المستوطنون الاماراتيون وميزان يوم القيامة .. طيار ثائر قد ينهي حريق البوعزيزي


اذا كان التطبيع الاسرائيلي مع العرب بدأ مع البوعزيزي التونسي الذي أحرق وتبين ان جسده استعمل كمنصة يقف عليها الخونة ومشاريع التطبيع الاسلامي التي بدأت بوصول الغنوشي الى تونس وصك انتداب الايباك على حزب النهضة .. فان نهاية حريق البوعزيزي قد تكون تونسية أيضا حيث ظهر هذا الطيار النبيل منعم صاحب الطابع الذي ربما بدأ رحلة ومصيرا جديدا للمنطقة من دون أن يدري .. انها رحلة خارج السرب الخليجي والعربي والاسلامي الذي يريد ان يرغمنا على ان نصدق ان اسرائيل هي بنت العم .. وأن علينا ان نرقص وندبك في أفراح السلام والتطبيع .. وأن حكاية فلسطين هي مثل حكاية الزير سالم للحكواتيين في المقاهي .. نعم ان التطبيع بدأ مع حريق البوعزيزي حيث انقضت الشعوب العربية والتيارات الاسلامية على كل شيء الا اسرائيل .. وانخرط الناس في حروب عبثية هائلة ومدمرة كانت تكفي لتدمير اسرائيل على الاقل عشرين مرة ..


ولكن فلسطين ليست حكاية عن عنترة ولا الزير كي تكون ملكا للمقاهي والحكواتيين فقط .. انها قصة أكثر خطورة بكثير .. بل هي ميزان يوم القيامة .. لأن بقاء اسرائيل يعني نهاية الشرق وتآكل كل مافيه من ثقافات وشعوب وتآكل فكرة الحق والعدالة البشرية .. وسيتكرر النموذج الاسرائيلي في كل شعوب الجوار اذا نجحت اسرائيل في دفن فكرة فلسطين في عقول الناس ..
الاسرائيليون يعرفون ان كل هذا الرقص أمام الكاميرات وكل هذه القبل التطبيعية هي محاولة لترويج بضاعة ليس لها من يرغب بها في السوق .. لأنها بضاعة مغشوشة .. فالسلام لايكون بالقبل .. فأشهر قبلة في الوجود كانت قبلة يهوذا والتي كانت رأس الخيانة ورأس الرمح الذي شق كبد السيد المسيح على الصليب .. ولذلك فان يهوذا اسرائيل يقبل العرب في بساتينهم ويريدهم ان يصدقوا انه يحبهم .. وأنه لايريد بساتينهم وأكياس فضتهم كما سرق بساتين الفلسطينيين ..

الاسرائيليون يريدون فرض السلام بالقوة .. وان نقبلهم ويقبلوننا كما لو أننا نصور فيلما للسينما .. يروي قصة حب ولكن الفيلم مجرد وهم هوليوودي وشباك تذاكر .. وليس في الأمر حب ولا مودة .. ولذلك فانهم يريدون ارغام الناس على ممارسة التطبيع بالقوة بعد ان كان خيارا .. ولذلك نجد ان جميع المثقفين والفنانين العرب الذين أدلوا بدلوهم في الربيع العربي واستأسدوا على سورية صمتوا وخرسوا امام التطبيع الاسرائيلي الاماراتي وكأن الرمال المتحركة ابتلعتهم أو كأن القوارض قد قرضت ألسنتهم وحناجرهم التي كانوا يغنون ويثرثرون بها عن الحرية في سورية وليبيا .. بل صمت الجميع كالأموات .. ونحن نتحداهم ان يخرجوا ويقولوا رايهم المعترض على التطبيع من باب حرية الرأي بعد ان كانوا يصولون ويجولون في حمل اعلام الثورة السورية وشعاراتها ولاتهدأ ألسنتهم وهي تشتم “النظام السوري” الذي كان يتلقى طعناتهم صامتا وهو يعلم ان الحناجر والخناجر العربية والمسلمة في ظهره ستتوقف عن طعنه اذا اعلن التطبيع مع الاسرائيليين ..


