آراء الكتاب: كتساب و خاخول…. الأخوة الأعداء .. – بقلم: محارب قديم في الجيش السوري

كتساب وخاخول هم الأخوة كارامازوف في رائعة الأدب
الروسي- العالمي للكاتب العظيم دوستويفسكي ، معلم وأستاذ وخبير وطبيب النفس البشرية الذي شرًح بمبضعه ( قلمه ) بواطن و خلجات وألم
ولواعج وضمير وصراع النفس البشرية ما بين الخير والشر والرغبة والنزوات والأطماع والأحقاد والحسد والغيرة
والرذيلة والفضيلة والسقوط المدوي
للأخلاق النبيلة ضحية الأنانية للأنا الطاغية في الاستحواذ والتملك البشع
على حساب المبادئ وآلام الضحايا الضعفاء المسحوقين ، وصراع النفس مع
ذاتها وشكوكها والخوف وترددها بين
الجريمة والعقاب ( درة ما كتبه ) ، بين
الرغبة الكامنة في ارتكاب الجريمة نتيجة الجشع والطمع وهي فطرة في
الإنسان مذ قتل قابيل هابيل ، ونحمل
جيناتها ، وبين الخوف من العقاب ،
والذهاب بعيدا إلى أقصى التطرف حدً
المقامرة ( ” المقامر ” رواية له أيضا )
بكل شيء بشكل بائس مع أمل …….
لعل ، وعسى … هي ورقتي الأخيرة
الرابحة يكون العقل عندها معطلاً تماماً وقد حول صاحبه إلى ” أبله ” كما جاء في روايته التي تحمل نفس الاسم ذاته .

كتساب و خاخول هم الأخوة الأعداء :
الأول اسم ومصطلح في اللغة السلافية
القديمة يطلق على الروسي ،
والثاني يطلق على الأوكراني . وكلا الإسمين فيهما لدى الطرفين روح الهزء
والسخرية من الآخر والتندر .
هما روسيا ( كتساب ) وأخوه الأصغر
أوكرانيا ( خاخول ) ، الذين يجمعهما روابط وثيقةٌ عراها وتضرب جذورها في
الجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد
والطقوس في الأفراح والأحزان والزواج المختلط والأولاد المشتركون ، والجهاد والنضال ضد أعداء الخارج وإمتزاج الدم
والتضحية فيما بينهما في سبيل ذلك ، حرص الأخ الأكبر كتساب على ما يربطه
مع أخيه الأصغر خاخول الذي رغم ، أحيانا وكثيرا ، عقوقه ونكران الجميل وسلوكه و سقوطه أمام إغراء مصالحه ضيقة النظر و تطلعه ” الأبله ” وسعيه للانضمام إلى عائلة غريبة عنه كلياً و عن
جلده وروحه الشقيقة وتوأمه كتساب .
تلك العائلة الغريبة المشبوهة أوهمته
و باعته أوهام وأحلام مادية كاذبة حاولت جاهدة بلا كلل أن تبعده وتسلخه عن أخيه الأكبر الذي مجرد وجوده خطر
على أطماعها وعلى استمرارها حية تسعى تبتلع ما حولها مثل الثقب الأسود ، ونجحت في توظيفه لديها أداة
طيعة في يدها يسبب لأخيه كتساب
الصداع الدائم والمشاكل ويعمل على
إضطهاد ذوي الرحم والقربى المشتركين ،
ومن خلاله تنفذ إلى دار كتساب لتدميره .
هذه العائلة-العنكبوت السوداء ، تمهيداً لذلك ، فتت مجتمع خاخول و حولت أبنائه إلى دمى متحركة غائبة عن الوعي
مغسولة الدماغ من خلال السيطرة الإعلامية وبث الانحلال الخلقي و ماك
دونالدز والليدي غاغا وأحلام امتلاك
الدولار السهل والحلم والوعد الكاذب أن يصبح عضواً
فيها ، ومسحت ذاكرة أجياله الوطنية
وتاريخه المشترك مع كتساب و حولتهم إلى روبوتات تمجّد الرموز والشعارات
النازية الفاشية في مسيرات علنية لحملة
المشاعل في قمصان الشبيبة الهتلرية ،
حليقي الرؤوس وعلى أجسادهم وشم
ورسوم تحي الماضي البغيض ( الذي عانى منه أجدادهم أنفسهم و سقطوا ضحايا له بالملايين ) ، بوجوه محقونة
بالغضب وآذان وأنوف مثقوبة يتدلى
منها الخرز والأقراط ، وهنا لا اتكلم عن
الفتيات وحسب .
خاخول أصبح شعباً مسلوب الإرادة ينهشه و يعضه الفقر والجوع والغلاء
وتنخر عظامه الجريمة والفساد والرشوة
وتعاطي المخدرات ، خالياً عن الأخلاق
والمبادئ والقيم والرحمة يهيم على وجهه متسولاً على قارعة طرق هذه
العائلة بعد أن كان شعبا طيبا غنيا منتجاً ، فأصبح عدواً لأخيه كتساب بتحريض العائلة التي دفعته بغبائه إلى
الوقوف في وجه الدب السيبيري بعد أن وعدته بالوقوف إلى جانبه والقتال معه
ولكنها كعادتها مع كل حلفائها خانته و تركته وحيدا يواجه مصيره كما تخلت عن الكثيرين من قبله .
يكفي أن تشاهد وتسمع على وسائل الإعلام أعضاء البرلمان ( رادا ) والحكومة و تشنف آذانك بلغتهم الفارغة
السطحية الأمية والتأتأة ( تتذكر هنا
قبنًض عضو مجلس عضوات باب الحارة ) والصراخ والشتائم وحفلات الملاكمة على حلبة مجلس ممثلي الأمة .
أو تشاهد أوداج وجوههم المنتفخة وعيونهم المحتقنة من الفودكا و كروشهم المندلقة حتى تعرف إلى أي
درك أسفل وصلت إليه هنا الطبقة الحاكمة ، ويكمل النقل بالزعرور وجود
رئيس في أعلى هرم السلطة ممثل هزيل
كوميدي كان يرقص على المسرح في
سرواله الداخلي ويتفوه بأقذع السباب
الشوارعي .

