لاأحتاج أحدا ان يقول لي ان هناك قدرا من اليأس ينتشر بين الناس .. ومن العيب ان نتباهى اننا صامدون ولانرصد ماذا يدور في قلوب الناس .. فالحال صعب والمال يشح وغرف المؤونة والمدخرات تتراجع .. وجهل الحكومة في طريقة مخاطبة الناس يسهم في انتشار معظم هذا اليأس لأنها لاتتحدث بصراحة مع الناس .. ويبدو جهازها الاعلامي مثيرا للشفقة ويحتاج لمن يعلمه أحرف الهجاء والعد الى عشرة مثل أطفال الحضانة .. وتبدو الحكومة – وان لم تقصد – وكأنها لاتقدر ان توفر لهم العدالة والخبز .. وهل كل الحياة الا في العدالة والخبز ؟؟
العدل بلا خبز لايعيش وسيتحول العدل الجائع الى وحش من الظلم .. والخبز من غير عدل سيطلق الطبقات .. وماأدراك ماالطبقات .. الطبقات هي نوع من الانفصال الافقي لايقل عن الانفصال العمودي الذي تقوم به قسد وماقام به قبلها سايكس بيكو .. فما هو الفرق بين انفصال الاقاليم او الطوائف او القوميات او الاعراق وبين انفصال الطبقات الافقي في بلد واحد يعيش الناس فيه كخليط كثيف من كل الالوان ومع هذا فانهم منفصلون في طبقات كما هي طبقات البيكوات والعائلات السياسية اللبنانية التي تعيش في حالة بذخ فاحش وقصور ألف ليلة وليلة فيما يحشر الناس في زرائب الطوائف التي يملكونها؟ .. والزرائب تضيق وتخنق البهائم وهي حبيسة المذاهب الخائفة من المذاهب حيث لايطلق الراعي سراحها من زريبة الخوف لأنها يصور لها ان خارج الزريبة ذئاب المذاهب التي تنتظرها .. والحقيقة ان الراعي هو من يأكل هذه الخراف وهو الذئب الأكبر .. وعائلته هي عائلة الذئاب ..
اليأس لايواجهه الا بث الأمل .. والأمل لايكون الا بالصدق .. ولكن من هو الافضل كي يبث الأمل ويستمع للناس غير الجهاز الاعلامي وعبقرية التحكم بعقول الناس وتوجيهها واطلاق العنان لأرواحها نحو التفاؤل؟ ولكن الجهاز الاعلامي السوري الذي كان يلعب دور سرحان عبد البصير قبل الحرب بدل ان يتطور وصل الى مرحلة الحج محمد والقاضي النائم .. ولمن لايعرف الحج محمد والقاضي النائم .. فانهما مساعدا القاضي في مسرحية شاهد ماشافش حاجة .. الحج محمد هو ماكان يطلقه سرحان على القاضي الأصلع في المسرحية الذي لم ينطق بكلمة طوال محاكمة سرحان والذي كان سرحان يمر على صلعته ويمسحها ويقبلها ويتودد اليها دون اي تعليق من القاضي الصامت .. ولكنه وفي آخر مشهد من مشاهد المحكمة يودعه سرحان بسخرية .. اما القاضي الاخر الذي كان مثل نائم او ميت فانه ينطق فجأة ويقول: مع السلامة ياسرحان .. سرحان الذي يصاب بالدهشة لأن هذا القاضي الديكور تكلم وله صوت وحس وحركة .. وهو أفضل من يمثل الاعلام الوطني السوري ..



اليوم اعلامنا في هذه المسرحية الشرقية الكابوسية حيث الصراعات والمخابرات الدولية وخبثاء الحرب النفسية من كل انحاء العالم وأنحاء الفيسبوك الاربعة وأطراف السوشيال ميديا .. يتصرف مثل الحج محمد والقاضي النائم .. لارائحة ولاطعم ولا لون .. في وقت يجب ان يتحرك لاحتلال قلوب الناس وليحدثهم بصراحة ..
