الكتابة عن العدو بانصاف من هواياتي لأنني أحترم نفسي وسلاحي عندما أقر لعدوي بشجاعته .. فالكتابة بانصاف واعتراف عن العدو فيها فخر وزهو لأنه سلوك الفرسان .. ولايجب ان تغمط الابطال حقوقهم حتى لو كانوا اعداء .. ولاأخفي سرا أن قلت كم تمنيت ان أقوم بكتابة مقال أثني فيه مرة واحدة على هذا الرجل التركي المتعصب الهمجي الغريب الاطوار اردوغان .. فقد بحتث في سيرته الذاتية فلم أجد سوى انه قفز من بائع بطيخ الى رئيس دولة .. ولكن حتى هذه القفزة تبين انها قفزة ماسونية ساعدته على تجاوز معلمه نجم الدين اربكان الذي حذر منه ومات ولايزال موته يربط احيانا بمنظمة سرية تعمل لصالح اردوغان لاسكات أربكان بعد ان اعلن شكوكه في اردوغان ..

انتظرت طويلا كي أقوم بكتابة عبارة تثني عليه تختلف عن العبارات التي كتبت عنه في مسرحيات النفاق التي أقامها له محبوه في ديفوس ومرمرة .. ولكنني فشلت ليس لانني أكرهه بل لأنه مشبوه ويتصرف بعيدا عن الفروسية والشهامة والخيلاء وله أخلاق القراصنة .. فهو الذي يقدم نفسه على انه سلطان وخليفة المسلمين الا انه لم يتصرف كخليفة بل كقرصان يسرق القمح والذهب والنفط ويسرق الحقول والاموال والمصانع ويسرق البيوت ويرمي بالناس في البحر من اجل بيعهم في أسواق اوروبة كما يبيع النخاسون وتجار الرقيق البشر .. وهو يتخلص من رفاق دربة ويغدر بهم .. وفي يوم يعانق زعيما ويسميه أخاه ثم في اليوم التالي يتآمر عليه ويدبر اغتياله .. كما حدث مع جميع الزعماء العرب الذين استقبلوه وفتحوا له بيوتهم فطعنهم جميعا وصار يقتحم حدودهم ليسرق ثرواتهم .. وصار كاللص الذي يقتل صاحب البيت وهو نائم ويقتحم غرفة الزوجة ليغتصبها ويسرق مجوهراتها بعد ان قتل زوجها .. انه أحقر لص عرفته في حياتي التي امتلأت بأسماء السياسيين والمشاهير والابطال والشعراء والجواسيس ..

واليوم يقدم هذا اللص على سرقة اياصوفيا علنا امام العالم .. بذريعة انها كانت مسجدا قبل مئة سنة .. رغم انه يعلم أن أياصوفيا صرح مسيحي لم يبنه السلاطين العثمانيون بل سرقوه بكل مافيه (كما سرق الصهاينة المسجد الاقصى) وحولوه الى مسجد ..الى ان خفف كمال مصطفى اتاتورك أثر هذه السرقة التاريخية بتحويلها الى متحف ليتخلص من الاثم العثماني ولصوصية القرون الوسطى الى أن أعاد اردوغان أخلاق الخلفاء العثمانيين .. لصوص القرون الوسطى ..

أنا كمسلم أمرّ بلحظات الحزن والغضب من هذا التصرف الاردوغاني بتحويل كنيسة اياصوفيا من متحف الى جامع .. وتمنيت لو انني أعبر عن اعتذاري لكل مسيحي تأثر بهذا السلوك .. ويذكرني من سيصفق مبهورا لهذا الارعن المجنون بطفولتنا .. كيف اننا كنا نراقب افلام هوليوود عن تدمير قبائل الهنود الحمر وتصفيتهم فنصفق لبطولات رعاة البقر وهم يفتكون بالمحاربين من الهنود الحمر .. ونحن لاندري اننا كنا نصفق للصوص والقتلة ضد أصحاب الأرض من الهنود الحمر الذين صرنا مثلهم .. يقتلنا رعاة البقر ويصفق العالم لموتنا وهم يجندلوننا بأسلحتهم النارية ..

أنا المسلم راقبت قرار اردوغان وتذكرت كيف بكى المسلمون عندما حول الصليبيون المسجد الاقصى الى اسطبل للخيول .. و تذكرت ألم المسلمين عندما أخذ الاسبان مساجدهم وقصورهم التي بنوها في الاندلس وحولوها الى كنائس وكاتدرائيات .. ولم يكترثوا بمشاعر المسلمين الذين غادروا اسبانية وتركوا فيها صلواتهم ونقوشهم وادعيتهم على الجدران التي صارت كنائس .. واليوم نعلم اولادنا وهم يمرون في تلك التحف والأيقونات اننا نحن من صممها وبناها ونحزن لأن الاسبان لم يحترموا ديننا ومقدساتنا التي تركناها ..

