البعض وصف اهمال الاتراك لحياة السوريين أو الاتراك من أصول سورية على انها ابادة عرقية مقصودة ..
رسائل خاصة من كيليكا ولواء اسكندرون السليب
في بلدة اليردة، في لواء اسكندرون السليب، وهي البلدة التي تظهر من كسب على بعد بضعة كيلومترات أو أقل، وهي بلدة عربية أساساً تم ترحيل أغلب سكانها وإسكان مستوطنين مكانهم في الثلاثينات، وتغيير اسمها إلى يايلاداغ (أغلب أهالي حي المارتقلا والأمريكان في اللاذقية ينحدرون من هذه البلدة) تم منع النازحين السوريين حتى من دفن موتاهم بعد الزلزال، واضطروا لدفنهم في تخوم غابة بعيدة، ولم يكن هناك ماء للوضوء، فتيمموا بالتراب.
ينقل الصحفي التقدمي مراد باي عن أحدهم أنه قال ما معناه “فهمنا أن البشر غير متساوين فوق التراب، ولكن كنا نظن أنهم متساوون تحته”
حتى الآن لم تسمح دولة الإخوان في تركيا بدخول خيم إلى مدينة السويدية الساحلية، في لواء اسكندرون السليب. وهي تصادر الخيم الواردة من متطوعين في الخارج. ويقول الأهالي إن الدولة تقوم بتحضير مخيم جماعي تسكِن الأهالي فيه قسراً، وذلك تمهيداً لحملة إعلامية تحاول إخفاء الإهمال، أو ربما القصد، الذي تسبب بوفاة المئات دون داع عبر تصوير المخيم وإظهار الأمر وكأنها أنقذت الضحايا.
هناك عشرات الأبنية المنهارة، التي لم تقترب منها فرق الإنقاذ حتى الآن، رغم تأكيد أشخاص بأنهم سمعوا أصواتاً حية منها. ولكن الفرق أصمت أذنها، والأصوات نفسها صمتت أخيراً ولا سيما بعد البرد القارص الذي ضرب المنطقة.
عناصر الأمن يقومون باستخدام القوة المفرطة بحق المواطنين بلا مبرر، ولا يقومون بدورهم في مكافحة عصابات السطو التي أتت من حيث لا يدري أحد. وبالمقابل شكل من بقي من شبان البلدة لجاناً شعبية عفوية، مسلحة بالسلاح الأبيض، للتدخل في كل حالة مشتبهة لعصابات تنبش الأنقاض. وقد وردت أخبار عن أشخاص يقومون بكسر حنك الضحايا كي يحصلوا على الأسنان الذهبية منها.
ولا تزال العنصرية التركية الشهيرة تطل بقرنها بحق السوريين. يقول أحد التقارير إن المناطق المتضررة أخليت من سكانها ولم يبقى إلا السوريون الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه. وفي مرسين انتفض أتراك بسبب إسكان مجموعة من السوريين المتضررين في سكن جامعي، وأجبروا السلطات على إخلائه، وليس معروفاً مصيرهم بعد.
ملاحظة مهمة: تم اغفال ذكر مصدر المعلومات والصور حرصا على سلامة المصادر من الداخل السوري المحتل في لواء اسكندرون المحتل حيث الرقابة البوليسية والاستخبارات التركية تلاحق اي نشاط سوري وطني وتعامله بمنتهى القسوة والبطش دون أي تردد مثل أي قوة احتلال .. فعذرا من الجميع.. واخص المصدر بالاعتذار لان الاغفال المقصود لم يكن بغاية التجاهل بل الحرص والخوف على سلامته وسلامة المتواصلين معه.
