ربما استطاعت الوحشية الامريكية ان تغطي وجهها لزمن طويل باسم الحرية والديمقراطية .. واستطاعت عبر عمليات تضليل معقدة وامكانيات هائلة في التضليل والتزوير والايهام ان تغطي نزعة الشر والاستعلاء لدى نخبها السياسية .. ورغم العديد من الفضائح الكبرى فان وصول جوليان اسانج كان أكبر سلاح هزم اميريكا التي اعتمدت في انتصاراتها وانتشارها وانتشار نظرياتها وانتشار الاعجاب بها على غطاء كثيف من السرية والكتمان .. بحيث ظهرت اميريكا الرأسمالية طيبة ونبيلة وخيرة وظهر الاتحاد السوفييتي قاسيا شريرا بلارحمة .. الى ان وصل جوليان أسانج ودمر في اعوام قليلة كل كنوز الديموقراطية الامريكية ومحى بالممحاة كل قصص اميريكا ونظرياتها عن الدولة ذات الأخلاق الرفيعة التي تتصرف على مبدا عمر بن الخطاب عندما قال (لو عثرت شاة في الشام لسئل عنها عمر يوم القيامة) فان اميريكا تتبع نفس الالتزام الاخلاقي والوصائي.. ولكن بطريقة المالك لليمين بحيث انها ملكت الارض وورثتها بكل مافيها .. ولذلك فانها تقدم نفسها على انها وصية على العالم ويظن من يسمع لخطابها السياسي وخطابها الثقافي في أفلام هوليوود ان اميريكا تم تعيينها من الله نفسه لرعاية الحياة على الارض أو ان أميريكا هي رحمة السماء على الارض بل انها تتصرف وكأنها مكلفة بمهمة الهية لأنها قوة سخرها الله من أجل الخير ومكافحة الشر .. وقد اعتبرت نفسها وصية على الحرية والاخلاق والحريات والثروات والانجاب والمناخ وكل شيء .. وصارت اميريكا مدرسة العالم في كل شيء وتقدم نفسها مسؤولة عن كل الأمن في كل الارض .. وعن المناهج الدراسية في كل الارض . وعن الأديان في كل الارض .. وهي مسؤولة عن راحة الناس في الكونغو وأحلام اطفال موزامبيق الى حليب الاطفال في الصين .. وكل الذين لديهم شعور بالظلم واللاعدل .. فهي الطبيب والجراح والشرطي والقاضي والمحامي والسجان .. وهي المطر والخصب .. أي انها باختصار آلهة جديدة او دين جديد ..
ربما كانت حرب العراق هي الشق الذي تسرب منه الضوء الى بيت الآلهة المظلم وجسدها المغطى .. ورأى الناس ان بيت الآلهة محشو يالاكاذيب .. ومحشو بآلات التعذيب وعقلية التعذيب .. ومحشو بالعنف والتوحش .. وان كل شيء فيه الا الاخلاق ..
اذا كانت حرب العراق قد ثقبت الجدار فان جوليان أسانج كان الممحاة التي محت كل ماكتبته اميريكا منذ الحرب العالمية الثانية .. مليارات الصفحات والصور والأخبار والافلام والاقلام تضخ اميريكا في عروق الارض .. فجأة جاء شخص اسمه جوليان أسانج ومحى عبر ويكيليكس كل تاريخ اميريكا المزور .. كل ماتقوله اميريكا مزور وكل ثرثرتها عن الانسان والحرية هي ثرثرة وحش لاأكثر .. وكل شعاراتها وأغنياتها هي أغاني تمساح قرب النهر .. فأي اغنية ستصدر عن فكي تمساح؟؟


ورطة اميريكا ان جوليان اول رجل يتمكن من ان يمحو كل ماكتبته الامبراطورية طوال 100 سنة .. سمعة اميريكا وأخبارها ومفاخرها كلها كانت كتابات بقلم الرصاص تتلاشى تحت ممحاة اسمها جوليان أسانج .. امبراطورية من الدعاية والاعلانات الفخمة محاها جوليان تماما عن خارطة الاخلاق .. ووضعها في خارطة القراصنة والمشعوذين واللصوص والمجرمين ..