يكتب الي بعض الناس .. وهم في حالة من اليأس .. ويقتربون من الاستسلام للقدر .. ولكل يأسه وقنوطه الخاص به .. ورغم ان الجميع يقر ان اميريكا هي سبب هذه الكارثة وليس لديهم أي شك في ذلك الا انهم يريدون ان يستمعوا لخطاب وطني شفاف وصريح ذكي من الاعلام الوطني الذي لايزال في الساحة مثل الحج محمد .. والناس لايزال لديهم مخزون هائل من العناد والصبر والتحدي لكن من يحرضهم ويشعل هذا البارود فيهم نائم وفي سابع نومة .. وعندما يحصلون على الصراحة والشفافية فانهم لن يفكروا بالاستسلام ولا باليأس ..
للأسف فان القاطرة التي تقود وعي الناس وضميرهم معطلة وهي الحركة الاعلامية النشطة .. هناك مثقفون يحاولون تقديم اقتراحات بناءة جدا لوزارة الاعلام والقيام ببرامج ووثائقيات وتحقيقات ولكن الوزارة تتصرف بلامبالاة وتتذرع بالعجز المالي واحيانا بالروتين .. وهناك من يريد ان يزرع القمح في الحقول ولكن وزارة الزراعة لاتسمح له دون سبب وجيه .. ومع هذا تجد انه بدل ان يكون ضيفا على وزارة الاعلام فانه يحل ضيفا على وزارة العدل لمحاكمته؟؟
هناك خلل ما سبب هذه الموجة من اليأس والقنوط .. ربما كان الوضع الاقتصادي سببا مهما جدا ولكن الناس في الحرب تحملت الموت وتحملت المدافع والمؤامرة الكونية لان قدرا من العقلانية والذكاء كان يتم تحريكه في الاعلام الرسمي .. وانقلبت السخرية التي كانت الجزيرة تبثها من قناة الدنيا وغيرها الى اهتمام بسبب سياسة ذكية من التوجيه الاعلامي والاعتراف بالاخطاء دون مكابرة ..
في التحول السوري الى المصالحة مع حماس أكبر مثال على الفشل الرسمي الاعلامي في تسويق هذه العملية التي ربما لها مبررات قوية في العقل السياسي والعسكري السوري .. وهناك اشياء لانعرفها حتما عن هذه المصالحة .. فالقيادة السورية صارت لها خبرتها مع هذا النوع من الكمائن وهي لن تخدع بسهوله ولاشك انها فاوضت بطريقة محترفة جدا ونالت ماتريده وربما امسكت بمفاتيح مهمة تحتاجها في المرحلة القادمة .. ولكن المواطن السوري لم يعرف لماذا قرر العقل الديبلوماسي السوري المحنك القيام بهذه الخطوة التي ظهرت وكأنها وقوع في الفخ من جديد .. وخطوة أخرى في الفراغ .. وانها تكرار لاستقبال اردوغان الذي دخل وعينه على حلب والجامع الاموي .. وبدا ممثل حماس وكأنه يدخل دخول الفاتحين .. لم يخض الاعلام السوري عملية فتح ملف حماس بطريقة ذكية .. ولم يستطلع رأي الشارع السوري بطريقة محترفة ويكشف ان كان هناك تضليل او مبالغة بما يخص حماس .. هل بالفعل شاركت حماس في الحرب ام فقط في الموقف السياسي؟ هل دفعت حماس بكوادرها العسكرية في الحرب السورية ام انها كانت خلايا غير منضبطة لها اجندة اخوانية وليست فلسطينية؟ هل نعلم حجم التورط الحمساوي؟ هل صحيح ان الانفاق التي حفرت كانت من تدبير ومشاركة خبراء في حماس كما يقول البعض أم ان هذا كان مبالغة ونوعا من الانخراط الصغير لمجموعات مخترقة من حماس؟ هل استخدم السلاح الذي زودت سورية حماس به ضد الجيش السوري؟ وان كان كذلك فالى اي مدى وحجم؟ وهل حماس التي تدين الاعتداءات الاسرائيلية علينا سيكون لديها نفس الموقف من الاعتداءات التركية .. وستصدر التنديد بحق اردوغان؟؟
