أحلام اسرائيل الكبرى التي صارت صغيرة .. أخبار سيئة للنتن ياهو وهو يحتفل


كم صارت أحلام اسرائيل صغيرة .. وكم يبدو الاسرائيليون في حال مثير للشفقة وكالغريق الذي يتعلق بقشة .. وتخيلوا ان هذه الاسرائيل ومعها أميريكا احتفلت باستعادة 4 اسرى اكثر مما احتفلت يوم دخلت القدس وأكثر مما احتفلت يوم انشائها .. وهزمت سبعة جيوش عربية .. النشوة التي أصابت نتنياهو في الحقيقة تسببت لي أنا بالنشوة .. وأنا ارى هذا الملك العبراني الصغير لايريد من هذه الدنيا الا ان يقنع الناس أنه تمكن من استعادة أربعة أسرى .. وصار يمشي في الارض مرحا وبلغ السماء وقد بلغ الجبال طولا .. وصار يسير وكأنه داوود نفسه ..
عندما تتراجع أحلام الطامحين والأقوياء تتعاظم مهرجاناتهم في الانتصارات الصغيرة .. ويبالغون في الفرح .. ويبدو أننا تبادلنا الادوار مع الاسرائيليين .. فكما كنا نحتفل بانتصارات صغيرة فانهم صاروا اليوم يحتفلون بانتصارات صغيرة جدا .. وصاروا يرون انهم بعد 8 اشهر من الحرب .. وثمن كلفهم حتى الان 2000 قتيل .. و20 ألف جريح فانهم تمكنوا من تحرير 4 أسرى .. ولو كان بينهم من أمثال الثوار السوريين لكبر وهلل ورفع الأذان .. وقال ان الملائكة هي التي حررتهم .. وهي التي قاتلت معهم .. والحقيقة فانني اتمنى ان ترسل لهم الثورة السورية من يعلمهم فن التكبير فالتشابه بينهما كبير ..


الاسرائيليون صاروا مسخرة على رأي بهجت الاباصيري .. فهذه الدولة التي كانت تسافر الى مطار افريقي في ساعات وتحرر رهائنها .. لم تقدر ان تحرر الا 4 أسرى من أصل 124 من أرض بجوارها وتحاصرها منذ 15 سنة .. اي 5% من مجموع الاسرى الباقين .. أو 1.5 % من مجموع كل الاسرى قبل عملية غزة .. سينفخ الاسرائيليون عضلاتهم جدا .. وكما توقعنا لم ينتظر نتنياهو ان يحتفل بهدوء بل سارع لالتقاط الصور مع الاسرى كما يفعل الزعماء العرب عندما يحتفلون بفوز خيلهم وجمالهم في سباق الهجن .. وحاول جهده ان يبدو وكأنه سوبرمان او جنكيز خان او ريتشارد قلب الاسد .. وأن هؤلاء الاربعة هم مستقبل اسرائيل العائد اليها بعد ان طار يوم 7 أكتوبر وعاد اليها ..


حتى هذه اللحظة لانعرف تفاصيل العملية .. ولكن مانحن على يقين منه أنها دوما عمليات تشترك فيها المخابرات الامريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية ومخابرات الناتو ومخابرات العرب ومخابرات السلطة الفلسطينية .. والاقمار الصناعية والذكاء الصناعي .. والخونة والعملاء .. والمحصلة ان الموضوع ضربة حظ فقط .. وغالب الظن حسب صديق فلسطيني وضع تصورا يقول فيه ان المجموعة الآسرة تلقت تعليمات مدسوسة في لحظة القصف العنيف بنقل الاسرى بسبب القصف العنيف وتسليمهم لمجموعة ثانية .. وكانت هذه المجموعة ربما فقدت الاتصال بالقيادة لمعرفة الحقيقة .. وبسبب عنف القصف الذي كانت وظيفته خلق انطباع ان الاسرائيليين يريدون قتل الأسرى ويجب اخراجهم من المنطقة .. ربما ظنت المجموعة ان التعليمات التي وصلت حقيقية وقامت بتسليم الاسرى لمجموعة مستعربة ترتدي زي حماس .. وعندما تم اكتشاف الامر تم تبادل اطاق النار وقتل بعض الاسرى ونجا اربعة فقط .. وهذا مجرد تصور ..