لكل زمن خرافاته .. ولايبدو ان العقل البشري يتغير عندما يواجه أسئلة صعبة .. فقديما كان البشر يظنون ان الكوارث هي عقوبات من الآلهة .. وكان هناك خرافات مضحكة ولكنها كانت جزءا من ايمان البشر حتى زمن قريب .. والزلازل كانت تفسر على انها تحدث لأن الارض تجلس على قرن ثور كوني .. واذا تعب هذا الثور من تموضع الارض فوق قرنه نقلها الى القرن الثاني فيحدث الزلزال .. ولكن نظرية الثور والقرن لاتزال ولم تتلاش بل جرت عليها تعديلات تناسب الرواية الجديدة للخرافة .. وماحدث هو ان الثور صار في الخرافة الجديدة هو أميريكا نفسها .. وطبعا هناك من يبحث لنفسه عن دور العبد لا دور السيد .. وهناك من يبحث عن اله يعبده وثور كوني يخضع لارادته .. وهؤلاء هم من يبحث عنهم الباحثون عن العبيد .. وأميريكا منذ ولدت تبحث عن عبيد وعن دور الاله والثور ذي القرنين الذي يبيد الحضارات ويقضم الأعراق .. واذا ارادت شيئا ان يكون فيكون .. وهذا صار جزءا من العقلية الفوقية العنصرية في النخب الامريكية .. حتى ان احدى وسائل الحرب النفسية علينا ابان الحرب الكونية ان البعض اعتبر ان قرار اميريكا المتفوقة والامرة والناهية على ههذا الكوكب بأن على الاسد ان يرحل وهو قرار غير قابل للطعن ولاراد لهذا القرار القدري الذي أقرته اميريكا .. وهو لم يصدر على اي رئيس قبل ذلك الا وتم تنفيذه لأن اميريكا ان قالت شيئا فانه قدر محتوم ..
لايمكن ان يغفل احدنا ان اميريكا متطورة ومتقدمة ولكن جزءا كبيرا من صورتها ترسمها آلتها الاعلامية الضخمة وهي توزع صورة اميريكا على انها الاله .. ولاأستبعد ان ادعاءها بزيارة القمر كان له أثر نفسي كبير يقربها من مرتبة الاله لأن الاله وحده هو من يقترب ويلامس الكواكب .. وكلنا نعرف ان هذه الزيارة اليتيمة للقمر لم ولن تتكرر لأنها لم تحدث الا في الاستوديو بعد ان تكشفت حقائق هذه العملية والخديعة .. ولكن القاءها بالقنبلة النووية على اليابان وانتصارها على الشيوعية أضافا لها بريقا جديدا ونوعا من الهيبة والرهبة .. وهي تقف منتصرة وتضع حافرها على جثتي هيروشيما وناغازاكي .. وبعدها على جثث ماركس ولينين والشيوعية في قلب الساحة الحمراء .. وكأنها تقول ان الملحدين هزمهم أنصار الاله أو هزمهم من صار الها ..
لغة الأرض لا يفهمها القتلة لأن مهمتهم تقتصر على التنفيذ مجتمعين مثل تجمع ذئاب على قطعان ماشية ومثل أنواع من البشر الغربيين المتحضرين يمهروا بحوافرهم على الورق المتضمن أي شكل من الجنون الكوني بكل أنواعه عسكريا ودعما ومتابعة حتى التدخل المباشر وصولا الى العقوبات على وطني الكبير.
الصوت الذي سمعه عقلي وأحاول ترجمت لغته الباطنية هو أنين كريات الدم السورية والدماء الرديفة والصديقة والمساندة الوفية
على تجاورها مع الدم الخبيث والأجساد القذرة لبشر معمى على عقولهم ولابصر ولابصيرة لهم في ما إقترفت وتقترف يداهم بحق الإنسانية والجوار والقربة وأحيانا الشقيق والأولاد.
هذي الدماء على صوتها مع طرق طبول الموت الجديد وراحت تشق طريقها رغما في أوردة وشرايين الأرض عكس رغبتهم بالإمتزاج والمسامحة والنسيان وقول كلنا موتا وخسرنا هذه المعركة فلنتقبل أن نموت جميعا ويرقص الغرب على أجسادنا.
خط سير دمائنا كتبت عنه من سنوات وهو من الدماء الى مستنقع الدماء.
لكن هذه المرة يلتحم دم الأباء الشهداء المقاومين المقاتلين مع دم عائلاتهم وفي شرايين أراضيهم ومنازلهم المتعبة المنهكة من ألم الفقدان والحصار تجويعا.
