ربما كانت كل قطعة أرض هي أولوية الاولويات .. لاأدري من هو ذا الذي يقسم الجغرافيا الا عدو الجغرافيا؟؟ فمن قسمنا الى مزارع هما سايكس وبيكو .. ولكن الارض مثل الجسد لاتقبل التقسيم .. وكل عضو ينفصل عن الجسد يموت .. الارض تضحك علينا عندما نمر عبر الحدود فنعبر من المشيمة الى المشيمة ونحن نظن اننا ندخل جسدا أخر .. لذلك فبالنسبة لي فانني مؤمن أن الارض التي اسير عليها يجب أن استحقها بدمي .. والا ماالفرق بيني وبين اي جندي مستعمر أو محتل؟ ان الوطني الذي يؤمن بخطوط التقسيم وينسى بعضا من أرضه ويقبل بالحدود هو نوع آخر من المحتلين .. وهو مثل أي جندي من جنود الاحتلال .. لأنه لايستحق الأرض التي يعيش عليها طالما انه لايدافع عنها .. ومن يعش على أرض لايستحقها سيكون محتلا لها سواء ولد عليها أو دخلها على متن دبابة ..
ولذلك فان ادلب بالنسبة لي هي بأهمية المنطقة الشرقية .. والمنطقة الشرقية بأهمية التنف .. والتنف تساوي لواء اسكندرون .. ولواء اسكندرون يساوي فلسطين وفلسطين تساوي الجولان .. والجولان يساوي لبنان .. ولبنان يساوي ادلب .. ووهكذا كل قطعة أرض تأخذني الى قطعة تضاهيها في القلب الى أن أعود الى نقطة البداية .. هذا هي أراضينا مثل نقاط الدائرة .. وليس لنقطة ان تكون أقرب من الاخرى الى قلب الدائرة .وكل نقطة هي بداية الدائرة وهي نهايتها في نفس الوقت .. والارض مثل الدورة الدموية كلها تخرج من القلب وتعود الى القلب ..
ولكن في الحروب نختار نقطة على دائرة الوطن تكون أقرب الى قلب عدونا وليست الأقرب الى قلبنا .. ولذلك فان السؤال اليوم هو أين يجب ان تبدأ عملية التحرير طالما ان كل مدننا وأراضينا غالية على قلوبنا ونريدها كلها .. كلها يعني كلها ولكن من أين تبدا معركة التحرير؟ .. من ادلب او من المنطقة الشرقية أو من التنف ..

من وجهة نظري فان ادلب تحتاج عملا عسكريا وجراحة أخيرة استئصالية .. والجيش السوري لايزال يملك اليد العليا في تلك النقطة فالأتراك منذ معركة حلب تبين أنهم لايقدرون على تغيير مسار الحرب اذا وقعت اي مواجهات عنيفة .. وقد تدخلوا بكل ثقلهم ودعمهم في معركة حلب التي خسروها رغم انهم سهلوا عملية قتل السفير الروسي في تركيا انتقاما لهزيمتهم .. ومنذ معركة حلب أيقنت أن تركيا ليست مستعدة للمواجهة وتأكد هذا اليقين عندما قتل الجيش السوري خمسين عسكريا تركيا في احدى الغارات .. واهتزت كل تركيا من هذه الفاجعة .. وكانت الخلاصة ان المجتمع التركي جاهز لقبول مشروع امبراطوري عثماني ولكنه ليس جاهزا لدفع الثمن وهذا ماجعل اردوغان يستنجد بالروس لوقف المعركة بدل ان يأخذ دم الاتراك مثل قميص عثمان ويعلقه في استانبول ويحرض على الثأر والانتقام .. ولو كانت هذه الفرصة متاحة لما وفرها لكنه أدرى بمزاج الاتراك الذين وجدوا ان هذه المغامرة تعني حربا لاأحد يعرف كيف ستنتهي .. ومن سيخوضها معهم .. ولذلك فانني على يقين ان ادلب تنضج بهدوء وستسقط سلما او حربا في أول فرصة وبشكل مفاجئ جدا لكل من يظن انها لاتزال بعيدة وأنها منسية في أحضان الوحش ..
ولكن النقطة التي هي أقرب الى قلب العدو الامريكي هي في التنف والمنطقة الشرقية .. وهي التي تؤجل استرداد ادلب .. لأن كل ثقل الحرب متكئ عليها الى أبعد الحدود هذه الايام لأن المنطقة الشرقية يعمل الاميريكي فيها على تحويلها الى الخراج الكبير المتقيح الذي تنتشر فيه الغرغرينا في كل الجسد .. لأنه يقتل المشاريع الحيوية ويقتل الزراعة ويقتل العشائر العربية ويشتتها ويشتريها ويبيعها بأموال عربية .. ولكن نقطة الارتكاز الامريكية هذه هي لكنها أكثر النقاط ضعفا على الاطلاق .. ويجب ألا تتأخر عملية اطلاق حرب العصابات بالذات على القوات الامريكية .. بدل الاكتفاء بقطع الطرقات على تلك القوافل والدوريات .. هذه دوريات تسير في أرض لنا وفي قرانا وفي جغرافيتنا .. وكما كانت طرقات العراق مزروعة بالالغام فان كل طرقات الجزيرة السورية مالتي تسير عليها هذه القوافل والدوريات يجب ان تزرع بالالغام .. فليس من الطبيعي على الاطلاق ان يجوع شعبنا وهو يرى قمحه ومحصوله امام عينيه يباع في تركيا وفي كردستان فيما نحن ننتظر حصصا غذائية وبطاقة تموينية .. ومن غير الطبيعي ان نعيش أزمة وقود ومحروقات فيما النفط والغاز السوري يستريح حوله الجنود الامريكيون ويشربون البيرة ويلعبون الورق والقمار وكأنهم في لاس فيغاس فيما قوافل النفط السوري المسروق تمر أمام عيوننا كمن يرى دمه ينزف .. امام نحن فننتظر حصتنا النفطية الشحيحة .. وتبرد عائلاتنا .. وتتوقف معاملنا .. ونأكل طعامنا باردا .. حتى أننا نسينا مذاق الشاي والقهوة الساخنة ..
