أزمة قناة السويس .. هل كشفت خروج العالم العربي من مصر؟؟


لم يكترث سد النهضة بالموكب الملكي للمومياءات الفرعونية .. فرغم بهاء الموكب وجلاله وجماله والعناية بكل تفصيل دقيق لاضفاء الروعة والبهاء فان العالم لاحظ ان المصريين كتبوا على المواكب الملكية اسماءها باللغة الانكليزية فقط .. لا بالعربية ولا بالهيروغليفية … وكأن الرسالة تقول اننا نهتم فقط ان يراها الغرب .. واننا نتكلم الانكليزية فقط .. ولكن هذا الخروج من العباءة العربية هو الذي بنى سد النهضة .. وسيشق قناة سويس بديلة .. ومارأيناه في تعطل الملاحة في قناة السويس يكشف اي خسارة تعرضت لها مصر دون ان تدري ..
وهنا وقبل ان ألج الى الموضوع يجب ان اقول بأن الكتابة ليست فنا من فنون التنجيم .. بل انها فن من فنون التحريض .. ويخطئ من يظن ان الكاتب وصاحب الرؤية يكتب كما لو انه منجّم وان نجوميته تتحقق بتطابق نبوءاته مع الاحداث .. وعندما قرأت مقالة الاستاذ حسن م يوسف عن ذلك الرجل الذي بدا مبتهجا لأن قراءتي لما حدث في قناة السويس قد جانبها الصواب -برأيه – وان القناة لم تغلق أحسست ان القراءة علم وفن أكثر من الكتابة .. فمن يقرأ عليه ان يتهيأ للمجهول بكل مافيه من تحد وليس للمعلوم .. والقارئ هو من يجب ان يقوم بعملية التحليل واعادة تركيب المقال كي يجادل الكاتب والكتابة .. ولذلك فان المقال أفلح في خلق حالة من التحدي والتحريض على التحليل وترقب المجهول ورصده لدى ذلك القارئ ..
وأنتم تعلمون ان هناك كتابا يتمنون ان تصدق نبوءاتهم ولو كان فيها هلاك بشر او دول كي يقال انهم يرون اكثر من غيرهم وان لهم بصيرة أنبياء .. ولكن اذا كانت النبوة لاتصح الا بخراب الأمم والدول فبئس النبوءة والنبوة .. وأتمنى كلما تشاءمت ان لاأكون على صواب وأن أخسر المعجبين والمعجبات .. فأنا لم اكتب كي اكون نوستراداموس .. وفي كل هذه الحرب لم اضع نبوءات لكنني كنت مثل عالم فيزياء يراقب سرعة قذيفة ويتوقع مسارها وسقوطها وقطعها الناقص وبالطبع لاتسقط كل القذائف في نقاطها المرسومة رغم انها قد تقترب او تبعد لكنها تبقى قريبة من المسار المتوقع .. وكل من يريد ان يكون نوستراداموس هو ليس بكاتب وعليه ان ينضم الى جمعية المنجمين الفلكيين وان يكتب في قسم الابراج والحظ ..
بالعودة الى موضوع قناة السويس – رغم اني لم أقل ان القناة ستغلق الآن- ولكنني كنت أنظر للأمر على انه سيطلق شرارة النقاش عن البدائل التي باتت جاهزة في الادراج والاتفاقات الدولية منذ الستينات بعد تأميم القناة .. وتأجل كل النقاش بسبب استراحة كامب ديفيد التي وفرت عناء المواجهة ولم تكن ضروروية بشكل اسعافي بل اعطت كامب ديفيد وقتا كافيا لطهو المنطقة ونضجها لشق اي مشروع قناة بديلة .. وسواء حدث تعثر السفينة في القناة صدفة او بشكل مدروس فان القناة وقعت في نظر أصحاب المشاريع وكثرت سكاكينها منذ اليوم كما يقال عن بقرة تتعثر ويتهيأ أصحابها لنحرها قبل ان تنفق ..


