اعتقد جازما ان كمّ الألم فينا يجعل أي واحد قادرا على ان يكتب الياذة ولو كان أميّا .. ولكن ألم هذه المرة جعل الكتابة أمرا صعبا ومستحيلا ويشبه طعم الجريمة .. فهل هناك أصعب من الكتابة وقلبك يرتدي كفنه .. وأصابعك العشرة ماتت .. ومشاعرك صارت جمرا .. والأصعب من الكتابة هو أن تقرأ اي شيء عن هذا الألم .. بل تشبه القراءة في جريمة حمص غرز الخنجر في القلب .. فكيف تقرأ وعيناك تفيض أمامهما خيالات الشهداء وابتساماتهم الاخيرة .. وكأنها تتحداك ان تفهمها وهي تستعد للرحيل الأخير ..
والرغبة في الكتابة في هذا اليوم تشبه الرغبة بالموت .. فشهداؤنا لم يستشهدوا في معركة مع الكفر الاسلامي ولا في معركة مع الصهاينة ولا في معركة مع أي عدو .. الشهداء كانوا في يوم عرس .. ومافجع الناس هو ان الحرب لاتزال تأكل شبابهم وابناءهم .. ولكن ليس في جبهات الحرب .. فالذين يريدون للحرب الا تتوقف صاروا يجدون ان الاسهل والاقل كلفة ان يلجؤوا لعمليات اشد فتكا ومن غير مواجهة .. فالترصد لباصات المبيت وتفجيرها او الكمائن التي تلاحقها .. والطائرات المسيرة الان هي التي تنال منا غدرا .. ولكن لم يعد الامر اننا نموت ونحن في خنادقنا ودباباتنا .. ولم نعد نموت ونحن نطلق النار بل نموت ونحن نسافر على الطرقات .. أو نتبادل التهاني والقبل .. وهذا أبشع الموت ..
سيقول فيه القائلون الكثير عن هذه الحادثة وبأنها رسائل بريد بين الدول .. وبأنها استهداف لخطوط الطاقة وممرات الحرير .. او انها تعطيل لتسوية هنا او تسوية هناك .. ولكن دعوني من كل هذا .. فدمي الذي اعطتني اياه سورية لم يخلق ليكون حبرا للرسائل .. وجسدي الذي انجبته هذه الارض ليس ظرفا بريديا يحمل بيانات الدول .. وبلدي ليس صندوق بريد بين الامم .. فكيف يقتل جسدي فيه ويكتب بدمه رسالة ثم نودعه في صندوق بريد الازمات الدولية .. وجسدي خلق ليموت محاربا ؟؟
ماحدث هو تجرؤ على كرامتنا وأمننا وهيبتنا .. بعد ان كنا قد ارغمنا العالم كله على ان لايتجرأ علينا وأعطيناه درسا لن ينساه في كيفية احترام ارادتنا .. وعلمناه في يوم من الايام انه لو اجتمع قتلة الارض جميعا فاننا لن نسمح لهم ان يمروا في هذه البلاد .. ولو اجتمعت امم الارض ومجالس الامن واعلام الدنيا وزعماء العالم وجيوش العالم فاننا سنصلب كالمسيح ونقوم لنسود في يوم ثان ..