أمام هذا الموت الثقافي الشامل وجثث الفنانين العرب في دبي والخليج الذين بدوا اليوم مربوطين بالسلاسل مثل القطط الأليفة والسمينة .. او ظهروا في اقفاص مدن الملاهي والأبراج مثل البهائم المدللة في حدائق الحيوان .. لم يدر بخلد الاسرائيليين ان هؤلاء الصامتين والمرتشين وهذه الجثث المرمية على أرصفة الخليج مثل المدمنين على المخدرات لن تنقل عدوى الطاعون والادمان الذي اصابها الى كتلة الشعوب .. وان الجثث التي لاتنبض قلوبها لاتغير الجغرافيا والتاريخ .. فهناك من لايريد ان يطبع اي قبلة على وجه اسرائيل .. وربما فوجئ الاسرائيليون بما فعله الطيار التونسي منعم صاحب الطايع الطيار الذي يعمل في الخطوط الجوية الاماراتية .. وظنوا أه أحد المدمنين على المخدرات مثل فناني العرب وقططهم المثقفة في الخليج في الخليج فقد أرادوا رحلته الى تل أبيب .. فاذا به يمسك يبدأ رحلة أخرى لم تخطر لهم على بال .. انها ربما تكون بداية حريق في ثياب التطبيع وانهاء لزمن حريق البوعزيزي .. الطابع داس على جثث الأموات وأمسك بقلوب الناس التي تنبض .. ولكنه قد تكون لديه الفرصة ليقود رحلة عصيان عربي شامل من نوع آخر .. وثورة عنفوان وكرامة حقيقيتين .. تنهي حقبة البوعزيزي البائسة التي أوصلت الاسرائيليين الى بيوتنا على متن الموجة الاسلامية .. واسست لمرحلة المستعربين العرب .. والمستوطنين العرب ..


للأسف فان الامارات العربية المتحدة صارت اثر مشروع الربيع العربي – الذي قادته قطر – جزءا فاقعا من مشروع الاستيطان الغربي والصهيوني في الخليج ولكنها الأكثر تأثرا رغم ان الخليج كله صار مثل وجه مصاب بالجدري من كثرة التجمعات الغريبة والغربية على شكل مستوطنات .. فهناك أشباه المستوطنات القطرية والبحرينية والعمانية والسعودية .. الا ان الامارات باتت الأقرب الى روح المستوطنة الكاملة التي ولدت منذ اتفاق التطبيع .. فهي الوحيدة في العالم تقريبا التي ستأكل وتشرب من منتجات مستوطنات اسرائيلية .. وهي تمارس نوعا من العجرفة العنصرية تجاه من لايقبل بسلوكها .. وعقلية المستوطنة الفاقعة ظهرت في محاولة ارغام الناس على قبول خيارات سياسية بالاكراه .. وابتزازهم والضغط عليهم بلقمة عيشهم ..


الاماراتيون كشعب صار خاضعا للمستوطنين الاسرائيليين الذين انتقلوا من مرحلة التطبيع الى مرحلة التوسع في المستوطنة الاماراتية .. فصارت دبي وابو ظبي وغيرها عبارة عن بلديات اسرائيلية .. ولذلك تحب البلديات التأكيد على سلطتها بارغام السكان الخاضعين لها على تنفيذ القوانين الاسرائيلية بالقوة .. وارغام كل من يعترض على ان يدفع ثمن اعتراضه باهظا .. ولذلك استنفر المستوطنون الاسرائيليون في الامارات كل امكاناتهم لقمع اي حالة رفض واصدروا الاوامر لحرس الحدود الاماراتيين الذين يشبهون حرس الحدود في فلسطين المحتلة الذين ينتمي كثير منهم الى قرى عربية وبدوية عميلة ويعتبرون من أشرس الجنود الذين يطلقون لمواجهة الشباب الفلسطينيين حيث لايظهرون اي رحمة في تنفيذ اوامر القيادة الاسرائيلية ..


المستوطنات الاسرائيلية في الامارات بدأ فيها حرس الحدود الاماراتيون يظهرون شراسة في تطبيق التطبيع بالقوة بعد حفلات الاستعراض والترحيب المزيف وبدا هناك نوع من الهلع من ظاهرة الطيار التونسي منعم صاحب الطابع الذي يعمل في الامارات .. والذي قرر رفض مهمة قيادة طائرته للتوجه الى مطار تل أبيب .. فتم تغييبه وتغييب حساباته على السوشيال ميديا .. مثله مثل اي مواطن سوري جولاني او فلسطيني تحت الاعتقال الاداري ..