تنافرت كريات دم بواسلنا من مدنيين وعسكريين ومقاومين من نسل شريف
مع كريات دم المسلحين الخونة والقتلة المأجورين وكل مرتزق قطع بلاد ليفرغ هوسه ووحشيته في الجسد السوري العظيم.
فلتكمل رحلة زلازل البشر وليكتبوا ماشاؤ
نحن نرسم مافوق الأرض وماتحتها عكس إرادتهم وكل جولة تؤكد لنا اليقين
أسوأ مافي الجسم العربي هو أذناه وعيناه لأنهما وسيلة اميريكا لركوب عقله .. عقله مثل الحصان واذناه وعيناه مثل اللجام والركاب .. وكلما أرادت أميريكا ركوب هذا الحصان العربي أمسكته من لجامه ووضعت قدميها في ركابه .. وجلست على سراج مصنوع من الأسر المالكة العميلة العربية والجهل العربي والتنظيمات الغريبة ذات الطبيعة والتركيبة الماسونية التي تشبه رأس الهيدرا كلما قطعت رأسا برز لها رأس جديد مثل التنظيمات الاسلامية .. فأنت تضرب الاخوان المسلمين فتخرج من مكان القطع القاعدة .. وتقطع رأس القاعدة فتخرج من نفس المكان داعش … وتقطع داعش فيعود اليك راس الاخوان المسلمين ..
ولعلكم تذكرون الهجوم المسعور على شعار “لاصوت يعلو فوق صوت المعركة” .. شعار هاجمه الاعلام العربي كثيرا .. وسخر منه ومزقه مثقفو العرب .. بحجة انه شعار الديكتاتورية كي تحكم الشعب من غير ان تحاسب .. وانه غطاء تغطي به القمع والديكتاتورية .. وصار الجميع يستجيب لشعار ان الحرية والفلتان في الكلام هو نوع من حرية التعبير المقدسة التي لايجب ايقافها .. وكان الغرض من تكسير المقولة ليس انصاف الناس وليس انصاف الحرية واعادة الكرامة للانسان بل من أجل ابعاد الناس عن خطاب المعركة .. واحلال شعار محله اسمه (لا صوت لأي معركة) .. وأخذهم الى خطابات أخرى تعنى بهوامش القضايا الثانوية .. تعنى بالصراع الديني وبنشر الجهل والتخلف وفتح أبواب الحروب الاهلية والشقوق الطبقية والأقليات والعرقيات .. كان من الخطأ الاستجابة للعبة القذرة والانصياع لالغاء صوت المعركة من أجل ان ينشغل الناس بمعارك تافهة جانبية .. وكان من الممكن دوما ان نبقي شعار (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) وان نرفع الى جانبه قضايانا الداخلية بطريقة مدروسة وذكية بدل محو صوت المعركة من أجل رفع صوت صندوق الانتخاب وصوت العشائر والمذاهب واصوات الطامحين لدور سياسي انتهازي ..
هل نعيد تذكير انفسنا بأن العرب والمسلمين هم من مولوا كل حروب اميريكا في منطقتنا بأموالهم وأبنائهم ؟ منذ هزيمة حزيران وحرب اليمن التي عاقبت عبد الناصر والقومية العربية كلها .. الى معركة افغانستان التي عاقبت السوفييت على نصرتهم للعالم الثالث .. الى حرب العراق وايران – التي عاقبت ايران ودمرت العراق وايران معا – الى حرب عاصفة الصحراء وثعلب الصحراء .. الى الربيع العربي المشؤوم… كلها حروب أمريكية كانت بتمويل عربي ودعم عربي خفي وعلني واعلام عربي لايخجل … وكل الجنود في كل هذه المعارك كانوا من أبناء المنطقة .. وكل التمويل من أموال المنطقة .. وكل التبرع قام به أبناء المنطقة .. ولم تخسر اميريكا فلسا واحدا .. فالفواتير الدموية والأموال كلها عربية .. والضحايا عرب .. والمدن المدمرة عربية .. وكل هذا بسبب ان بين العرب طابورا خامسا مجوقلا عملاقا ينعق مع كل ناعق ويميل مع كل مائل ..