الكلام عن البدائل قديم ولن يعود الى الادراج .. وستقوم البدائل مهما طال الزمن لأن اسرائيل موجودة ومهمة اسرائيل منذ وجودها هي تأمين قاعدة ثابتة للغرب مثل حاملة طائرات ثابتة تربض بين اسيا وافريقيا وفي فم المشرق العربي وتعمل مثل اشارة المرور لممر اجباري لكل تبادلات الشرق والغرب .. وشرطي المرور هو المجتمع الاستيطاني الصهيوني الذي لن يكون يوما قادرا على رفض هذا الدور والا تم تحطيمه واستبداله بأسهل من استبدال قناة السويس ..
وبغض النظر عما سيحدث للقناة فان اغلاق القناة مؤقتا كان اختبارا لمن يريد ان يرصد مانتج عنه اذا اضيف لاختبار سد النهضة فاننني أظن ان نتيجة كانب ديفيد قد ظهرت الان بعد هذه السنوات الطويلة التي خرجت فيها مصر من العالم العربي وهمومه واختارت شعار مصر اولا .. او وفق منطق السادات (واحنا مالنا؟؟) وتبين من ازمة سد النهضة وقناة السويس ان العالم العربي قد خرج من مصر كما خرجت مصر منه ..
لاحظت شخصيا ان هناك كما غريبا من البرود الشعبي العربي لما يحدث في مصر وانتشر كلام شبيه لعبارة (واحنا مالنا) ولكنه هذه المرة من التيارات الشعبية التي غلبت عليها اللامبالاة سواء بما طرح عن قناة بديلة او في حال انخرطت مصر في مواجهة من أجل سد النهضة أو السويس .. وهذا هو حصاد كامب ديفيد في فصل الشعوب المشرقية من مصائر بعضها .. فاذا كان الشارع العربي يوما يغلي من أجل نصرة مصر عام 56 .. فان برود مصر اليوم انعكس على الشارع العربي برودا للأسف ..
وأنا في نقاشاتي مع الكثيرين من العرب خلال ازمة تعطل قناة السويس وعن سد النهضة كنت أستطيع ان ارى غياب مصر عن كل هموم المنطقة وتركها لمصيرها من اجل قرار النأي بالنفس وكل يقلع شوكه بيده .. والنتيجة ان المنطقة قررت ان تقلع مصر شوكها بيدها ايضا .. فمصر غابت عن كل المواجهات منذ عام 1973 .. اجتاحت اسرائيل لبنان مرتين واجتاحت اميريكا العراق وليبيا واجتاحت تركيا سورية فيما بقيت مصر تؤثر سلامتها ..تحت شعار (احنا مالنا؟؟) .. وان عبقرية السادات في رؤية تشرذم العرب ظهرت اليوم .. رغم ان التشرذم بدأه السادات نفسه قبل اي شخص ..وأسس له وبنى له نظاما ..
سيكون هناك سؤال جوهري اليوم في حال اي مواجهة بين مصر واثيوبيا او اي جهة حولها حتى في حال قررت تركيا مدعومة بالناتو ان تهددها من جهة ليبيا .. فمن تتوقع مصر ان يقف معها كما كان يحدث في الماضي؟؟
السياسة المصرية أقنعت المصريين ان مصر كانت تدفع من جيبها ثمن مواقف قومية وانها كانت تتحمل اعباء دولية في التكفل بحماية الامن القومي العربي .. ولكن الحقيقة الغائبة هي ان مصر كانت تحمي نفسها بالعالم العربي وكانت تتزنر به ويخشاها الغرب لأنها كانت قادرة على ان تحرك الشرق كله معها .. وهي التي كانت في موقف قوي لأنها كانت تسيطر نفسيا ومعنويا على الشارع العربي ويخشاها الزعماء العرب الذين رغم تآمرهم عليها الا انهم لم يكونوا يجرؤون على المجاهرة بذلك .. أما الان فان دويلة بوزن الريشة مثل قطر تستأسد على مصر .. وتتطاول اثيوبيا الجائعة عليها ويتمرد السودانيون عليها .. ويصل زعران اردوغان الى حدودها ويتبجحون انهم سيصلون الى القاهرة ..
على النخب المصرية ان تزيل هذه الغشاوة وهذه القناعات الخادعة عن عيون المصريين بأن مصر كانت ضعيفة بسبب التزامها بتزعم العالم العربي المليء بالمشاكل والشرذمة .. ولكنها في هذه الازمات التي تواجهها ستقف وحيدة .. ولايظنن احد ان اثيوبيا او إسرائيل تخشاها او تخشى المواكب الموميائية الملكية .. وللمفارقة فان من يقف مع اثيوبيا اليوم هم انفسهم اعداء مصر زمن عبد الناصر وهم انفسهم أصدقاء مصر السادات .. نفس المجموعة مع تغيير الاوصاف والتعريفات فقط .. اي اسرائيل وامريكا والخلايجة العرب .. كلهم سرا يقفون ضد مصر الى جانب اثيوبيا التي لن تتجرأ لولا ادراكها انها محمية باعداء مصر ..
ولكن مصر الحالية تتلفت حولها وتجد ان مافعلته بنفسها يشبه الكارثة .. فقد خلعت معطفها العربي ودرعها الذي كانت تتسلح به .. ووجدت ان الغرب أخذ منها العراق وسورية وليبيا .. ودمر كل هذه الدروع المصرية .. أخذ منها سليمان الحلبي وجول جمال وكثيرين مثلهم .. وصار محيطها ليس طوع بنانها.. من غزة الى السودان إلى ليبيا. هو الدرع الذي تشقق حول جسد مصر.. وستقف في اي محنة مائية (السويس او النيل) وحدها ليس لأن العرب لايحبونها بل لأن العرب تم تدميرهم في غيابها .. وتم كسر سيوفها ..كما انها لم تكن فقط قد خرجت من العالم العربي .. بل انها أخرجت العالم العربي منها في نفس الوقت ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

3 Responses to أزمة قناة السويس .. هل كشفت خروج العالم العربي من مصر؟؟

  1. Nabuokz Nuosr كتب:

    يا صديقي , تيران وصنافر الجزيرتان اللتان تفصلان البحر الاحمر عن خليج العقبه مشكله من مشاكل مصر لما تنازلت بضغط من السعوديه عنهما لصالح تلك الاخيره . انهم يقصون مصر بالمقص رويدا رويدا . لاحقا ستباع الجزيرتان الى اسرائيل او تكون العائله الحاكمه في الرياض في مهب الريح سيقطع الاكسجين عن مصر بمساعة المصريين انفسهم . المناعه الاستراجيه هي الكفيله بحفظ الاوطان .

  2. أعظم عمل بطولي عملت مصر هو قتل ذكرى محمد الله يرحمها إلي قالت كلمتين على ال سلول
    مصر ****** بإمتياز

  3. غ ر كتب:

    الاستاذ نارام سرجون

    20210408

    ذات النهج ماشي ويتكرس.

    وزير خارجية “كامب ديفد” (مصر المحتلة) الذي لا يمثل الشعب المصري يزور لبنان.

    وساطة مصرية تتبنّى مطالب واشنطن والرياض(عزرا ئيل) والسيسي يقاطع نصف اللبنانيين وجميع السياديين والوطنيين في العالم العربي. مؤسف ومقرف.

    ماذا تقول زيارة الوزير سامح شكري؟
    ناصر قنديل
    https://www.al-binaa.com/archives/294014

    شكرا لكم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s