كتساب و خاخول هما في في النسخة
العربية المطابقة … سوريا ولبنان ، هما
أبو عبدو البيروتي الفارغ المنفاخ ، وأبو صياح الشاغوري الأصيل .
وطبق الأصل ، لدى خاخول أوكرانيا ما لدى أبو عبدو من :
سعدو السائح التائه الزائغ ، و جعجع السفاح قاطع الطريق ، و السنيورة
الباكية على كتف أولبرايت و فلتمان ،
و ريفي الداعشي ، والراعي لقطيع من
الذئاب ، وميقاتي سليل الإقطاع في
مسوح الناسك ، وجوقة آل الجميل وشمعون ، والحرباء المتلونة الأفعى الملساء جنبلاط …. و سنيورات من
الحجة بهية إلى الست ريدا ، وهلم جراً .
أعود إلى كتساب و خاخول :
لن أدخل في تفاصيل الأسباب التي أدت
إلى حدوث الحرب الحالية بينهما فقد
أضحت معلومة للجميع ، ولكن …..
أسجل شهادة حية على الحدث ومن قلب و خضم موقعه في مدينة أوديسا
المحاصرة والمعزولة بحراً من خلال
سفن كتساب المشاهدة بالعين المجردة في عرض البحر مع التراشق الناري المتقطع و جعير صافرات الإنذار تدوي في سماء المدينة ( وقد سئمت من تعدادها في اليوم الواحد وانا جالس في شرفة منزلي ) التي تكاد تكون خالية من
سكانها الذين غادر أكثر من نصفهم إلى
بولندا أو مولدافيا القريبة منًا ( شاهد عيان ، لكن ليس قطعاً من شهود
الخنزيرة أو العبرية القابعين إما في فنادق استنبول أو في غرفة ملحقة
بالاستديو وهم شهود على ما يجري في حلب أو درعا ) ، وانتشرت في شوارعها
المتاريس والحواجز المسلحة ( و فتاح الطبون يا غالي ) والقنافذ الحديدية من عوارض ملحومة متشابكة منتثرة في
الطرقات لعرقلة حركة
الدبابات والآليات و تم زرع الشاطىء
بالألغام خوفاً من الإنزال ، وأصبحت الوجوه عابسة يائسة بعد أن كانت ضاحكة تضج بالحياة و النكتة الساخرة
الطريفة ( أهل أوديسا هم حماصنة سوريا في الطرافة و اللطافة ) ، و خلت
المتاجر من ضروريات الحياة و شحًت
المواد الغذائية إلى درجة فقدان بعضها
وارتفعت الأسعار بشكل جنوني .
المهم في كل هذا المشهد هو التالي :
فاجأني و أصابني بالدهشة الرئيس –
الممثل ، وليس لديه أي خبرة أو باع
وتاريخ في السياسة أو خلفية في
القيادة ، فاجأني بصموده و عناده
وثباته على موقفه العدائي من أخيه
كتساب و إدارته لهذه الأزمة التي تمر بها بلاده وحيدا في الساحة بعد أن تخلى عنه وهرب إلى الخارج أغلب أعضاء حكومته ، واطلالته اليومية بمخاطبة الناس و شد أزرهم .
في الأيام الأخيرة بدا عليه التعب والإرهاق واليأس والإحباط والغضب
والقرف من خيانة العائلة الساكس
أمريكية و تركه المحتم الذي لم يعد
بعيدا .
ما فاجأني أكثر هو أن المدن الناطقة
بالروسية إلى الآن رغم حظرها في البلد من قبل الدولة ( وكان هذا أهم أسباب اشتعال أزمة دونباس و لوغانسك التي اشتعلت الحرب انطلاقا منهما كما أدت
إلى خسارة القرم ) والتي كان هواها
