للأسف لم تعد كل الطرق تؤدي الى روما أو الى مكة .. بل كلها تؤدي الى تل أبيب .. ولذلك يجب علينا ان نقر ونعترف اننا في الشرق نواجه نوعا جديدا من الصراعات وسلالات جديدة من الحروب .. وصرنا أحيانا نحتاج الى الاستعانة بالقاموس لنعرف معاني الكلمات الجديدة واسماء سلالات الحروب التي نعيشها .. فهناك الحرب التقليدية والحرب غير التقليدية .. وحروب الجيل الثاني والثالث والرابع .. وانتقلت اميريكا الى حروب الجيل الخامس .. ولكنها في نفس الوقت تشن حربا اعلامية ونفسية واقتصادية وسيبرانية وفضائية .. ولكننا اكتشفنا ان هناك حربا أخرى خفية هي حرب الكلمات .. فنحن تأخذنا عواصف حروب الامريكان المليئة بالكلمات .. الكلمات هي ذاتها التي دمرت العراق من أجل ان يتحرر الشعب العراقي .. وهي ذات الكلمات التي خطفت مصر الى عالم كامب ديفيد وأحلام السمنة والعسل و (آخر الحروب) … وهي الكلمات ذاتها التي خدعت الفلسطينيين الى مشروع سلام الشجعان .. وهي التي أخذت العرب الى تحرير القدس من كابول ثم ابتلع العرب طعما كبيرا اسمه ( الربيع العربي) ورغم مافيه من مسامير وزجاج الا ان كمية السكر والعسل في الكلام عن الربيع العربي جعلت مذاق الدم في الحلوق – التي جرحتها شعارات الحرية والديمقراطية – حلوا ..

وهانحن اليوم بعد قطعان الكلمات والوعود الجميلة والمعاهدات البراقة يصل الينا مخلوق جديد من مكون الكلمات اسمه (الحياد) .. وهو لايختلف على الاطلاق عن مصطلح (النأي بالنفس) .. والحقيقة انه هو ذاته لكنه يرتدي أقنعة أجمل وأرق .. فحاء الحياد ألطف في الفم من نوني النأي والنفس ..

ولكن أصابعي الفضولية أصرت على ان تنزع كل الثياب والأقنعة وتغسل الاصباغ عن وجه هذا الحياد .. واذا بالمخلوق الي وصل الينا هو ذاته كامب ديفيد .. فما هو الفرق بين كامب ديفيد والنأي بالنفس والحياد ..والربيع العربي ؟؟ كلهم كلمات لها معنى واحد وهو: تسليم المنطقة لاسرائيل وانهاء الصراع معها من باب أنها الأقوى والسيدة المطلقة وهي سيدة البيت ونحن الضيوف او على ألأكثر عمال التنظيفات والنواطير والبوابين .. ولكن باخراج ذكي في كل مرة .. فبدلا ان تبرم سلاما واعترافا مع اسرائيل على شكل كامب ديفيد التي في النهاية هي قرار نأي بالنفس وحياد .. هانحن اليوم مدعوون لا الى سلام ولا اتفاقات بل الى شيء جديد هو سلام من غير اتفاقات .. ولكن في النهاية المطلوب ان تستأصل نزعة القتال والتمرد لدى المشرقيين وابقائها لدى الاسرائيليين .. وطبعا لايهم اسرائيل من كل كامب ديفيد سوى ان مصر نأت بنفسها وصارت محايدة ولو تهدّم الشرق الاوسط حولها فهي لاشأن لها به طالما ان الخراب خارجها .. ومشروع البطريرك الراعي في لبنان بالحياد هو تماما الاقرار ان على لبنان الا يكترث بكل مافي الشرق ولو تهدم كله .. اي ان طلب البطريرك الراعي هو معاهدة دامب ديفيد بمذاق جديد وأمبلاج جديد .. كامب ديفيد منقوصة البروتوكولات فقط وتنقصها الصور التذكارية للمصافحات والقبل والعناق الحميم مع الاسرائيليين وماعدا ذلك نسخو طبق الأصل حرفيا .. ولكن في النهاية هو طريقة للاحتيال على سلاح حزب الله .. فبدلا من تجريده من سلاحه يربط السلاح بقرار الحياد اي تحويل السلاح الى المخازن ليصدأ فيها فما الحاجة للسلاح في الحياد في الشرق الاوسط وعلى حدود فلسطين؟

في هذه الحرب أحصينا ملايين الكلمات الهجينة والمولودة في مزارع الكلام .. ولكن كلمة السر في اي فكرة ومبادرة هي تسليم الشرق لاسرائيل بالسلام او بالحياد او بالنأي بالنفس .. وكل سلالات الكلام سنكتشف انها توائم متطابقة ولكهنا متقنعة بالثياب العصرية وربطات العنق .. فالحياد هو كامب ديفيد وكامب ديفيد هي النأي بالنفس .. والنأي بالنفس هو الحياد والحياد هو تسليم السلاح وتسليم السلاح هو الخروج من الشرق وتركه لاسرائيل ..

الحياد لن يولد الا ميتا .. والنأي بالنفس لن يكون طالما ان اسرائيل تريد ان تبتلع كل الشرق .. ولكن هيهات ان نعطي اسرائيل حيادا او نأيا بالنفس و كامب ديفيد جديدة أو أوسلو جديدا

طالما بقيت هناك جياد برية حرة في هذا الشرق .. فلن ينعم أحد بالحياد .. فلاحياة مع الحياد .. ولاحياد مع الجياد .. وطالما اانا في هذا الشرق فاما نحن واما نحن .. ولاخيار آخر لبيت العنكبوت ..