قدرنا أن نجلس على حدود الشقوق والفوالق الكبرى .. وعلى حواف الصفائح التكتونية التي تراقص بعضها .. وقدرنا أن نجلس على حواف الفوالق الجغرافية .. والفوالق السياسية .. وعلى حواف الفوالق الحضارية حيث تتناطح الحضارات على نفس فوالق الزلازل .. وكأن هذه البقعة من العالم تثير شهية الأرض كي ترقص .. وتثير شهية التاريخ كي يرقص فيها .. وتثير شهية الجغرافيا كي ترقص فوق الحدود .. وتثير شهية الغزاة كي يمروا عليها .. تثير شهية الموت كي يبقى فيها كما تثير شهية الحياة كي تنطلق منها ..
الزلزال هز الأرض بعنف .. وهز الثريات المعلقة في السقوف بعنف .. وهز الاجساد .بعنف . وهز الحياة .. وشق صدور الجدران .. وبقر بطون المدن و الارض .. وهشم أجساد وعظام البيوت .. وهز الموت اصبعه الزلزال في وجوهنا .. وهانحن اليوم نجلس بعد هذه الرجة الهائلة للأرض .. نجلس ونتأمل في ما جمع الزلزال في حقيبته من أشلاء وعظام للبيوت وجثث الشوارع .. ولحم البشر .. وغرف من دموعهم وملأ بها زجاجته الضخمة كأنها الدرر .. أو أنها نبيذ الأرض ..
وجاءت اللحظة التي نجلس فيها الى مابقي فينا من صبر وحان وقت أن نسأل عما أراد الزلزال ان يقوله لنا؟ وماذا سنقول له؟ ..
لن نعاتب الله .. ولن نشكوه الى نفسه .. وسنقول ان الله يقسم الارزاق والمصائب بالعدل بين البشر جميعا .. ولكن في هذا الزلزال كأن الأقدار أصيبت بالجنون والفصام .. فلم كل هذا البلاء؟ زلزال يطبق علينا في قلب الليل .. في قلب البرد .. في قلب العاصفة .. في قلب الثلج .. في قلب الفقر .. في قلب الحرب .. في قلب الحصار .. في قلب اليأس .. وفي قلب الأمل ..
ماذا أراد الزلزال ومن صمم هذا الزلزال في السماء أن يقول لنا؟ ماهي الدروس والمواعظ التي ألقاها هذا الزلزال المجرم الاخرق؟ .. وماهي المواعظ والدروس التي تعلمناها عن الحضارات وعن نشوء الانواع وتطور الانسان ونظرية الارتقاء؟ لله حكمته وارادته وقراره الذي لانملك القدرة على التدخل فيه .. وان كنا نمتلك الجرأة على التسليم بقضاء الله وقدره .. فاننا نسلم بقضاء الله وقدره مع العتاب .. واصرارنا اننا لم نفهم لم فعل بنا هذا؟
الزلزال انتهى وقام بواجبه ونفذ مهمته التي خلق لها .. ونحن سننهض من تحت الركام كما في كل مرة ونمشي فوق الزلزال الذي مشى على جثثنا .. كما مشينا على ركام زلزال السياسة .. وزلزال الجغرافيا .. وزلزال التاريخ .. فمن جلس على حافة الصفائح التكتونية يعرف ان الارض قد تهتز به في أي لحظة … وهو لن يغير مكان بيته فوق بيت ابيه وجده .. ومكان قلبه بجانب قلب ابيه وجده .. ومكان قبره بجانب قبر ابيه وجده .. حتى وان راقصت الصفائح الصفائح وان غازلت الزلازل الزلازل ..