البعض من الاماراتيين الذين تواصلت معهم يبدو عليهم الرغبة في تجنب الخوض في السياسة على الهاتف او على اي تشات ومحاولة القفز الى اي حديث عندما يكونون في اتصال من الامارات .. ولكن أحدهم اتصل بي من بلد آخر وعاتبني لأنني كنت أثير معه قضايا عن التطبيع والسياسة في الامارات لأنني أعرضه للخطر .. وفهمت منه ان معظم الاماراتيين ليسوا خونة وانهم غاضبون جدا ويحسون بالاهانة والاحراج .. ولكن صاروا مراقبين جدا في دولة بوليسية ويجب ان يبلعوا التطبيع رغما عنهم .. وقال لي معبرا عن قرفه من عملية التطبيع: “كأنهم يجبرونه على ابتلاع جرذ او حشو بعير كامل في حلقه رغما عنه” .. وهناك تهديد صامت او علني لكل من لايبدي حماسا لفكرة التطبيع .. أما الذين يبدون رضاهم عن التطبيع فانهم ينالون التسهيلات والتشجيع السخي .. ولكن مايثير القلق ان الحال سيتبدل الى حالة قمعية عنيفة لأن البلديات الاسرائيلية التي حلت محل الامارات صارت مستعجلة جدا على ان تتحول البلديات الى مستوطنات اسرائيلية ويتم نقل سكان من المستوطنين بخبرات الاستيطان لاحكام السيطرة على المستوطنات الجديدة قبل ان تنتقل اليها أي عدوى بالرفض .. او تنمو فيها دعوة وطنية من أصحاب البلاد الذين سيكون مصيرهم مثل مصير الطيار التونسي منعم صاحب الطابع .. الي سيخضع لاستجواب وسيتم ترحيله ..

مافعله هذا الطيار هو ان زمن البوعزيزي انتهى وبدأت رحلة عودة الوعي من الرحلة التي لم يقبل بها الى تل أبيب .. وكل حفلة الزفاف والتطبيع بين اسرائيل والدول العربية قد احترقت .. وان المشهد الحقيقي هو ان العروس والعريس هما فقط في العرس أما المدعوون فليسوا موجودين .. وكل الطاولات والكراسي فارغة وليس في الحفل الا الخدم والجرسونات من المثقفين والفنانين والانتهازيين العرب الذين يرتدون ياقات الجرسونات وهم يحملون الأطباق والمناديل و يرقصون مع العروسين .. فالشعوب يبدو انها لاتريد ان تحضر الحفل ..
اذا كان التطبيع الاسرائيلي مع العرب بدأ مع البوعزيزي التونسي الذي أحرق وتبين ان جسده استعمل كمنصة يقف عليها الخونة ومشاريع التطبيع الاسلامي .. فان نهاية حريق البوعزيزي قد تكون تونسية أيضا حيث ظهر هذا الطيار النبيل الذي بدا رحلة ومصيرا جديدا للمنطقة .. أرادوا رحلته الى تل أبيب .. ولكنه قد تكون لديه الفرصة ليقود رحلة عصيان عربي شامل من نوع آخر .. وثورة عنفوان وكرامة حقيقيتين ..


ماذا ستفعل اسرائيل ومستوطنوها ومستعربوها من الامارتيين بالطيار الثائر؟ .. هل علينا ان نخشى على هذا الطيار الآن لأن الاسرائيليين قد يقتلونه كما فعلوا في البطل المصري سليمان خاطر الذي قتل في السجن انتقاما لفعلته التي عبر من خلالها انه كمواطن مصري بسيط لايرضى بالتطبيع حتى وان كانت هناك كامب ديفيد فوق رأسه ..


فلسطين هي ميزان يوم القيامة .. وكل مستوطنات العالم لن تغير العدالة في الميزان ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

2 Responses to المستوطنون الاماراتيون وميزان يوم القيامة .. طيار ثائر قد ينهي حريق البوعزيزي

  1. رائد زياد كتب:

    في مناقشاتي حول التطبيع الإماراتي كنتُ أُعلق: ’’أنا لست غاضبًا من الإمارات والإمارتيين، وإنما أنا حزين لأجلهم!‘‘

  2. salihawateki كتب:

    الامارات ليس دولة ,حسب رأي تكون مقاطعة لإيران احسن

اترك رداً على salihawateki إلغاء الرد