و مزاجها و ميلها إلى الأخ الأكبر قاومت
وتقاوم بضراوة الغزو الخارجي .
نسي الناس فساد الطبقة الحاكمة وارتفاع تعرفة الغاز والكهرباء بشكل تصاعدي لا يحتمل وغلاء الأسعار
الفاحش بلا ضوابط مع محدودية الدخل
الضئيل ، بما يشبه الوضع في سوريا ،
نسوا الألم والحرمان و وقفوا بشراسة
ضد التدخل في بلادهم ( أتكلم عن الغالبية ) ، وأكثرهم شراسة وضراوة هم
المليشيات المسلحة اليمينية المتطرفة القومية المتعصبة مثل تنظيمات
آزوف و أيدار التي تقود و تنظم الدفاع عن البلد وتقاتل بكل عناد و عقيدة ، وهم أكثر تنظيما من الجيش النظامي
نفسه .
أرى وأشاهد خسائر كتساب الكبيرة نسبياً والسبب في ذلك يعود إلى بديهية فن الحرب أن المهاجم يتكبد خسائر أكثر من المدافع الذي تقاتل إلى جانبه الأرض
والجغرافيا والسكان المحليون ، ولكن هذا لا يعني أن خسائر المدافع قليلة بل
هي موجعة وأكثر بكثير من المهاجم بسبب قوته النارية الساحقة التي تخلف
دمار مرعب .
والآن ، ما هو مآل هذه الحرب حسب الوقائع وأسبابها :
كتساب دُفع إليها دفعاً بعد أن أعيته الحيلة لسنوات طوال بسبب غباء خاخول والتهديد الوجودي لو تُرك الأخير ألعوبة في يد العائلة .
لم تكن مغامرة غير محسوبة من كتساب ولا مقامرة ، بل خطوة بعد نفاذ الصبر
و انتفاء الحلول الأخرى ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها :
إما قلب وتغيير النظام في دولة خاخول ، وهذا على الأغلب ما سوف يحصل بعد أن تخلت عنه العائلة ، وانتزاع والقضاء على النازية الجديدة ، فأي بقاء لها ولو رمزي هو خطر مستقبلي و سيعيد التاريخ نفسه ، أو
استسلام مضمون أممياً ودولياً حسب
شروط كتساب يلغي أحلامه العبثية
وانتظاره ل غودو ( العائلة ) الذي لن يأتي .
غير ذلك هو قطعاً انكسار و هزيمة ل
كتساب و سقوط مدوي لسمعته مما يعني عجزه عن لجم خاخول فكيف بك
أن يتصدى للعائلة نفسها و يناطحها ويقدم نفسه قطباً عالمياً جديداً مشاركاً
في لعبة الأمم و تقرير مصير العالم .
غير النصر هو سقوط مدوي لأبو علي
كتساب على أيدي مواطنيه و مناصريه
وكل من آمن به من مُضطهدي و ضعفاء
هذا العالم .
أي حرب في التاريخ تنتهي إما بنصر
وهزيمة الآخر أو حول طاولة المفاوضات والتوقيع والاستسلام حسب
شروط الأقوى .

ختاماً ، هذه الحرب أفرزت اصطفافات في العالم وأسقطت أقنعة كثيرة ( كما الحرب العالمية على سوريا ) ، وما بعدها ليس كما قبلها و هي نذير شؤم
لتركيا و إسرائيل اللتين لم تخفيا انحيازهما الفاضح والعلني إلى خاخول وبالتالي إلى العائلة التي ينتميان إليها،
وهذا سوف يكون له إسقاط إيجابي على
الساحة السورية .

بقلم مقاتل قديم في الجيش العربي
السوري – مدينة أوديسا ، مع تحية
إلى دوستويفسكي الفينيقي الرائع

‏‫

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s