ولكن من وجهة نظري فان الزلزال الاخر الذي حدث هو زلزال في مكان آخر .. انه الرجة الكبيرة التي ظهرت في حقيقة ان من يحكم في الغرب هم نوع من بقايا الانسان في طريق رحلته ونكوصه نحو الحيوان .. فهذه اللامبالاة بزلزال سورية في النخب الغربية والطبقات السياسية التي وجدت فيه فرصة للتشفي والانتقام من البشر وصارت تبحث عن الاعذار في عدم انتشال الضحايا لأنهم يخضعون لقيصر .. هذه النخب من أشباه الانسان تسبب الحرج للنوع البشري كله .. فهذه ظاهرة مثيرة للقلق عندما يتوقف الارتقاء والتطور البشري ويبدأ رحلة العودة نحو البهيمية ونحو مرحلة القرود .. وتبدأ مظاهر التآكل في عملية تطوره النفسي والاخلاقي والحضاري .. فهل هناك أي منطق في التاريخ يقول ان الكوارث الطبيعية تخضع لنفس حسابات النظريات السياسية؟
أظن ان اكثر من اهتز في الزلزلال هو نظرية الارتقاء والتطور لصاحبها تشارلز داروين .. وهي النظرية العبقرية التي تفترض اننا حيوانات أرقى .. واننا نهضنا من قاع السلم البيولوجي وتسلقناه حتى صرنا في ذروته .. ولكن لم يقل صاحب النظرية ان هناك مؤشرات وطفرات دفعت بنا الى ذروة السلم .. الا ان هناك طفرات أخرى قد تدفع تحرك التطور نحو الاسفل في حركة الانحدار .. وان هذه الطفرات الدنيا بدأت تظهر في النوع الاوروبي .. فما فعله هذا العالم في سني الحرب كان فيه بعض الجدل ربما .. وكان من الممكن التذرع بالسياسة .. وبالغطاء الاعلامي .. والتضليل .. وكان من الممكن التذرع بصراح الحضارات .. ونهاية التاريخ … ولكن الزلزال كشف عن عورة قبيحة في نظم الحكم الغربية التي مافتئت تتحدث عن أخلاق الانسان .. فيما هي تتمتع بأخلاق الحيوان .. وتكشف ان نظرية داروين كانت على خطأ او انها تحتاج الى تعديل واعادة نظر .. فما حدث لم يكن انهيارا للابنية فقط وتحركا للصفائح التكتونية .. بل كان انهيارا للنظريات والصفائح التكتونية لنظرية التطور والنشوء ..
فالذي تعرض للاهتزاز العميق وكانت بؤرة الزلزال فيه هو ايماننا ان الانسان تطور ونهض وانفصل عن حيوانيته وخاصة الانسان الاوروبي الذي تبين انه باقترابه من نقطة الاشباع التقني والاشباع الحضاري .. بدأ رحلة الانحدار في تطوره النفسي والبيولوجي .. وسقط ظننا ويقيننا أننا في زمن هذه الحضارة الغربية أكثر تطورا من القرود التي نشأنا منها كما قال داورين واننا ابتعدنا عنها .. وتبين لنا ان الحضارات لاتسقط بالهزائم وتقلبات مصائرها السياسية أو بالزلازل .. بل انها تسقط عندما تنحدر نحو سلوك الحيوان في جشعها وطمعها وفي شهوة الانتقام في رؤية الكوارث هدية من الله اليها كما نظر الاميريكيون الى القنبلة الذرية على انها هدية الرب الى المؤمنين كي يدافعوا عن أنفسهم وايمانهم بهذا الشكل المجنون ..
فلم يبد الاوروبيون متلعثمين او محرجين وهم يتجاهلون المأساة الطبيعية التي تجاوزت حدود تركيا وضربت سورية .. وتعاملوا مع الزلزال على انه زلزالان .. زلزال يقف عن الحدود والمعابر .. ولايملك فيزا او صورة شخصية او جواز سفر عبر وسائل الاعلام وتاكله ألسنة الصمت والتشفي .. وزلزال تحمل له أمتعته وجواز سفره وسائل الاعلام ووسائل البكاء ..
