داعش الزيتون في طرطوس .. حكاية مدينتين: طرطوس ومونت كارلو الفارق بسيط


لايقطع شجرة الزيتون الا من كان قلبه فأسا .. وضميره مثل ضمير المنشار وروحه مثل روح المسمار.. وأنا كلما رأيت شجرة مقطوعة أحس ان روحي تنقبض وأن عيني تشيحان النظر عنها كمن يبعد ناظريه عن جثة انسان غارقة بدمها .. وقد ذهلت ان بعض المزارعين في ريف طرطوس أقدموا على بيع أشجارهم للسماسرة والتجار رغم معرفتي ان شجرة الزيتون في الريف الساحلي بل وفي أي ريف تصبح مثل افراد العائلة .. فكيف يبيع الناس أبناءهم او أمهاتهم او جداتهم ؟؟ 

أذهلني خبر تلك المجزرة التي حلت ببعض مزارع الزيتون في طرطوس والمسالخ الميدانية لتقطيع لحم الشجر وبيعه بشحمه وعظمه التي تشبه عملية اعدام جماعي لاتقل عن عمليات اعدام داعش وجيش الاسلام للاسرى وذبح المعتقلين في الساحات العامة .. وليس هناك فارق كبير بين الجريمتين ..  

أحيانا يحاول احدنا ألا يصدق الاخبار السيئة .. ولكن وفيما انا اقرأ الخبر وصلتني رسالة من أحد الاصدقاء الذي قال لي ان النفاق والجهل يبدو في القرار الحكومي الذي قرر التدخل في المجزرة بعد ان أثيرت الضجة .. لأن الحكومة نفسها ومحافظة طرطوس متهمة بأنها تقوم بتدمير بعض الارياف في مشاريع عبثية وغريبة .. وبمجازر لاتقل عن مجزرة الزيتون التي اثيرت قضيتها ..

وأرسل لي هذا الصديق شرحا لمخططات لشبكة طرقات ستنفذ في منطقة جبال الدريكيش الجميلة والخلابة .. والحقيقة ان المخططات تشكل فضيحة بكل معنى الكلمة .. لأن المهندسين والمشرفين على بناء هذه الطرقات قرروا شق طرق اتوسترادات في الجبال بعرض 17 مترا .. وهذه الطرقات الواسعة قررت ان تمر على الاراضي الزراعية التي يعيش منها المزارعون قبل ان تمر في وسط القرى لتأكل مزيدا من الاراضي .. وستسحق مئات الاشجار المثمرة وتطيح بعدد من المنازل فقط لأن اللجنة الهندسية ترفض ان تبعد الطرقات عن الاراضي الزراعية .. وترفض ان تختصر عرضها قليلا الذي يجب ان يكون 17 مترا فقط لاغير .. رغم ان القرى التي تمر منها هذه الاوتوسترادات الواسعة لاتمر فيها الا سيارة واحدة كل عشرين دقيقة .. فلماذا كل هذا البذخ والسخاء في ذبح الاراضي الزراعية والاشجار وكأنها طرق التفافية للمستوطنات الاسرائيلية المحيطة بالقرى الفلسطينية لتبرير قضمها؟؟ 

الامر الذي يثير الضحك ان المخططين المراهقين وضعوا في اعتبارهم ترفيه سكان القرى وتخصيص أماكن على جانبي الطريق كمنتزهات وحدائق ومطاعم وفنادق والتي ستقضم مزيدا من الاراضي .. رغم ان هذه الطرقات محاطة بشكل طبيعي بحدائق طبيعية خلابة جدا من صنع الطبيعة تستحق أن تطبع صورها على بطاقات الدعاية والترويج السياحية .. وستكون اي حديقة ومنتزهات صناعية مثل من يضحك على الناس وعلى نفسه .. حديقة ومقاعد وأصائص ورد وسط الطبيعة والغابات الشجرية .. كمن يقرر ان يضع نافورة صغيرة في وسط البحر ليسمع خرير المياه ..

اما الفنادق فلا ندري كيف ان اللجان المخططة ستدعو شركات السياحة العالمية لبناء فنادق شيراتون والفورسيزن وماريوت في قرى طرطوس وبين بيوت المزارعين الفقيرة قبل ان تقوم بدراسة جدوى اقتصادية وتتشاور مع مؤسسات الدولة المعنية وتتشارك معها الفكرة الجهنمية .. 

كنت اقرأ التفاصيل وأنا لاأصدق نفسي .. ولاأصدق ان كلفة هذه المشاريع هائلة وبلا مبرر الا ماأورده الصديق المرسل بأنها فقط لتبرير سرقة خزينة الدولة وابتزاز المزارعين في المستقبل بحجة القيام بمشاريع اعمار وتطوير وفتح باب للفساد من أعرض الابواب ..وعلمت من ذلك الصديق انه تواصل مع وزارة البيئة ووزير البيئة منذ عدة اشهر دون طائل ودون رد ودون اي اهتمام .. وكأن الطبخة ناضجة ولايريد البعض ان يعكر مزاجه بفتح استقصاء او تحقيق ..واكثر مالفت نظري في رسالة الصديق الغاضبة هي انه قال لي انه زار مونت كارلو يوما وعندما خرج الى ريف المدينة اكتشف انه شبيه بريف طرطوس من حيث الغطاء النباتي والمناخ والبيئة بسبب انها بيئة حوض البحر المتوسط .. بل ان ريف طرطوس أجمل وبديع ورائع ومتنوع وخلاب وليس له مثيل .. ولكنه لاحظ ان الطرقات الجبلية في مونت كارلو ضيقة وبالكاد تمر سيارتان فيها في آن معا .. ومع هذا لم تجتهد بلدية مونت كارلو حفاظا على سمعة مونت كارلو بشق اتوستراد بعرض 17 مترا في الجبال المحيطة ولم تقم ببناء منتزهات في الطبيعة .. 

لذلك ليس الفلاحون والمزارعون فقط من يجب ان يسألوا عن هذه المجازر بحق الطبيعة .. بل حراس الطبيعة أنفسهم الذين يخونون الطبيعة .. ويخونوننا .. عمدا او بغير عمد .. والمعنى في بطن صديقنا الغاضب الذي أرسل الرسالة .. والذي قرر الا يزيد لأنه يؤمن بمقولة: سر ياحصاني قبل أن يطول لساني .. العبارة التي يكررها الاعلامي الجزائري يحي ابو زكريا ..  

مونت كارلو

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to داعش الزيتون في طرطوس .. حكاية مدينتين: طرطوس ومونت كارلو الفارق بسيط

  1. ابلراهيم حسين كتب:

    كلام واضح وصريح ولو نظرنا إلى المهزلة فالتي حصلت في
    إحدى قرى القدموس من تخديم وشق طريف وتمديد شبكة كهرباء لتخديم مشروع شخصي يعود بالفائدة لشخص وليس للصالح العام بينما تعاني نفس القرية التي فيه هذا المشروع من كل إهمال وسوء الخدمات وتنطيش المسؤولين وشظف العيش بكل أشكاله (قرية السميحيقة )

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s