سلطة العطر على الهواء .. وسلطة النبيذ على الكأس – بقلم: عامر عباس

سلطتي على اللغة لا حدود لها ولكنها ليست مثل سلطة أي ملك او قيصر .. بل سلطتي عليها مثل سلطة العطر على الهواء .. ومثل سلطة الورد على الرحيق .. ومثل سلطة العنب على النبيذ .. وسلطة النبيذ  على الكأس .. لأن الكلمات ليست أشكالا هندسية ننحتها على وجه الورق والصخر .. بل كائنات حية ..لها قلوب تحب وتكره وتنفر وتخلص وتثور وتغضب من مالكها وسيدها .. وأنا لا أريد ان تصبح علاقتي بها مثل علاقة أي ملك مستبد برعيته .. فأنا أخشى أن تخشاني كلماتي ولا تحبني .. وأخشى أن تكون سلطتي عليها ليست سلطة الحب بل سلطة الخوف .. فتتبع قلمي مكرهة .. ولذلك فانها لن تبدو سعيدة ولا يحس الناس أنها جميلة ولا يرون ألوانها الزاهية ولا يشمون لها رائحة العطر والمسك .. ولايعلق العسل والرحيق على أصابعهم وهم يقلبون صفحات ماأكتب ..

اذا كانت الكلمات بلا حب فانها تسير كما تسير الاماء والجواري والعبيد في السلاسل .. بين الأحرار والحرائر دون ان تلفت نظر الناس ودون ان يحبها الناس .. فكي تكون كلمتك حرة عليك ان تحررها من نزعتك وأنانيتك وسطوتك وتعطيها سلطة العطر على الهواء وسلطة العنب على النبيذ .. وسلطة النبيذ على الكأس  .. وسلطة الهواء على الجناح .. وسلطة الحرية على الوجود ..

معياري فيما أكتب هو محبة الناس ومودتهم ليس لي بل لكلماتي التي تحمل الرحيق والمسك والحرية والألوان والجمال والقوة والعزيمة .. واحساسهم بالقوة بعدما يقرؤون .. وبالحب كلما تذوقوا قواميسي .. وبالانسانية كلما انسابوا في مياهها العذبة ..

 وفي كل رسالة حب لي فانني أعترف بأن كلماتي كانت أمينة ونقية وعذبة وحرة وليست فيها ذرة الا من عنصر مشع جديد اسمه الحرية لايزال يبحث عنه جدول مندلييف الذي اكتشف كل المعادن الا معدن الحرية وعناصر الحب الكثيرة .. ولم يجد منها شيئا ..

.. ولذلك فانني امام كل رسالة حب تصلني .. أحس بنشوة لايعرفها الملوك ويتمنون ان يتمتعوا بسرها .. ولايقدرون .. لأنني أصبح بها ملكا على العطر .. وملكا على المسك .. وملكا على قلوب الكلمات التي أحببتها وأحبتني وبادلتها الإخلاص والولاء .. وتبرعت لها بالدم عندما قتلها أشرار الناس .. وتبرعت لي بالدم عندما كنت أحقن جسد وطني بالدم وهو ينزف ..

هذه رسالة محبة .. ومن صديق محب .. أحببت أن أشارككم إياها ..

نارام سرجون

=======================

من عامر عباس الى نارام

العزيز نارام..

تحية عربية معطرة جوري وياسمين، برائحة نيسان الصدق والاستقلال، نيسان الفصح ونيسان رمضان، نيسان عامنا السوري الجديد.. تحية معطرة بكل الحب، حب الوطن، وحب سيد الوطن، وحب حماة الديار.. تحية معطرة بأطيب عطور دمشق، وبخور أطهر المساجد والكنائس والمقامات.. تحية صادقة محبة مخلصة لشخصك الكريم..

شخصك، الذي وإن حصل لي شرف لقائه، إذا أغمضت عينيّ، بروحي وبأفكاري، التي إن أطلقت لها العنان..

فإني لا أتخيل أن ألقاك شخصياً إلا في مثل هذه الأيام، مع قدوم فصل الربيع، حيث يلبس الغيم أجمل ملابسه البيضاء لاستقبال أقدس الأعياد.. ونارام أيضًا لا يأتي إلا في الربيع..

حيث أشجار المشمش مزهرةٌ كما كانت، عندما رأيتها آخر مرة في طفولتي، بمشهد خرافي مهيب، في ربوع غوطة الشام..