لاشك موقف حماس السياسي السابق المهين والمشين وحده كفيل بتقليب المواجع .. ولكن حجم التورط العسكري لايزال بعيدا عن التوضيح الرسمي والشرح الاعلامي .. وهل كانت القواعد الحمساوية منخرطة ام ان ماحدث كان بسبب خالد مشعل واسماعيل هنية بالاساس؟؟ ومع هذا فان المواطن السوري كان يحتاج ان يتحدث اليه الاعلام الرسمي بذكاء وعبقرية .. وألا ينقل له صور قادة حماس عبر الفيديو والتصوير الاخباري بل على شكل لقطات وصور وومضات ثابتة كي يبدو ان العودة مشروطة .. ويترك التطبيع مع حماس لينتشر بهدوء بدل حديث الشائعات والفيسبوك المفخخ ..
ربما لايقارن التقدم اليوم بالتكنولوجيا بقدر التقدم في الامكانية على التحكم بالعقل .. وهل التحكم بالعقل بالأمر الهين؟ انه أعقد انواع العلوم .. ولو نظرنا اليوم الى طريقة التحكم بالعقل الاوروبي فاننا سنجد ما يبعث على الدهشة .. فالمواطن الاوروبي ليس خارقا وليس مثقفا ثقافة أممية بل ثقافة سياحية وسينمائية .. وهو اليوم يعلم ان حكوماته كذبت وأقنعته في حرب العراق بان الحرب اخلاقية .. وقبلها كذبت عليه في حرب أفغانستان .. ثم في الحرب على ليبيا وفي الربيع العربي ثم في الحرب على سورية حيث تبين ان ماتم دعمه في سورية هو داعش والقاعدة .. وكل هذه الحقائق والاكاذيب ظهرت جلية في آخر عشر سنوات بشكل متتال .. وأظهرت ان الحكومات الغربية مهنتها الكذب على مواطنيها ..
ولكن من جديد في الحرب على روسيا فقد جرف الاعلام الغربي الحاذق والذكي الناس وعقول الناس نفسها التي حربت الخديعة الى الحرب مع روسيا والتحريض على بوتين دون اعتراض شعبي معتبر حتى على الثمن الباهظ الذي تدفعه الشعوب الاوروبية من جيبها لتمويل حرب الناتو على روسيا في حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل .. والاعلام الغربي في استراتيجيته يفكر في تسويق الحرب الروسية الاوكرانية في داخل روسيا على انها حرب بوتين وليست حرب روسيا حيث يفكر الغربي في بوتين النووي الذي صار يهدده في وجوده وفق مايزعم الاعلام كما كان توني بلير يدعي ان صدام حسين يقدر ان يبيد لندن في 45 دقيقة .. ولكن الاعلام الغربي يقدم الحرب للشعب الروسي بطريقة مختلفة كي يظهر انها حرب بوتين وليست حرب روسيا كي يقبل الشعب الروسي ان يضحي بالرئيس بوتين دون ان يؤذي روسيا .. كما فعل الاعلام الغربي مع الشعب السوري الذي حاول هذا الاعلام تحييده في المراحل الاوى بحجة ان مايحدث في سورية هو حرب بين عائلة الاسد والمعارضة الديمقراطية السورية والموقف الافضل هو الحياد والرمادية .. والغاية هي ان يتم تحييد شرائح واسعة من الشعب السوري لتفسح المجال بهزيمة الجيش السوري الذي كان يسمى جيش بشار الاسد وليس الجيش السوري .. على غرار كتائب القذافي وجيش هتلر وليس الجيش الوطني الليبي او الجيش الالماني ..
