ماالذي يعيد قلبي كما كان في صدري وقد سرق منه كما سرق الحجر الاسود من الكعبة وغاب عشرين عاما؟ وماالذي يرمم جدران روحي التي تصدعت كما تصدعت جدران الكعبة عندما رميت بالمنجنيق؟ وماالذي يعيد لي طمأنينة نفسي التي طارت فزعى مثل عصفور صغير أطلق عليه الصيادون النار وأخطؤوه؟ ومن يرمم جرحي الذي استقر في ظهري؟ هل اخراج النصل من جسدي سينقذه ام سيزيد فيه النزيف .. ان بقاء النصل يتغلغل في الجرح أحيانا هو الأفضل ..
يظن التائبون ان توبتهم المبللة بالندم والمغمسة بالاعتذار كفيلة بأن تشفي الجروح والقروح القديمة .. وهم لايدرون أن الاعتذار أصعب وقعا على النفس أحيانا من لحظة الطعن بالنصل ان صدر من منطق براغماتية وانتهازية .. وأن اخراج النصل من الظهر هو أكثر ايلاما من لحظة اختراق الظهر بالنصل ..
منذ فترة ونحن نسمع خليفة المسلمين العثماني يتودد لنا .. ونسمع ان حماس تتودد لنا .. ولكن ظهرنا لايزال مليئا بالسكاكين .. ودمنا ياأردوغان لايزال ساخنا على الأرصفة .. وأحبتنا لايزالون غائبين .. وجثامين شهدائنا مغروسة في كل متر .. وكلما أخرجت سكين مغروزة من لحمنا نزفنا أكثر وتألمنا أكثر وتذكرنا أكثر بيوتنا التي هدمت وفيها أغلى ذكرياتنا .. وتذكرنا جيراننا الذين قتلوا أمام أعيننا وكانوا بالأمس يشربون معنا القهوة ويلقون التحية علينا من الشرفات .. وتذكرنا اصحابنا الذين ضاعوا في المنافي وفي البحار .. وتذكرنا أطفالنا الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم واخوتهم ورفاقهم .. وفقدوا مدارسهم ومقاعدهم وكتبهم وألعابهم وفقدوا طفولتهم التي عاشت في الرعب ومات فيها الأمان .. وعاشوا في الخيام .. وصاروا لاجئين لدى أسماك البحر التي شبعت من لحوم السوريين في بحر ايجة ومضيق الدردنيل ..
قد نقبل اعتذارا من الاوروبي لأنه عدونا وقد نقبل اعتذارا من الامريكي لأنه عدونا وصديق عدونا .. وقد نقبل اعتذارا من الخليجي لأنه كلب عدونا ولأنه عبد مأمور عند عدونا .. ولكن من كان في جنتنا هو أنتم .. ومن أكل من بيت مونتنا هو أنتم .. ونام في ديارنا هو أنتم ..
سورية فتحت بيتها للأتراك دون أمم الأرض .. وفتحت بيتها لحماس .. وسورية فتحت اقتصاد حلب كله كي ينتعش اقتصاد جاءت منه سفينة مرمرة وكي تكافئ كلمة واحدة قالها أردوغان في دافوس من اجل فلسطين .. والنتيجة ان آدم التركي وحواء حماس أكلا من شجرة الربيع العربي الملعونة حتى تكرّشا ..

اسمحوا لي أن أقول بأن أوقح مافي بيان حركة حماس هو أنه جاء صدى لبيانات تركيا وكأنه كان ينتظر الأوامر .. وأتفه مافيه هو أنه انتظر تصريحات تركيا التي تعبر عن رغبتها بالمصالحة مع السوريين .. فبدت بيانات حماس وكأنها استجابة لطلب تركي .. وانصياع لأوامر وتوجيهات من استانبول وكأنها فرع للمعارضة السورية .. وليست قناعة من القلب والروح .. وستبدو حماس في توقيت بيانها التركي وكأنها تقول انها مرغمة على هذا السم لأنها لم تقل للفلسطينيين ان قيادتها أخطأت وانها كانت آثمة .. فقد بقي الجيش السوري في نظر الجميع وذاكرة الكثيرين الجيش الذي كان يقتل شعبه ويحرق المدن والمساجد ويتسلى بقتل الاطفال مثلما يقتل الجيش الاسرائيلي الاطفال .. ويغافل المدنيين فجرا بالسلاح الكيماوي .. رغم ان كل أمم الارض هي التي كانت تقتل الشعب والجيش السوري وأطفال المدارس السوريين .. ولم ترو حماس لشعبها حتى اليوم كيف كانت دمشق تقصف من قبل الارهابيين بالتنسيق مع اسرائيل وانها لاتزال تقصف بالطيران الاسرائيلي والارهابيين .. وكيف ان شمالها محتل من تركيا وشرقها محتل من اميريكا وجنوبها محتل من اسرائيل .. ولم تقل ان جبهة النصرة فاجرة وارهابية وكانت مثل هاغانا الصهيونية .. ولم تقل ان داعش كانت ترضع من أثداء تركيا .. وأن كل من قاتل وقتل جيش سورية كان آثما ومجرما وحقيرا والى جهنم وأولهم المتطوعون الفلسطينيون الاسلاميون المتطرفون في صفوف المجاهدين الارهابيين والاخوان المسلمين ..