المهم .. اسمحوا لنا أن نبارك لنتنياهو هذا النصر .. ولنشتري له كاس شمبانيا ونرسل له سيف العرضة الخليجي كي يرقص رقصة العرضة الليلة مع سارة ويائير .. وسينام الليلة مثل الطفل وسيحلم انه ملك عبراني وملك ملوك يهودي وربما هو المسيح العبراني القادم ليخلص الشعب اليهودي .. وطبعا علينا أن نرسل له قصة ليقرأها قبل النوم تحكي له وتذكره انه حرر 4 أسرى فقط .. وانه عليه ان يحارب 8 اشهر أخرى لتحرير 4 أسرى أخرين .. وان يقتل 2000 جندي اسرائيلي ويجرح 20 ألف جندي .. وان يقتل 40 الف فلسطيني .. وكل ثمانية اشهر يأخذ جائزة من 4 أسرى .. وعلى هذا الحال اذا اجرينا حسابا على هذا القياس فقد تصل كلفة ماسيقدمه لتحرير أسراه .. 240 شهرا أخرى من الحرب (20 سنة) .. مع 60 الف قتيل من جيشه و 600 ألف جريح اسرائيلي .. أي نصف اسرائيل العاملة .. ومقابلهم يقتل 800 الف مدني فلسطيني .. أي أقل من نصف سكان قطاع غزة ..


أنا طبعا أعرف في المعارك تحدث بعض الثغرات .. ولكن الاهم أن يتحلى المحارب بالهدوء عندما يتقدم العدو .. وكنت دوما ارى ان تجربتنا في الحرب السورية علمتنا ان العدو يحاول ان يصور اي عمل وانجاز على انه بداية التغير النوعي والنصر له .. في محاولة لاضعاف نفوسنا والقاء القلق والروع في نفوسنا .. ولكن تعلمت في الحرب السورية أن العدو يمكن ان يتقدم .. ومن يظن انه يقاتل فقط ليتقدم وليتقهقر عدوه دوما فهو ليس بمحارب .. ولايعرف الحرب .. فالنبي نفسه تعرض لنكسة في أحد .. ولذلك فان عقلي كان دوما عقل محارب .. لايشتكي من جرحه .. ولايتخاصم مع السيف والرصاصة .. بل يعتذر من السيف الذي جرحه ويقبله كما قبل عنترة بريق السيف الذي عندما لمع ذكره بثغر عبلة .. ولكن المحارب يقبل السيف أنه علمه كيف يتعلم القتال بشكل أفضل .. وربما كان بعض تقدم العدو سببا جيدا يدفعني الى أن أشد الهمم واراجع الخطط والتدابير .. وتعلمت في الحرب السورية أن الهدوء في الاعصاب .. والتروي في فهم الثغرات والتدابير هو أساس النصر ..


الى كل من يقول ان الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون باهظ جدا من أجل تحرير 5000 اسير .. وان الفلسطينيين خسروا عشرات الالاف وخسروا نصف غزة .. وماكان عليهم ان يغامروا هذه المغامرة .. وهذا المنطق هو منطق قيل عندما قام حزب الله عام 2006 لأن الحزب قام بالعملية من أجل اطلاق سراح خمسة أسرى .. وخسر كل الضاحية الجنوبية اضافة الى مئات الشهداء ..
ولكن لم يسأل احد نفسه لماذا تكلف اسرائيل نفسها ايضا تحمل هذا الثمن الباهظ من أجل عدد قليل من الاسرى؟؟ يعني الجيش الاسرائيلي خسر اكثر من 160 جندي عام 2006 وعشرات الدبابات .. من أجل جثة جنديين .. هل يستحق استرداد جنديين هذا الثمن؟؟ لكن ماحققه حزب الله يومها كان مهما جدا وهو أنه استأصل من نفوس الاسرائيليين الثقة بالنفس التي كلف زرعها خمسين سنة فقدت في 33 يوما فقط .. ماحققه حزب الله هو انه اسس لمستوى من الثقة بالنفس والاستقرار في الجنوب زاده قوة .. وفرض مستقبلا مختلفا .. وتعلمت اسرائيل ان الاعتداء على حزب الله مكلف جدا .. والفلسطينيون استأصلوا يوم 7 اكتوبر من الاسرائيلي الثقة بنفسه .. وأخذوا منه في سبع ساعات مازرعه طوال سبعين سنة ..