اليوم هذه فرصة ثمينة لايجب ان ننتظر فيها أي تفاهمات وعلينا ان نخوض معركتنا لأنها معركتنا نحن وأرضنا نحن .. والعدو ليس في وضع يجعله يتحمل الخسائر المتتالية .. خاصة ان الاقليم بدأ يتحرك .. وهاهم الاميريكون والاسرائيليون والاتراك يحركون الاقليم لازعاج روسيا .. وهم ينقلونها من مواجهة الى مواجهة .. مرة في أوكرانيا ومرة في كازاخستان وربما في داخل روسيا في مرحلة لاحقة .. وهناك في كازاخستان من الواضح ان التفاهمات الروسية الاميريكية بدأت بالتآكل .. وعندما تتآكل التفاهمات بعيدا علينا أن نختار الوقت المناسب لنا كي نبدأ بقضم التفاهمات على أرضنا .. وهذه فرصتنا لاقلاق الاميريكيين الذين صار واضحا انهم ليسوا في حالة هدنة مع الروس بل في حالة هجوم متواصل .. الا في سورية فانهم يحترمون الهدنة .. فهناك استراحة في الجبهات منذ 22 شهرا .. وصار الوقت مناسبا جدا لانهاء حالة الهدنة .. واقناع الحلفاء ان توقيتنا لانهاء الهدنة مناسب جدا لنا جميعا .. فروسيا المتضايقة من تحرشات الناتو ببطنها الاسيوي تستشعر ان أصابع اميريكا في سورية يجب ان تلسعها النار .. نحن من سيشعل النار في أصابعها لأننا أصحاب مصحة حقيقية في حرب التحرير بغض النظر عن أطراف الهدنة او الصراع الاقليمي ..
ولسنا مضطرين لخوض أي معركة كبيرة .. ولكن كما أطلق الاسرائيليون على غزواتهم بالغارات على أرضنا مصطلح (معارك بين الحروب) فان علينا اقتناص هذه الفكرة العسكرية واطلاق معارك بين الحروب التي نخوضها .. وهذه المعارك هي المعارك الشعبية وحرب العصابات بحيث ان حرب العصابات التي يقوم بها الناس والتي بدات بالانطلاق لايمكن ان تواجهها أميريكا التي تخشى من ان اي عنف من قبلها سيثير الناس ويشحنهم بالغضب وستغرق في حرب انتقام عبثية لم تنفعها يوما ..
واذا كان عدد الجنود الاميريكيين في الشرق السوري يقدر بألفي جندي أو أكثر فاننا نحتاج الى تحويل 200 منهم الى نعوش وهذا سينهي معركة شرق الفرات .. وأما الانفصاليون الكرد فانهم أقل شيء في هذه المعركة لأنهم مجرد عملاء .. والعملاء تنخلع قلوبهم عندما يصبحون بلا سيد .. سيبحثون عن السيد الجديد ليكونوا عبيدا له ..
ان العدو يخدمنا كلما تصرف بعدوانية وحماقة .. فسلوكه في كازاخستان واوكرانيا سيزيد من أهمية هزيمته في سورية على عكس مايعتقد انه سيرغم الروس على القبول بمعادلة يحول فرضها عبر تثبيت الامر الواقع .. بينما نحن من يجب عليه ان يجد ان معركة التنف والجزيرة بدأت في كازاخستان .. نحن من نقودها .. وسيتبعنا الروس فيها .. بدلا أن ننتظرهم ليبدؤوها .. فنحن من أوحى لروسيا بأن الغرب وحش من ورق عندما سحقنا اميريكا واسرائيل في العراق ولبنان .. ورأت روسيا اننا أيضا قادرون على ان تكون لنا قوة الصدمة والروع التي أرعبت الاميريكيين والاسرائيليين ومن دون روسيا .. وهنا خرجت روسيا في اثرنا تبحث عنا وتتحالف معنا في الحرب الكونية .. واليوم .. نحن من يجب ان نقود المعركة .. وستلحق بنا روسيا كما لحقت بنا عندما انتصرنا في العراق ولبنان وسارت في أثرنا نحو الانتصارات .. ان الشعوب التي تحارب هي الشعوب التي تلهم الامم .. وتغير النظريات .. والأولويات ..