أنا لم يحدث أنني ألقيت السلاح .. لأن من يلقي السلاح لايستحق الا أن يكون عبدا ..
لكن فجعني القاء السلاح الذي فاق أي تصور… لم نكن ندري ماالذي حدث .. وكنت قبل تلك اللحظة السريالية ألحّ في معرفة مايجري … وقيل لي ان المحور سيلتقي لاطلاق معركة فاصلة … وكتبت الخبر ولم أنشره لأنني طلبت الخبر اليقين قبل أن أنشر .. وانتظرت وأنا أحترق … ولم يصل اليقين .. وتلعثمت الاخبار … فخمنت أن من ينقل لي الأخبار قد شغله أمر ما .. فأطلقت الخبر ولم أعرف بعد ان كان حصيفا أن أنقل شيئا لم أكن على يقين منه … وأنا من بقي طوال الحرب لايكتب كلمة قبل أن أكون على يقين ..
وكنت أتابع لحظات سقوط دمشق وانا لاأصدق .. اتصلت بأحد الجنرالات في محيط دمشق فقال لي يحدث شيئ لايصدق.. انا وزعت الدبابات في الغوطة بعد الظهر .. والأن مررت على القوات .. ووجدت الدبابات في مكانها .. ولكن لايوجد جنود في الدبابات .. الكل غادروا .. وبقيت وحدي مع عشرة جنود … ليتصل بي ضابط ارسلته الى منطقة درعا ليقول ماقصة أوامر الانسحاب بلا سبب؟؟
كان من الواضح ان شيئا غريبا قد حدث ..
وكنت استغرب غياب الرئيس وصمته المطبق .. والى الان لانزال لانعرف سبب صمته الغامض في تلك الليلة .. هل هو بخير؟؟ هل حدث انقلاب؟؟ ام انه في وضع لايقدر فيه على التواصل .. الشيء الذي أعرفه أنه ليس من النوع الذي يستسلم او يقبل بالهزيمة .. وأنا سأكتب القصة الحقيقية عندما أكمل تجميع مابقي من تفاصيل دون ان نخفي شيئا ودون أن نترك اي ثغرة غير مفهومة في الرواية .. فكل ماكتب تخمينات ولم يكتب أحد الى الان كل الحقيقية..
في ذلك المساء فجعني منظر آخر وهو منظر انهيار أخلاقي عندما أسقط البعض أعلامه الحمراء وراياته ذات العيون الخضر .. وصاروا يتسابقون في نفاق او خوف وهلع على رفع الراية الخضراء ..
في ذلك المساء أحسست بغضب عارم من مذاق هزيمة مجانية بلا ثمن .. وكنت أقول لقد أكل الخونة كبدي .. وكما أنكر بطرس السيد المسيح ثلاث مرات قبل صياح الديك .. كذلك أنكر البطارسة السوريون سيدتهم سورية قبل صياح الديك .. وكان بيننا يهوذات .. يبيعوننا ..
في تلك اللحظة أضعفني الغضب وقررت ان أثقب السفينة التي كنت أقودها لتغرق .. وان أحرقها .. ولن أسلمها .. ولن أنزل علمي الاحمر .. ولن أكتب على نفسي أنني وضعت سيفي جانبا وأعطيته لأي مخلوق .. فسيفي لامكان له الا قلب عدوي أو منغرزا في قلبي .. بل غادرت وسيفي في يدي .. ولن التفت خلفي كيلا أرى البطارسة .. والاسخريوطيين .. الذين أكلوا كبدي ..
اليوم .. زاد وجعي على بلدي .. ووجعي لم يعد يقدر ان يسكت .. وصار مثل النار في قلبي .. ولاشيء يفتك بالقلب سوى ان تصمت ..
أعرف ان النهوض ميلاد .. ولكنه أصعب من الولادة أحيانا .. ومع هذا تحاملت على نفسي .. ووقفت .. وسأستأنف وسأمضي بما انا ماض فيه .. ولو في وجهنا وقفت دهاة الأنس والجان.. فنحن لانستسلم ….. ننتصر … أو نموت ..
هذه معركة خسرناها .. ولكن الحرب لاتنتهي الا عندما تموت قلوب الرجال .. وقلبي لايزال لايعرف الموت .. ويأبى أن يموت .. بل يضخ دمي وحبري بغضب لم أعشه في حياتي ..
هذه معركة لاتعرف المنطق .. وهي ضد المنطق .. ولكن لامنطقيتها تجعل اتجاهها واحتمالاتها مفتوحة ومفاجآتها مذهلة .. ولذلك اياكم أن تظنوا أن أحدا من الرابحين سيقدر ان يضع نهاية للحرب دون أن نقول قولنا فيها ..
وقولنا لايموت الا بموت قلوبنا ..

كنت على يقين انك لن ترحل عنا وانك عائد لا محالة فدم الفرسان يسري في عروقك ولا يعرف دم الفارس ما هو الاستسلام.
اكثر ما آلمنا يا سيدي هم البطارسة وما أكثرهم. هل كنا نشارك هؤلاء الوطن في كل شرفاته ونوافذه؟ كم كان سياجنا واهنا وما كنا نعلم. سقطت القلعة الكبرى وغاب الملك واصبحت قلوبنا خاوية ولا اقول الا من وراء هذا السياج ومن وثقنا به واعتمدنا عليه في حياكته.
لاتزال منا ثلة آلت الا تترك الوطن للغربان حافظة له في القلب والوجدان وانا والله في وعدنا لصادقين وعلى عهدنا لباقين.
ياعينيعليك استاذ نارام
احلى خبربهذا الليل القاسي المظلم هو خبر عودتك للكتابة والنشر.
افتقدناككثيرا ، كنت دائما بالنسبة لي مصدر الهام وحماس وقوة ، كلماتك كانت تعطيني الدفعوالثقة.
عودتكللكتابة ضروري فنحن بحاجة لضوء في هذا النفق المظلم الذي سنخرج منه باذن الله . شكرا