المجزرة الجبانة في حمص لاتعنيني فيها ايه رسالة دولية ولاتعنيني أي غاية .. فهي كسرت هيبتي .. وهي تجرأت على بطولتي .. وهي قالت لي ماقاله اجمل بيت للشعر العربي .. السيف اصدق انباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب .. وهذه المجزرة أصدق انباء من كل ماكتب وماسيكتب .. وفيها الحد بين الجد واللعب .. اللعب هو في تلك المفاوضات الطويلة التي لن تنتهي مع تركيا كما لم تنته مع اسرائيل .. والمفاوضات مع اميريكا وقسد والملف النووي .. هذه المجزرة تقول لنا باختصار شديد .. ان المعركة التي توقفت عام 2018 لم يعد هناك مبرر لايقافها .. وهي كانت هدنة أرادها العدو طويلة كي يعيد حساباته وأوراقه .. فبعد خمس سنوات على بداية الهدنة .. كنا ندفع كل يوم خسائر .. قويت قسد وتسلحت وأنشبت اظافرها في جسد الفرات ولحم الجزيرة .. وغرزت أصابعها الانفصالية في عيون العشائر العربية .. وفي هذه السنوات الخمس تسلحت المجموعات التركية حتى أسنانها .. وتجذرت وتخندقت في شمال سورية وادلب كما تجذرت الليرة التركية واللغة التركية .. ونكاد نرى لواء اسكندرون ثان يطفو على السطح هناك باشراف الجولاني عميل تركيا .. وفي الجنوب تطاول البعض على الدولة لأنه صار يعرف انها منشغلة بأمور أهم منه ..
في السنوات الخمس الماضية قتل منا الاميريكيون بيد داعش وأخوات داعش وبالغارات الاسرائيلية والامريكية مئات الشهداء .. وكان من الأجدى ان نقدم هذه القرابين العظيمة في جبهات القتال .. لأن سكوتنا الطويل على الرد من أجل بعض الذين تعبوا من الحرب – ونحن قادرون عليه – أذهب هيبتنا .. واذهب قوة الردع .. فالتجرؤ علينا بين البادية وحمص وبين ادلب والسويداء وبالطيران العادي والمسير والكمائن .. جعل الاميريكيين وغير الامريكيين يستخدمون الادوات القذرة التي في أيديهم دون قلق من اي عقاب .. فمن منا يظن ان اي ارهابي لايتحرك الا وفق امر عمليات استخباراتي امريكي هو واهم او منافق او عميل امريكي .. والا فكيف ان اميريكا قتلت زعيم داعش وخليفتها الاول (أبو بكر البغدادي) .. وخلفاءه الثلاثة من بعده .. ولم تقدر هذه الداعش على الانتقام لخليفتها من جندي امريكي واحد لكنها انتقمت من مئات الجنود السوريين وحتى من رعاة الغنم والفقراء الباحثين عن الكمأة .. وكيف ان تنظيم القاعدة والجولاني في ادلب يعلم ان سيده اسامة بن لادن وخليفته الظواهري قتلتهما اميريكا ولكنه لم يفكر ان يطلق مسيرة بدائية على اي مركبة امريكية لكنه أرسل مئات المسيرات البدائية ضدنا وضد حلفائنا ..
أنا لاأتهم اي ارهابي بالعملية .. وأبرئ كل الارهابيين والكفار الاسلاميين .. لأن أي ارهابي هو جندي امريكي برتية كافر اسلامي .. ومجرم اسلامي وهو موظف لدي السي أي ايه براتب رسمي ووظيفة محددة التفاصيل والمهام والدوام وساعات العمل والاجازة والتقاعد ..
الاميريكون والاتراك والاسرائيليون هم القتلة .. ولم ردعنا ايا منهم لم يجرؤ ارهابي واحد على ان ينال من هيبتنا .. لأن سادته كاتوا هم من سيعاقبه ويسلخ جلده ان تسبب لهم برد فعل سورية ..