أما ماتقوله تركيا في سورية وعن سورية فهو أحقر مما نظن .. انها تضعنا في مستوى الامارات والسعودية ومصر واسرائيل .. اي انها تصالح الأوغاد جميعا .. ونظهر فيها وكأننا صفقة رابحة لتركيا مع أوغاد مثل الخلايجة ومجرمين مثل الاسرائيليين .. أي ان اردوغان يقدمنا لشعبه العثماني التافه على انه مضطر للمصالحة مع مجرمين وخونة كما اضطر للمصالحة مع الانذال الخليجيين العرب ومن المصريين والاسرائيليين من أجل تحسين وضع تركيا في المنطقة .. والتركي في قرارة نفسه يدرك ان الخلايجة عملاء اميريكا واسرائيل ويتفهم ان تركيا لاتحبهم ولاتحترمهم ولكنها مضطرة لذلك ولكن قلبها يكرههم ولن يتبدل شعوره بالنقمة والاحتقار لهم .. وسيفهم نفس الرسالة بالنسبة للسوريين .. ويضع اردوغان سورية في نفس السلة مع الخونة والمجرمين والمطبعين والاسرائيليين .. رغم أننا نحن من دفعنا ثمن خسته ونذالته ونذالة العرب والخلايجة .. وفي منظر اسلامييه لانزال كفار قريش وهو النبي الذي يبرم صلح الحديبية معنا ويعود من دون حج ومن دون صلاة في الجامع الاموي .. على ان فتح مكة أو فتح دمشق هو مايعمل عليه ومايجب ان يحدث في المستقبل ..
الاعتذار برأيي لامعنى له اذا لم تقم حماس وتركيا برواية الحقيقة عما حدث وعن الظلم الذي تعرض له الشعب السوري والجيش السوري والقيادة السورية .. وعن سوء النية وسوء التصرف وسوء الاخلاق والفجور الذي تمتعت به قيادات تركيا وقيادات حماس والقول ان هذا الموقف الجديد ليس مبنيا على تكتيك ومقولة (مرغم أخوك لابطل) .. والا فان اي تحول في موقف مستقبلي ونكوص في العهود سيستدعي تلك الذاكرة القبيحة عن الروايات الاسلامية الاخوانية عن وحشيتنا تجاه اهلنا ومواطنينا التي تحولت الى وثائق وحقائق لاتقبل النقاش في مخيلة البعض .. ولذلك على الجميع ان يحكي للجميع عن كذبة الأسلحة الكيماوية التي قيل اننا قتلنا بها شعبنا .. وعن مجزرة خان العسل الكيماوية التي ارتكبها الاسلاميون برعاية تركيا ومجزرة الغوطة الكيماوية لاستجلاب تدخل امريكي .. على الرواية السورية ان تروى على مسامع كل جمهور حماس وجمهور اردوغان .. عن العنف الطائفي وعن التحريض المذهبي وعن الجنون الديني الذي كانت تغذيه قطر واعلام الخليج ودعاية أردوغان .. ويجب ان يعلم الجميع ان معظم من قتل في سورية من المدنيين كانوا ضحايا الارهابيين وليسوا ضحايا الجيش السوري .. قتلوا في مجازر لاتحصى .. وقتلوا في نسف الشوارع وفي مدافع جهنم وقذائف الهاون وحفلات الاعدام الجماعية وذبحوا فجرا وأحرقوا في أفران عدرا العمالية .. وان معامل سورية سرقت وثروتها نهبت .. ومدخراتها سلبت ..
اذا لم تقل الرواية الحقيقية فلا معنى لهذه المصالحة .. لانها مصالحة المضطر البراغماتي لا التائب الذي يراجع نفسه ويعترف ويقر بالحقيقة علنا ..
نحن لسنا مضطرين لقبول الاعتذار الا من منطق البراغماتية أيضا .. ولكن قبول الاعتذار دون اعتراف وعلني بالخطيئة والاثم وقول الحقيقة من قبل الخاطئين والآثمين سيكون أكثر خطرا من تلك اللحظة التي قبلنا فيها أردوغان الوديع وكافأناه على سفينة مرمرة وخطاب ومسرحية ديفوس .. والتي تحسسنا فيها خنجر حماس في ظهرنا .. ووجدنا بصماتها على مقابض الابواب وهي تحاول ان تفتح قلعتنا للغزاة .. ولو كانت حماس منسجمة مع توبتها لقالت بأن فلسطين أرض محتلة كما هو شمال سورية وادلب ولواء اسكندرون ..
الكعبة لاتزال متصدعة الجدارن منذ ضربت بمنجنيق الربيع العربي .. والحجر الاسود لايزال مفقودا ومسروقا منذ ان تولى قرامطة القرن العشرين امور دينها ودنياها .. والجنة ليست مكانا يعود اليه التائبون بعد أن خرجوا منها وقد تعلموا ان يعيشوا بين الثعابين .. ويأكلوا مع الثعابين .. ويناموا مع الثعابين .. ويستمعوا للثعابين .. والشياطين ..


