آراء الكتاب: بعض الحكومات السابقة -2 – بقلم: محمد العمر

ملاحظة .. حين يتعلق الأمر بأي وضع داخلي قد يبدو الحديث سريعا أو بسيطا كما وصف .. لكن مرغم أنا إذ أجهد للسير عند حدود محببة مرسومة ببراعة و لطف و محاذيا لشروط غير معلنة تنتصب بوقار عند ناصية الصفحة العزيزة ..
كلما اعترض عمل الحكومات السابقة أزمة جديدة كانت تلتفت صوب المواطن تلقائيا ” أو غريزيا ” و تعمد لحلها برهان آخر على صبره حتى لو علمت بوصوله حده الأقصى .. سأذكر بعض ما حدث حتى الآن عل الذكرى تنفع ” على الأقل من باب إني قلت ” فلا يترك فرصة للآخرين لاستغلالها و هم رقباء على كل فعل حكومي و على كل رد فعل لدى العامة و لا تستمر حالة المد و الجذر القائمة بما توحيه الحكومة المحاصرة للناس بوجوب تقدير ظروفها و بين التقية الوطنية لهؤلاء التي يمارسونها ليقينهم الضمني أن تقدير الظروف هو واجب الحكومة أولا و أخيرا ..


من الأمثلة ..
تقل موارد الخزينة فتبادر الحكومة إلى اتباع سياسة ضريبية أشبه بسياسة العشر التي سلكها جباة العثمانيين بل و أقسى .. أن يسد العجز الحاصل في الخزينة جراء الحصار عبر مصادر أنهكها الحصار أمر لن يحدث أبدا و لن يتسبب بغير مزيد من الإنهاك و مزيد من أشياء يمكن تخمينها و لن أذكرها لأنها ليست غاية الموضوع .. تضاعفت الضرائب و الرسوم و خلقت أخرى من العدم و لم يسلم منها حتى العربات في سوق الخضار و صارت وزارة المالية شريكا ظالما لكل صاحب عمل متوسط و صغير .. أول من بدأ هذا الأسلوب كان محمد الحسين وزير مالية سابق و لم يكن هناك حرب .. لو طرح سؤال .. هل مضاعفة الضرائب و الرسوم تخدم الخزينة و بالتالي المواطن .. نعم تخدم الخزينة في حال طبقت بطريقة عادلة مستهدفة أولا أصحاب الأعمال الرائجة و الدخول المرتفعة و لا مصلحة لدولة في سياسة ضريبية مجحفة ترى في النسبة العظمى من مواطنيها مجرد أدوات لدفع المال في وقت تحتاج فيه لمواطن سليم و معافى ذهنيا على الأقل قادر على التفاعل الإيجابي مع ما تتطلبه ظروف المواجهة ..
مثال آخر .. حين اعتمد الخبز على البطاقة صرح الوزير إن ١٦ % من كمية الطحين تم توفيرها و كان سعيدا بهذا الوفر .. بعد مدة لوحظ وجود كميات من الطحين و الخبز المدعومان يباعان في السوق السوداء .. و بدل أن توضع آلية لمتابعة جدية تعاملوا مع الأمر و كأن عجز أجهزتهم الرقابية بكوادرها و إمكاناتها من المسلمات و لم يخطر لهم لو للحظة أن بطاقتهم لم تضبط شيئا من السرقة التي يسمونها هدرا .. و التفتوا صوب المواطن أيضا و أصدروا قرارا بعيدا عن الواقعية و عن الأخلاق يحدد ما يجب عليه تناوله من الخبز و بكمية تناسب أسلوبهم في الحراك عند الحدود الأقصى لاحتماله ..
مثال آخر .. الإقراض .. لحظوا أن المبالغ المقرضة تذهب بمعظمها لشراء الدولار ما يتسبب بطرح كميات كبيرة من الليرة و سحب ما يقابلها من الدولار أي قل الطلب على الليرة كسلعة و انخفضت قيمتها و زاد الطلب على السلعة الأخرى فارتفعت قيمتها و اختل سعر الصرف و تضاعفت أسعار المواد هذا الشرح صحيح في الحالة العامة لكن بوجود قيصر و مضاربين منتمين و عملاء في كل مكان كان الأولى تحديد آلية تضبط سعر الصرف آخذة بالاعتبار كل تلك العوامل .. لنذكر أن لبنان بأسره وضع قيد الانهيار الاقتصادي بعيد الإعلان عن تاريخ دخول قيصر حيز التنفيذ .. أي أنه اعتمد عاملا من عوامل إضعاف و خنق الاقتصاد السوري .. و لأجل ضبط سعر الصرف التفتوا صوب المواطن من جديد و اتخذوا إجراءات صارمة تحد من السيولة المسموح سحبها يوميا فتسببوا بخلق عراقيل أمام حركة الأعمال المتباطئة أصلا .. مرة أخرى يعلنونها صراحة بأن أجهزتهم الرقابية الخاصة بالإقراض و كوادرهم عاجزة أو قاعدة لا عمل لها .. معلوم أن الآليات الناظمة لمنح القروض في كل المصارف العامة تقتضي متابعة الغاية التي قدم لأجلها و تمكن من ضبط مسار القرض حتى آخر قرش لكن حين تغيب الإرادة يفسح المجال للبلادة و ابتكار القرارات و الثناء عليها .. كقانون البيوع العقارية الذي مهما تفاخروا بمردوده لا يقارن بما تسببه من جمود عام في قطاع مهم و حيوي لحركة الاقتصاد ..
أريد أن أذكر ملاحظة سريعة حول الإقراض في ظل الأزمة الحالية .. إن تخفيض أسعار الفائدة على القروض إجراء متعارف عليه أثناء الأزمات الاقتصادية .. في أزمة ٢٠٠٨ خفضت اليابان نسب الفوائد على نوع من القروض حتى صفر % و أخرى حتى 0.5 % .. تخفيض سعر الفائدة يساهم في تحريك الانتاج و خفض التضخم و يطرح منتوجا أقل كلفة فيخلق حركة في السوق لكن أمر الفوائد لم يبحث إلا من باب تشكيل هيئة لدعم المشاريع الصغيرة و المتناهية في الصغر و بآليات فيها من التعقيد ما لا حاجة له فيما لو لحظ أمر الانتاج ككل ..
هذه الأمثلة القليلة جدا عما اتخذ من إجراءات بحق الاقتصاد .. من الضرائب إلى رفع أسعار الفائدة إضافة لخطوات رفع الدعم الحكومي القائمة منذ سنوات و غيرها من الأمثلة ينقصها إجراء واحد هو خصخصة القطاع العام لتكتمل صورة الاقتصاد الأسير الخاضع لشروط صندوق النقد الدولي .. رغم عدم وجود تعامل رسمي معلن معه لكن شروطه و توصياته تنفذ تباعا و حتى الخصخصة لمؤسسات القطاع العام تلوح بوادرها و آثارها من صوب السورية للتجارة و البطاقة على الأقل كشاهد صغير قريب ..
قال مثل إيطالي ” الحب و العطر لا يختبآن ” ما يحدث ليس كرها لكن ربما بعض أصحاب النية الحسنة فكروا و قرروا أن يضعوا توصيات صندوق النقد المدمرة أو ملاحظاته قيد التنفيذ من باب الاستئناس بالخطط الفعالة و كانت فعاليتها كما يشعر معظم السوريين و الاقتصاد السوري

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s