وماقدمته عملية اليوم في مخيم النصيرات هو تلخيص لعقل العدو الاميركي والصهيوني وهو ان المفاوضات ثرثرة وان الاميركييين لاتعنيهم صفقات التبادل ويمكنهم من ارئيس الى أصغر جنرال ان يكذبوا .. وانه لاداعي للرهان على اي مفاوضات .. لأن القرار هو اما قتل الاسرى او استعادتهم .. وانه لم يعد هناك مبرر للاحتفاظ بالاسرى الا في توابيت ..


واليوم الجيش الاسرائيلي خسر حتى اليوم وفق تقديرات اسرائيلية داخلية مئات الجنود .. وتم التصريح رسميا في الكيان الصهيوني ان عدد جرحى الجيش الاسرائيلي تجاوز 20 ألفا .. نصفهم مقعد .. فهل يستحق 120 اسيرا كل هذا الثمن؟؟
ويجب ان يتعلم الاسرائيليون اليوم ان الشعب الفلسطيني مستعد لدفع الاثمان .. ولكن على الاسرائيليين ان يعرفوا انهم يدفعون أثمانا باهظة جدا .. والا فلن تتغير المعادلة ..
لايجب هنا حساب الربح والخسارة بل حساب التغييرات في العقل وبنية التفكير التي تؤسس للحياة والاستقرار والحقوق بل والبقاء ..
بقاء الاسرائيليين يعتمد على هذه المعركة .. وهم يدفعون ثمن بقائهم باهظا .. ولذلك فان الفلسطيني والعربي لايجب ان يسأل عن الاثمان التي يقدمها طالما انها أثمان للبقاء والوجود .. الشعب الفلسطيني والشعب العربي واسع ولذلك فان الأثمان لايجب ان تدخل في الحسابات .. وكل محاولة لاستخدام الأثمان الباهظة للتقليل من قيمة المعركة هي ترويجات اسرائيلية ومحاولة لتسهيل الهزيمة ..


أخيرا لنتنياهو .. نحن ندرس شاعرا عربيا اسمه المتنبي نعرفه انه صاحب الخيل والليل والبيداء .. ولكن من أجمل ماقال كان بييتن من الشعر نتعلمهما منذ نعومة أظفارنا يقولان:


على قدر أهل العزم تأتي العزائم … وتـأتـي على قدر الكريم المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها …. وتصغر في عين العظيم العظائم


أنت صغير وقميء وجيشك صغير وقميء .. ومجتمعك المريض المهزوز قميء وصغير .. ونصرك المغمس بدم الاطفال اليوم قميء وصغير .. ودولتك المهزوزة قميئة وصغيرة .. والدليل هي أنه كبرت في عينك الانتصارات الصغيرة التي تكبرها بالميكروسكوب لتراها .. فيما نحن تصغر في عيوننا العظائم .. ونرى كل اميريكا التي معك وكل اوروبا التي خلفك أشياء صغيرة جدا .. ونرى كل الارقام العظيمة والقرابين العظيمة التي نضحي بها من أجل وطننا صغيرة جدا من أجل ان تحيا هذه الارض ..


احتفل اليوم كما تشاء .. لكن سامحني ان أفسدت لك فرحتك وقلت لك بأن المعركة مستمرة يابيبي ..
ونصيحتي .. لاتتبتهج .. ولاتستعجل .. فالمعركة ربما في أولها .. وربما بدأت الأن .. وأنت تظن أنك انتصرت .. ولايعرف الا الله .. ماذا تخبئ لك الاقدار من أحزان ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to أحلام اسرائيل الكبرى التي صارت صغيرة .. أخبار سيئة للنتن ياهو وهو يحتفل

  1. أفاتار رائد زياد رائد زياد كتب:

    واعلم يا ولدي

    أن عدوك ملأ البر وملأ البحر

    فاحذر أن يملأ نفسك أنت

    انتهت الحرب إذا احتل عدوك روحك

    أو أرسل أهواءك تسعى خلفك

    — الشاعر ناهض منير الريس: أنشودة القسام

اترك رداً على رائد زياد إلغاء الرد