حينها.. كان أيضاً شهر رمضان، وكانت المرة الأولى حين أذهب سيران في طفولتي من دون أهلي، برفقة عمي محمد رحمه الله.. حينها كل شيء كان جميل، وفي لحظات كتلك، تُرسم معاني الجمال في أذهاننا، وتُنقشُ في أرواحنا بشكل لا يمكن أن تُنسى بعده، حتى بعد موتنا..

وبفضل أسطرك المكتوبة بشعاع شمس بلادنا، ومنذ أول أيام الحرب التي أعلنوها علينا، أنا كُنتُ أعلم أن كل شيء سيعود جميلًا، لا بل وأجمل ممّا كان.

شخصك الكريم يا سيدي من رائحة الربيع في بلادي، ولا أتخيلك إلا آتياً على قارب خشبي لطيف مزين بالزهور، يمخر نهرًا باردًا ماءه عذب مكوّن من حروف، اجتمعت لتشكل أسمى معاني التحدي والشرف، وعزة النفس، والصدق، والاباء..

نهرٌ يبدأ من سفوح قاسيون، ويصل إلى تحت منزلي هنا في بودابست..

ويلاحق قاربك على ضفاف هذا النهر العظيم غزلان وعصافير وفهود.. ومع وصول هذا النهر يخضرّ كل شيء..

هذا ما يعنيه لي نارام سرجون، وأرجو أن تعرف ذلك..

لأن الكلام كما تعرف أيضًا، فهو يعرف جيداً بأي صوب يذهب..

وكيف ينكتب لوحده عندما تكتب أنت، ولكنه أيضاً يتسلل من بين أصابعي من دون إرادتي ومن دون أي تخطيط، إذا كان صادقًا، وموجهًا لك، فالكلام يعرف طريقه جيدًا.. ولست مسؤولاً عنه، بل هو المسؤول عني..

أغمض عينيّ ولا أتخيل لقاءك إلا في أجمل الأيام، وفي أجمل الأعياد، بكامل أناقة الربيع، مرتديًا أجمل الألوان، ونحن على ضفاف بردى معًا، بعد ما عادت جميع أنهار بلادي..

أتخيل لقاءك على قاسيون، مع من أُحب وتُحب.

أنت كذلك بالنسبة لي، ولا أريد أن أطيل ولا أن أكرر. فشكراً لك على وجودك معنا طوال هذه الأعوام، وألف شكرعلى عطائك يا أشرف الكتّاب ويا فارس قلم هذا الزمان.. كل عام وأنت بخير، وعيد استقلال مبارك ينعاد علينا وعليكم اليوم في يوم السابع عشر من نيسان..

وأمّا بعد..

إن حضرتك تعرف كم كنت أترجم لك من المقالات إلى اللغة المجرية، عندما فرضت عليَّ نفسي أن أقوم ولو بأي عمل من وراء حاسوبي الصغير، في غربتي الضيقة، وكيف كنّا نصرخ معًا بأعلى صوت، كل من موقعه، لنكون صدىً لتلك اللا المقدسة التي نطق بها السيد الرئيس ومن ثم رسمتها حضرتك على أسطر هذا الزمان..

اليوم أود أن أستغل الفرصة وأقدم لك وللقراء الأعزاء ترجمة لكتابة صديقي بيتر الذي كان يسهر معي ينقّح ترجمات مقالاتك لتدبّ فيها الروح، كما كانت عندما خرجت من قلمك، فاسمح لي بإرسال هذه الترجمة المتواضعة لأسطر صديقي، لمقالته الأخيرة، التي أتمنى أن تكون خير طريق لإيصال سلامه ومحبته لك. لأن الجميع يجب أن يعرفوا أن لسوريا أخوة وأصدقاء، هم ببساطة رافضين للظلم، يضمون صوتهم لتلك اللا، متحدين في جميع أصقاع الأرض على التصدي لوباء الليبرالية الجديدة.

السيد نارام، أسلوب صديقي منفرد من نوعه في الكتابة، وقد تبدو غير منتهية، أو غير تقليدية، ولكني أتمنى أن تكون فكرته قد وصلت، وهو أيضاً يعمل على كتابة التكملة، ولكن القدر هو خير كاتب، ونحن في نهاية المطاف مجرد أفراد تستغلنا الكلمات لكي تخرج عبرنا إلى النور. حماك الله ونصرك، وكل عام وأنتم بخير..

على أمل التواصل وإرسال التكملة عما قريب..

عامر عباس


هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s