ليس مافعله جوليان أسانج امرا عاديا .. انه جرح جسد اميريكا وروحها بجرح اسمه ويكيليكس .. لن يشفى .. وسيبقى ينز ويتعفن .. ويتقيح .. لأن جوليان اكتشف الحبر السري الذي كتبت فيه نظريات اميريكا وعقائدها الشريرة وفضحها امام الكون .. فملايين الوثائق المسربة كشفت ان هذا المجتمع الاميريكي مسلوب الارادة وهو مسير ولايقدر على تغيير أقداره المرسومة .. وهو مجتمع مخدر ومسروق ولذلك فان اللصوص الذين سرقوا هذا المجتمع يأخذونه الى حروب شريرة والى جرائم لانهاية لها .. وان سر استمرار الامبراطورية هو قسوتها المفرطة وأكلها لحم البشر .. وليس لأن فيها أخلاقا بشرية ..
اليوم تنتقم اميريكا من جوليان أسانج .. وتحبسه في بريطانيا في غرفة حقيرة ضيقة جدا ومظلمة ولايخرج منها طوال 23 ساعة حتى ترققت عظامه من قلة الحركة وانعدام التعرض لضوء الشمس .. وصار جسده ينحل وينتقل من التهاب رئوي الى آخر .. ومن الواضح ان هناك قرارا بتصفيته ببطء .. لأن محاكمته العلنية ستنشر رائحة اميريكا القذرة المشبعة برائحة المجازر والدم والحروب والابادة الجماعية والنفايات الذرية واليورانيوم المنضب ..
كسوريين نتذكر فضائل جوليان أسانج الذي كشف الكثير من الأسرار المتعلقة بالحرب على سورية ولعل أخطرها كشفه ان احدى غايات الحرب على سورية افراغها من سكانها وجعل النطاق الشمالي لاسرائيل غير مأهول او بكثافة سكانية خفيفة .. كي تأمن اسرائيل وتتمدد على راحتها .. وقد حقق الاسلاميون غاية اسرائيل بارهاب الناس وترويعهم .. وأكملت اميريكا المشروع بالحصار والخنق الاقتصداي وتشجيع الهجرة ..
قضية اسانج ليست عادية . وأسانج ربما ليس غيفارا ولكنه يلتقي مع غيفارا على نفس الهدف .. انه غيفارا بلا لحية وبملامح اروبية لأول مرة .. واذا كان غيفارا قد أربك الرأسمالية طوال سنين فان اسانج قد أقدم على محو سمعتها ومحو أمجادها وأخلاقها .. وطبع على جلدها وشما لن يزول اسمه ويكيليكس .. ستحمله معها اينما ذهبت .. ومن هذا الوشم سيتقرح جلدها ويتعفن .. فالوشم كشف كل شيء عن طبع اميريكا .. وخارطتها الوراثية .. وعقلها الفاسد .. وتناقضاتها .. ونواياها .. كانت اميريكا في غرفة عمليات الويكيليكس يتم تشريحها وعرض أعصابها وقلبها ودماغها .. وتبين ان قلبها قلب زواحف .. وأغنيتها عن الحرية من ألحان تمساح على ضفة نهر ..
جرح ويكيليكس لن يتعافى بعد اليوم .. ومافعله جوليان هو استمرار لما فعله تشي غيفارا .. انه مسار بشري .. لن يتوقف .. الا في قلب نيويورك عندما يتم جر تمثال الحرية بدبابة … حتى يسقط .. ويعلن نهاية العصر الامريكي ولحن التمساح .. وبداية عصر الانسان .. وشفاء الارواح ..