لاأدري كيف ان المسلمين لهم عيون عوراء يرون بها ألامهم ولايرون آلام الاخرين .. ولاأدري اذا أجزنا هذا السلوك بأي وجه حق نعترض على القس جونز الذي يعتزم ان يحرق القرآن .. وكيف سندافع عن ملكيتنا للمسجد الأقصى؟ فالقدس اعطيت للصهاينة بقرار اوروبي بالاجماع .. فليس ترامب وحده هو من منح القدس للاسرائيليين بل ان حماية الغرب وكل اوروبة لملكية اسرائيل للقدس ومنع الحاق هزيمة بها لاسترداد المدينة هو قرار غربي بأن المدينة المقدسة ومافيها من مقدسات اسلامية لم نعد نملك حقا فيها .. وهي اعتراف مبطن بملكية اسرائيل لها ..

خطوة اردوغان في سبي كنيسة أياصوفيا مرة ثانية لاأستبعد ان تكون منسقة مع الاسرائيليين في هذا التوقيت الذي تستميت فيه اسرائيل لتهويد كل القدس والاستيلاء على المسجد الاقصى .. فهي تريد ان تتحول المنطقة كلها الى نموذج يساعدها في قراراتها التهويدية .. فاسرائيل تؤجج الصراعات المذهبية والدينية لتقول بأنها من حقها من تعلن يهودية الدولة فالشرق كله يعيش حالة دينية ومذهبية .. ومن حقها ان تعلن هويتها الدينية كيهودية .. وهاهو اليوم اردوغان يقدم خطوة غير مسبوقة في اهانة الرموز المسيحية والاستيلاء عليها دينيا وتحويلها الى مركز عبادة لدين آخر وكأنه يقدم لاسرائيل هدية ثمينة بأن استيلاءها القادم على المسجد الاقصى لايجب ان يلاقي الكثير من الدهشة والشجب والغضب لأن المسلمين فعلوها في تركيا وقهروا ملايين المسيحيين .. فعملية تحويل الاماكن المقدسة دوما تستعمل كشواهد على مبررات اي عمل مماثل تبحث عنه اسرائيل ..

مايدعوني للشك في ان خطوة أردوغان ليست بريئة رغم انها تظهر بأنها خطوة دعائية داخلية في تركيا وفي العالم الاسلامي للمزيد من الافتتان بالسلطان دون ان يكون لها اي دواع معنوية ..علاوة على انها تناسب الاسرائيليين كثيرا .. مايدعوني للشك هو أن توقيتها خطير مباشرة بعد فترة وجيزة من مرسوم ترامب باهداء القدس للاسرائيليين .. وقد تكون مقدمة لخطوات للاستيلاء على المقدسات الاسلامية في فلسطين بقرارات قضائية اسرائيلية كما فعل السلطان اردوغان .. وربما يطلع علينا من المحافظين الجدد من يطلب المعاملة بالمثل لتحويل الجامع الأموي الى كنيسة لأن فيه قبر يوحنا المعمدان أحد أعظم رموز المسيحية .. وبدلا ان يصلي المجنون اردوغان في مسجد أياصوفيا يأتي مجنون من الغرب ليشمر عن ساعديه ليصلي في مقام يوحنا المعمدان ..

اذا مادافع محبو السلطان عن خطوته الحمقاء اللصوصية فانني أذكرهم ان كثيرا من العنتريات ندفع ثمنها لاحقا .. واذا كان السلطان حريصا على ان يعيد للمسلمين مساجدهم فحري به ان يعيد مسجدنا المسروق في القدس لاأن يتمرجل على كنائس المسيحيين ويسرقها مرة ثانية .. ويسبيها كما يفعل اي داعشي مع امرأة حرة ..

نحن لانحترم هذا القرار ونخجل منه وأياصوفيا ليست ملكا للمسلمين .. ولايهمنا ولو حصلنا على كل مساجد العالم او حولنا كل العالم الى الى مسجد طالما اننا نخسر المسجد الأقصى .. الذي لايكترث به السيد اردوغان ويبدو انه يريد أن يرشو المسلمين بأياصوفيا كبديل عن الأقصى ..

أياصوفيا الحزينة العينين والصامتة الأجراس .. لاتحزني فأنت ملك لاخوتي المسيحيين ولاتليق بك الا الأجراس مهما فعل العثمانيون .. ولن أصلي بك الا كما أصلي في الكنيسة المريمية في دمشق .. أتضرع منها الى الله ولو ارتفع فيها الأذان والتكبير .. فلايليق بك الا ان أقول : المجد لله في علاه .. وفي الناس المسرة .. وعلى الأرض السلام ..