الجيش السوري هو المسؤول الاول عن حماية الشعب .. وليست ايران ولا روسيا مع تقديرنا ومحبتنا لحلفائنا .. فلكل دولة حساباتها ومشاغلها ولكل دورها المحدد في الحرب .. وكما أننا نحن من صمدنا في البدايات وشجعناهم علىى ان يدخلوا الحرب التي كنا فيها نقاتل العالم كله ببسالة .. أظهرنا لهم ان دخولهم الحرب هو أفضل لهم لأنهم مستهدفون مثلنا .. فان علينا ان نعيد عليهم الدرس .. ولكن الاهم هم أن الجيش والاستخبارات السورية لهما أولوياتهما ومعاركهما الخفية التي لايجب ان تتقاطع دوما مع الحلفاء وساعة توقيت الحلفاء .. فهذه الضربة في حمص موجهة لهيبتنا وفي عقر أهم أكاديمية سورية .. هي الكلية الحربية مصنع الجيش السوري .. فكل ضابط هناك هو دبابة لاتقهر يتم تصنيعها في تلك الأكاديمية .. والمجرزة وقعت في مناسبة أهم يوم في تاريخنا الحديث وهوحرب تشرين .. ونصيحتي لكل الشباب الذين رؤوا مشهد الاكاديمية ونتيجة جريمتها أن يعرفوا ان الدور سينال من اي منهم .. سواء في باصات المبيت او في عمليات قذرة .. او في حفل او عرس او مهرجان غناء .. او في الشارع أمام محطة الوقود .. لسبب بسيط هو أن الاميريكي لم يرتدع .. ولو ارتدع الاميريكي فانه سيردع التركي والاسرائيلي .. وسيردع الجراء التي يربيها في التنف وفي ادلب ..
كل ماعلى الارض من هدوء لم يعد صالحا للعيش .. والحرب ستكون أقل كلفة بكثير من هذا الانتظار المميت .. وأوراقنا التي في الادراج وصواريخنا التي في المخازن صار من الضروري ان نخرجها .. لأن لافائدة من الصواريخ اذا لم تردع .. وكما قال المفكر الروسي الكساندر دوغان: (ان العالم من غير روسيا لايستحق ان يوجد) .. في تهديد رهيب من ان روسيا ستذهب الى حد الانتحار النووي اذا فكر الغرب في ان يقتل روسيا الدولة والوطن ويهزمها .. وهذا مايجب ان يكون فكرنا وفلسفتنا في هذه المرحلة من الازمة .. وأن نقول للعالم:
ان الشرق لايستحق ان يوجد اذا لم توجد سورية التي نحبها ونعرفها .. وسورية لاتستحق ان توجد اذا لم يحترمها هذا العالم ..
الموت في الحرب هو دعوة للكبرياء وموت بمذاق الحياة .. وأما الموت في اللاحرب فهو موت ضائع .. وقد طاب الموت ياشباب .. لأن القضية هي (أن نكون أو لانكون) أمام هذه القوى الغبية التي لاتفهم الا عندما تفصد عروقها وأوردتها وشرايينها .. وتتذوق الجراح بسيف دمشقي ..
كلمات, عبد الجليل وهبى
,لحن, و أداء فريد الأطرش
شعبُنا يوم الفداءِ فعلـُــــــــــه يسبقُ قولـَه
لا تقـُل ضاع الرجاءُ إنّ للباطل جولة
ما لعدوان ٍ مقرٌّ و الوغى كرٌّ و فــــرُّ
نحن للتاريخ أمجـــــــــــــــــــــــــاداً بنينا
و رسالاتُ الهُدى بين يدينا
نحن شعبٌ لا يبُالي يتسامى للأعــــــــالي
بكفاح و نضال و جنود الله حولــــــــه
إنّ للباطل ِ جولة
فوق أرضي لن يمروا و بها لن يستقروا
في طريق ِ النصـــــــر ِ لن نحني الجبين (الجبينا)
لن يهونَ العــــــــــــــــــــزمُ فينا لن يهون
أرضنا للحق مهدٌ و انتصار الحق وعدٌ
لم يدُم للظلم ِ عهدٌ لم تعـِش للظلم ِ دولة
إنّ للباطل ِ جولة
قـُل لهم أين المفرُّ ؟ فلهم يوم أمـــــــــرُّ
قد تأخينا هـــــــــــــــــــــــلالاً و صليباً
و تلقينا بعيــــــــــــــــــــــــــــــداً و قريباً
يا له يومٌ مقدر يذكرُ التاريخُ هولـــــــــه
هلّل الشعب و كبّر قائــــــــــــــــــــــلاً :
ُالــلــهُ أكــبــــــــــــــــرُ .. الــلــهُ أكــبــر
لا إلـه إلا الــلــه