الزلزال زلزالان .. زلزال سمعوا به وسمعوا صهيله وزئيره وشمروا عن سواعدهم للمساعدة في مواجهته .. وزلزال صامت لاصوت له ولا صدى وليس لضحاياه اي أثر.. فقد تبخروا من التاريخ والوجود الحسي .. فزلزال تركيا أخذ زلزال سورية من الاحاديث .. وصار هناك زلزال يصيب حكومة الأسد وزلزال لايصيب حكومة الاسد .. وصار للزلزال هوية سياسية ووظيفة ؟؟ فهو حليف جديد للغرب ولقيصر يساعده في معركة احتواء هذا الشعب الذي لم يستسلم .. ولذلك تم التعامل مع الزلزال السوري على انه هدية من الاقدار لجهود قيصر في اضعاف شكيمة الشعب السوري .. ونقل الاهتزازات المرتدة الى أعماقه والى تضاريس روحه المتعبة بزلازل السياسة .. للأسف تبين لنا اننا اذا شرحنا نظرية داروين اليوم لوجدنا انها ناقصة لأن الارتقاء البيولوجي وتطور الانواع هو عملية لاقيمة لها على الاطلاق .. فذكاء الانسان وقدرته على هزيمة الحيوانات والانواع الاخرى ليست ذات قيمة بيولوجية .. وهي اتجاه اختارته الطبيعة لأسباب نجهلها .. وتبين ان النظرية مضطرة الى تعديل نفسها .. فالنوع الذي يرتقي لايستمر بالارتقاء .. بل يصاب بالنكوص والعودة والانحدار عائدا الى مابدأه عندما تفشل قواه الحضارية والأخلاقية والعقلية على التطور ومجاراة الارتقاء بالروح والقدرة على التخلص من شهوة الانتقام والافتراس التي تتمتع بها الضواري .. وهذا النوع البشري الذي تطور في الغرب في شكله وصار أكثر نعومة .. وأصابعه أدق وهو يضرب على ازرار الكومبيوتر .. صارت روحه تعاني من انحدار وتقهقر في قوة مواجهة شهوة الحيوان بالافتراس .. والانتقام .. فخلف الأصابع الدقيقة ينهض حيوان ضار
في حربنا مع الغرب كنا نظن اننا نحارب من أجل استقلالنا الوطني .. واننا نتعامل مع عقيدة استعمارية .. ولكن الزلزال كشف شيئا آخر وهو أن هذه المعركة مع الغرب ليست فقط معركة استقلال .. بل معركة بين الحضارة واللاحضارة .. بين أخلاقنا وأخلاقهم .. بين نبلنا ونذالتهم .. بين ارادتنا وارادتهم .. بين نظرية داروين في الارتقاء والتطور .. ونهايتها بانحدار الانواع .. فنحن من نحافظ على ارتقاء النوع البشري .. وهم من يجر النوع البشري للانقراض سواء بالحروب او النكوص التطوري والروحي وعودته الى البهيمية ..
ولذلك ومن أجل ذلك كله أحس أن الزلزال قد ايقظني أكثر الى ان مسؤوليتي كبيرة جدا على هذه الارض .. وانني ولحكمة أرادها الخالق أقف كمشرقي على حافة هذا الفالق الحضاري كحارس للانسان .. وحارس للتطور البشري النوعي .. وحارس للقيم .. وحارس للحضارة .. ومعركتي لم تعد من أحل نهاية التاريخ او بدايته .. وليست من أجل اي نظام سياسي .. وليست من أجل الرأسمالية او الاشتراكية .. وليست بين الايمان واللاايمان .. بل هي معركة النوع البشري مع أشباه البشر الذي يبدؤون رحلة النوع البشري نحو مرحلة الحيوان ..
نحن سنبقى بشرا وفي ذروة السلم .. ولن نقبل أن ننتمي الى عالم اشباه الانسان واشباه الحيوان حيث الغريزة وحب النفس والشهوة والمادة .. ولن نسلم هذا العالم لأشباه الانسان .. وهذا الفالق الزلزالي هو مابين الانسان واللاانسان .. ولذلك فاننا مرفوضون من قبل عالم الحيوان .. الذي يريدنا ان نقبل بالسير معه الى العالم السفلي وعالم الكراهية والحقد البهيمي الذي يهوي اليه ..
عالم الحيوان الذي يعود الى براري اوروبة بعد غياب طويل .. يبدأ بالعنصرية من أجل العنصرية والكراهية .. ويتطور بمزيد من الكراهية للبشر .. وحب الذات .. الى حد الموت بالذات .. كما يموت الحيوان ..