اليوم اذا كان هناك من استنفار في البلاد فانه يجب ان يقوم في وزارة الاعلام .. وأن تخصص لها موارد ضخمة وان يتم استدعاء المخلصين والمهرة في مجال الاعلام والتأثير والدعاية الوطنية .. ومن المهم جدا اخراج الصف الاول فيها من الخدمة لانه صار واضحا انه لايقدر على خوض هذه المعركة الخطرة جدا التي دخل فيها اليأس بين الناس كما دخلت داعش المدن والارياف .. هذه المرحلة اخطر لأن داعش دخل المدن ولكنه لم يدخل النفوس والقلوب والارواح التي كانت مليئة بالجسارة والشجاعة والأمل والتحدي .. واليوم ليس هناك داعش ولكن الداعش الاشرس هو اليأس الذي خرج من المدن مدحورا الا انه عاد دخل الى القلوب والأرواح وصار يقتل فيها الامل والوطنية ..
المشكلة ليست بالهينة ولايجب ان تكون قليلة الاهمية لأن هناك أطرافا تعمل بشكل نشط جدا وتبث الشائعات وتبث اليأس وتروج للسفر والهجرة وتروج للفشل والمستقبل المظلم .. ولاتقدر ان تبرز انتصار العدالة .. وانتصار الشرفاء .. وأخطاء الدولة وأخطاء المواطن نفسه .. وهناك حلول كثيرة وهمم كثيرة وعقول كثيرة ووطنيون كثيرون وأبطال كثيرون .. وآن لهم ان يتقدموا الصفوف .. وان يتقهقر اليأس ويرحل كما رحلت داعش .. داعش دحرها الجيش السوري .. واليأس والاحباط يحتاج جيشا قديرا من الاعلاميين الأقوياء الاذكياء والشرفاء وليس الى اعلام الحج محمد والقاضي الصامت ..
بلادنا كنز كبير جدا .. كنوزها ليست في نفطها وغازها وليست في سهول الجزيرة والقمح والقطن والمعامل التي سرقت .. بل كنوزها العظيمة هي المخبأة في وطنية قلوب ابنائها التي لاحدود لها .. والتي قاتلت بطريقة اقرب الى الاسطورة والخيال .. وهناك قوة هائلة لاتزال في عزائم الناس كقوة الذرّات عندما تنشطر .. وهناك رغبة في اتمام النصر .. وتوق الى قبول التحدي مع اميريكا وعملائها .. وهناك يقين وصلابة خفية لايراها الناظرون .. وهناك اخلاص ووطنية .. ولكن هذه الكروم تحتاج الى كرّامين أفذاذ .. وتحتاج الى من يطلق ضوء الشمس وحرارتها على هذا الأمل كي يحيا وينتعش ..

للاسف اظن ان هناك قناعة عند الدولة. باننا لا نحتاج للشعب كشريك
يارب يكون مقال فاتحة خير ويُسمع صداه في أرجاء القصر ..
عزيزي نارام ..
الشعب السوري توّسم خيرا في مجموعة من الاعلاميين الشباب الأفذاذ الاذكياء الذين قابلهم سيادة الرئيس واعطاهم دفع معنوي كبير للعمل على إعلام واقعي يحاكي الناس.
ولكن جاءت هذه الحكومة بوزيرها الجديد… اول عمل عمله أقال هؤلاء الشباب ولاحقوهم بالأذيه.
وفقدت الشاشات الوطنيه ألقها التي كانت مازالت في انطلاقتها وخاصة الاخباريه السوريه التي كل اعلام العالم عليها وخاصه العدو.
هناك حلقه تعبث بنا وكلنا امل ان تتفتت هذه الحلقه.
دمت بخير نارام🌹🌹
استاذي الكريم لقد نسيت انه ليس من متابع للاعلام لسبب بسيط وهو انو الكهرباء مقطوعة ياافندي